كتابات
12/08/2020

العقلانيّة والموضوعيّة في الخطاب مع الآخر

العقلانيّة والموضوعيّة في الخطاب مع الآخر

لا بدّ لنا أن نعيش العقلانيّة والموضوعيّة في خطابنا مع الآخر، سواء في المسائل الدينيّة، أو المسائل السياسيّة، أو الاجتماعيّة، أو الثقافيّة العامّة، لأنّ القضيّة هي أنّنا نريد أن نجرّب أن نوحّد العقل، أو نقارب بين العقول، إذا لم نستطع أن نتقارب بفعل بعض التعقيدات الموجودة بيننا.

فلماذا لا نفكّر أن نتفاهم؟ أن أفهمك كيف تفكّر، وأن تفهمني كيف أفكّر، حتى لو تباعد الفكران، لأنّك عند ذلك، تعرف المسافة التي تبعد هذا الفكر عن ذاك الفكر، وعندما تحدّد المسافات، تعرف كيف تجرّب أن تقارب بينها، لأنّ مشكلة الناس هي أنّهم لا يفهمون بعضهم بعضاً. ولنقم باستفتاء حول الإسلام والمسيحيّة، كم من المسلمين يفهمون المسيحيّة في معناها، في أصالتها، أو في ما طرأ عليها من اجتهادات وتأويلات، مما قد يُعتبر من وجهة نظر الإسلام انحرافاً؟ وكم من المسيحيّين يفهمون الإسلام، كم من العلمانيّين مَنْ يفهمون الدّين، وكم من المتديّنين مَنْ يفهمون العلمانيّين؟ نحن نعرف أنّ المتديّنين يعتبرون كلّ علمانيّ كافراً وملحداً، مع أنّ العلماني قد يكون منحرفاً عن خطّ الإسلام، ولكن قد يكون مؤمناً بالله، وكم من العلمانيّين يعتبرون المتديّن متخلّفاً، ولا يأخذ بأسباب العلم، مع أنّ الكثيرين من المؤمنين، أعطوا العلم الكثير من عناصره القوّة، لأنّنا ننظر إلى جانب من الصّورة، ولا ننظر إلى الجوانب كلّها...

وقد نظم هذه الفكرة أحد شعراء العراق، وهو من العلماء المتأخّرين، وهو الشيخ محمد رضا الشبيبي، الذي يقول:

حكم الناّسُ على النّاسِ بما        سمعوا عنهم وغضّوا الأعينا

فاستحالت، وأنا من بينهم،               أذني عيناً وعيني أُذنا

صرنا نسمعُ بعيوننا، ونبصر بآذاننا، فكيف تكون الصّورة؟

بين الحماس والعقلانيّة

إنّنا نتناقش ونتصارع في أدياننا وسياساتنا، من دون أن نبحث عن العناصر الحقيقيّة في ذلك كلّه، وهذا هو الذي جعل الحوار بيننا "حوار الطرشان"، أتكلّم ولا تسمعني، وتتكلّم ولا أسمعك، وتتطاير الكلمات من هنا وهناك في الهواء، ولن ينزل إلى العقل والقلب شيء منها.

عندما أحمل عنك فكرةً، فإنّك تتكلّم معي لتزيلها، ولكنّ الفكرة تسيطر عليك، وتبقى الفكرة معي، ولهذا، عشنا لا في لبنان فحسب، ولكن في كلّ هذا الشّرق، عشنا في انفعالاتنا، دون أن نبصر ما حولنا ومَن حولنا من خلال الانفعال.. مَنْ منّا يفهم عدوّه؟! نحن الآن منذ أكثر من خمسين عاماً، نعيش الصّراع مع العدوّ الصهيونيّ، ولكن كم منّا يفهم ثقافة العدوّ، أو يفهم سياسته، أو يفهم خططه، أو علاقاته؟ لا نُنكر، أنَّ فينا مَنْ يفهم ذلك، ولكن كم هي النّسبة؟ مضت علينا مدّة أكثر من ثلاثين سنة، ونحن نمنع الصحافة أن تذكر شيئاً عن العدوّ، ونحن نمنع الكتب التي تصدر عن العدوّ أن تُنشر عندنا. ألم يحدث قبل سنين، عندما تُرجم كتاب نتنياهو، أن صُودِر في البداية؟ لماذا؟ هل نخاف أن يضلّ الناس به؟ إذا كان هذا هو السّبب، فعند ذلك نكون ضعفاء، لا نستطيع أن نحمي فكرنا من أيّ فكر آخر...

أظنّ أنّ بعضكم من المثقّفين قرأ في وقت من الأوقات، أنّ الجامعة العبريّة لديها أكثر من منبر ثقافي، فهي تدرس الشّعر العربي، والقصّة العربيّة، والرواية العربيّة، حتى تعرف كيف يفكّر العرب، عندما يصل البطل إلى العقدة، كيف يفكّ العقدة، لأنّهم يطّلعون على طريقة العرب في حلّ مشاكلهم، وبذلك يعملون على مواجهة الطريقة العربيّة في التفكير، وفي حلّ العقدة، من أجل أن يتعاملوا معه.

مَنْ مِنّا يفهم اليهودية؟ ليس هناك إلاّ القليل، لأنّنا قوم نتحمّس. وربّما يتصوّر بعض الناس أنّني ضدّ الحماس، أو ضدّ الانفعال.. ليست القضيّة كذلك، إنّني أقول، قد تفرض علينا بعض الأوضاع، أو بعض ساحات الصّراع، أن ننفعل في العمليّة التعبويّة، عندما نريد أن نعبّئ جماهيرنا، أو نريد أن نثير الحماس فينا، حتى ينطلق النّاس بفعل هذا الحماس في قوّة المواجهة. ولكن هناك فرق بين أن يكون الحماس هو الخطّة، وأن يكون الحماس جزءاً عقلانيّاً من الخطّة، أن تخطّط وتضع الحماس في أحد مواقع الخطّة، ليكون الحماس عقلانيّاً، ينطلق بكلّ عناصره، يهتف الناس، "يموِّتون هذا ويعيِّشون ذاك"، ولكن القيادة تعرف كيف تجعل من الحماس جزءاً من الخطّة، لتخطّط كيف يبدأ وكيف ينتهي وكيف تضبط كلّ عناصره..

لذلك، نحن نعتقد أنّ الله خلق لنا عقلاً، وخلق لنا إحساساً وشعوراً، ولكن علينا أن نعقلن الشّعور ليتوازن، كما أنّ علينا أن نليّن العقل ليرقّ ويلين، لتكون المسألة هي أن نعيش كلّ إنسانيّتنا..

* من كتاب "العقل والرّوح".

لا بدّ لنا أن نعيش العقلانيّة والموضوعيّة في خطابنا مع الآخر، سواء في المسائل الدينيّة، أو المسائل السياسيّة، أو الاجتماعيّة، أو الثقافيّة العامّة، لأنّ القضيّة هي أنّنا نريد أن نجرّب أن نوحّد العقل، أو نقارب بين العقول، إذا لم نستطع أن نتقارب بفعل بعض التعقيدات الموجودة بيننا.

فلماذا لا نفكّر أن نتفاهم؟ أن أفهمك كيف تفكّر، وأن تفهمني كيف أفكّر، حتى لو تباعد الفكران، لأنّك عند ذلك، تعرف المسافة التي تبعد هذا الفكر عن ذاك الفكر، وعندما تحدّد المسافات، تعرف كيف تجرّب أن تقارب بينها، لأنّ مشكلة الناس هي أنّهم لا يفهمون بعضهم بعضاً. ولنقم باستفتاء حول الإسلام والمسيحيّة، كم من المسلمين يفهمون المسيحيّة في معناها، في أصالتها، أو في ما طرأ عليها من اجتهادات وتأويلات، مما قد يُعتبر من وجهة نظر الإسلام انحرافاً؟ وكم من المسيحيّين يفهمون الإسلام، كم من العلمانيّين مَنْ يفهمون الدّين، وكم من المتديّنين مَنْ يفهمون العلمانيّين؟ نحن نعرف أنّ المتديّنين يعتبرون كلّ علمانيّ كافراً وملحداً، مع أنّ العلماني قد يكون منحرفاً عن خطّ الإسلام، ولكن قد يكون مؤمناً بالله، وكم من العلمانيّين يعتبرون المتديّن متخلّفاً، ولا يأخذ بأسباب العلم، مع أنّ الكثيرين من المؤمنين، أعطوا العلم الكثير من عناصره القوّة، لأنّنا ننظر إلى جانب من الصّورة، ولا ننظر إلى الجوانب كلّها...

وقد نظم هذه الفكرة أحد شعراء العراق، وهو من العلماء المتأخّرين، وهو الشيخ محمد رضا الشبيبي، الذي يقول:

حكم الناّسُ على النّاسِ بما        سمعوا عنهم وغضّوا الأعينا

فاستحالت، وأنا من بينهم،               أذني عيناً وعيني أُذنا

صرنا نسمعُ بعيوننا، ونبصر بآذاننا، فكيف تكون الصّورة؟

بين الحماس والعقلانيّة

إنّنا نتناقش ونتصارع في أدياننا وسياساتنا، من دون أن نبحث عن العناصر الحقيقيّة في ذلك كلّه، وهذا هو الذي جعل الحوار بيننا "حوار الطرشان"، أتكلّم ولا تسمعني، وتتكلّم ولا أسمعك، وتتطاير الكلمات من هنا وهناك في الهواء، ولن ينزل إلى العقل والقلب شيء منها.

عندما أحمل عنك فكرةً، فإنّك تتكلّم معي لتزيلها، ولكنّ الفكرة تسيطر عليك، وتبقى الفكرة معي، ولهذا، عشنا لا في لبنان فحسب، ولكن في كلّ هذا الشّرق، عشنا في انفعالاتنا، دون أن نبصر ما حولنا ومَن حولنا من خلال الانفعال.. مَنْ منّا يفهم عدوّه؟! نحن الآن منذ أكثر من خمسين عاماً، نعيش الصّراع مع العدوّ الصهيونيّ، ولكن كم منّا يفهم ثقافة العدوّ، أو يفهم سياسته، أو يفهم خططه، أو علاقاته؟ لا نُنكر، أنَّ فينا مَنْ يفهم ذلك، ولكن كم هي النّسبة؟ مضت علينا مدّة أكثر من ثلاثين سنة، ونحن نمنع الصحافة أن تذكر شيئاً عن العدوّ، ونحن نمنع الكتب التي تصدر عن العدوّ أن تُنشر عندنا. ألم يحدث قبل سنين، عندما تُرجم كتاب نتنياهو، أن صُودِر في البداية؟ لماذا؟ هل نخاف أن يضلّ الناس به؟ إذا كان هذا هو السّبب، فعند ذلك نكون ضعفاء، لا نستطيع أن نحمي فكرنا من أيّ فكر آخر...

أظنّ أنّ بعضكم من المثقّفين قرأ في وقت من الأوقات، أنّ الجامعة العبريّة لديها أكثر من منبر ثقافي، فهي تدرس الشّعر العربي، والقصّة العربيّة، والرواية العربيّة، حتى تعرف كيف يفكّر العرب، عندما يصل البطل إلى العقدة، كيف يفكّ العقدة، لأنّهم يطّلعون على طريقة العرب في حلّ مشاكلهم، وبذلك يعملون على مواجهة الطريقة العربيّة في التفكير، وفي حلّ العقدة، من أجل أن يتعاملوا معه.

مَنْ مِنّا يفهم اليهودية؟ ليس هناك إلاّ القليل، لأنّنا قوم نتحمّس. وربّما يتصوّر بعض الناس أنّني ضدّ الحماس، أو ضدّ الانفعال.. ليست القضيّة كذلك، إنّني أقول، قد تفرض علينا بعض الأوضاع، أو بعض ساحات الصّراع، أن ننفعل في العمليّة التعبويّة، عندما نريد أن نعبّئ جماهيرنا، أو نريد أن نثير الحماس فينا، حتى ينطلق النّاس بفعل هذا الحماس في قوّة المواجهة. ولكن هناك فرق بين أن يكون الحماس هو الخطّة، وأن يكون الحماس جزءاً عقلانيّاً من الخطّة، أن تخطّط وتضع الحماس في أحد مواقع الخطّة، ليكون الحماس عقلانيّاً، ينطلق بكلّ عناصره، يهتف الناس، "يموِّتون هذا ويعيِّشون ذاك"، ولكن القيادة تعرف كيف تجعل من الحماس جزءاً من الخطّة، لتخطّط كيف يبدأ وكيف ينتهي وكيف تضبط كلّ عناصره..

لذلك، نحن نعتقد أنّ الله خلق لنا عقلاً، وخلق لنا إحساساً وشعوراً، ولكن علينا أن نعقلن الشّعور ليتوازن، كما أنّ علينا أن نليّن العقل ليرقّ ويلين، لتكون المسألة هي أن نعيش كلّ إنسانيّتنا..

* من كتاب "العقل والرّوح".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية