كتابات
30/08/2015

روح المقاومة تملؤنا أملاً بمحاصرة العدوّ يوماً ما

روح المقاومة تملؤنا أملاً بمحاصرة العدوّ يوماً ما

النِّضال ضدّ إسرائيل واجب شرعيّ على كلِّ المسلمين.. والمقاومة تحصد اليوم بذور الثَّورة في كلِّ المنطقة، لتحريرها من الصّهيونيّة والإمبرياليّة.. وروح الجهاد الّتي بدأت تهبّ في فلسطين المحتلّة، وخصوصاً في الضفّة الغربيّة وغزّة، تملؤنا أملاً، لأنها ستسمح يوماً ما بمحاصرة العدوّ...

هذا بعض ما ورد من كلامٍ للعلامة السيِّد محمّد حسين فضل الله في مقابلةٍ له مع مجلَّة دراسات فلسطينيَّة. وفيما يلي نصّ المقابلة:

هويّة المقاومة

ـ كيف يمكن تعريف وتحديد المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ في جنوب لبنان؛ هل هي إسلاميَّة أم وطنيَّة؟ ما هي أهدافها، تشكيلها، طرق عملها؟

ـ ليس بالإمكان الكلام عن هويَّة المقاومة في جنوب لبنان دون إثارة ردود فعل عاطفيَّة. واقعاً، هناك بعض القوى السّياسيَّة تحاول أن تستحوذ على المقاومة، لكي تجعل منها حجّةً أو سلاحاً في دعايتها الحزبيَّة.

أعتقد إذاً أنَّ ما ينبغي تحديده، ليس انتماء المقاتلين إلى هذا التّنظيم أو ذاك، وإنما المعنى العميق للظّاهرة الحاليَّة.. وعلى كلّ حال، فإنَّ هكذا مقاربة للموضوع هي وحدها الَّتي تسمح بفهم الأفق والمغزى الحقيقيّ للمقاومة، كنضالٍ من أجل الحريَّة في منطقتنا والعالم.

إذا اعتبرنا أنَّ المقاومة في الجنوب بمجملها، فإنّا نلحظ قبل كلّ شيء أنها مقاومة إسلاميَّة، وحين أقول إسلاميّة، فإنَّ الكلمة في فمي ليس لها أيّ مدلولٍ طائفيٍّ أو عشائريّ.. إنَّ الَّذين يسجنون الإسلام في هذا الإطار، يشوّهونه ويحوّلونه إلى عامل شقاق وخلاف محمَّل بالكراهية والحقد.

إنّهم يستثيرون بهذا الشَّكل صراعات داخليَّة تهدِّد بتحويلنا جميعاً عن معركتنا الأساسيَّة. لا، الإسلام هو الفكر القرآنيّ المنبثق عن الوحي، والّذي يدفع في حركة واحدة عقلَ الإنسان وروحه، ويعطي معنى لحياته، ويشكِّله ككيانٍ متماسكٍ تتوازن فيه الطّاقات الثّقافيّة والروحيّة والعمليّة، كشخصيّةٍ قادرةٍ على مواجهة كلّ تحدّيات الوجود، كونها تواجهها دائماً بالرّوح نفسها؛ روح الكائن الإنسانيّ المسؤول عن الحياة، عن كلِّ الحياة.

إنَّ إنساناً من هذا النّمط يكون منفتحاً على كلّ الناس، لأنه يشعر بأنه مسؤول عنهم جميعاً، وأنه يخدمهم ويدافع عنهم بكلّ قوته. إنه يعرف أنّ قضية الحرية لا تتجزّأ، وأن الدفاع عن المسلمين يعني بالضَّرورة الدفاع عن المعذَّبين في الأرض، حيثما وجدوا.

إنَّ هذا الإسلام يسكن حاضرنا، وذلك بفضل جيلٍ أقام علاقته مع الله خارج الاستسلام الصوفي والتّجريدات، ومن خلال هذه العلاقة، يتعاطى هذا الجيل مع الحياة بطريقة عمليّة وإيجابيّة، مع بقائها مستندةً إلى الأسس الدينيَّة. إنَّ هذا الجيل يرفض بالطّبع العالم الحاليّ (القائم)، ولكنّه لا يتردَّد في سبيل تغييره في أن يستعمل ضدّه أسلحته نفسها.

وهذا الجيل يعتقد أيضاً أنَّ المفاهيم العصريَّة الرّائجة لا تستطيع في أحسن الأحوال أن تحقِّق أكثر من تغييرٍ شكليّ، لأنَّها كلّها تملك المحتوى الجامد نفسه، بالغاً ما بلغ التحرّك والضّجيج حولها.. من هنا، فكرة صدمها صدمة قويّة ترفع النِّضال إلى مستوى القطع، مع تحديد قواعد له تسمح بإبقاء التوتّر في أعلى درجاته، وأن يستمرَّ ويدوم.

إنَّ نضالنا يأخذ في الاعتبار بالدّرجة الأولى أسس السيطرة الامبرياليَّة في منطقتنا والعالم.. إنّنا نواجه ضرباتنا انطلاقاً من فكرة أنَّ هناك عالمين، عالم المسيطرين وعالم المستضعفين (المسيطر عليهم).

ولذا نرى أنَّ الجهاد يمارس على عدّة مستويات، وفي اتجاهات مختلفة، ولكن دائماً بصلابة وتصميم. إنَّ الإيمان يصقل الشَّخصيَّة الإسلاميّة، وينفخ في قلب المؤمن طاقةً روحيَّة، وهي مع كونها موجّهة بالكامل إلى الله، تصبح قوّة هائلة لا تُقهَر، إنها حركة مؤسَّسة على العطاء المطلق، إذ إنَّ الله وحده يعطي للحياة معناها.

في هذا الإطار، فإنَّ النّضال ضدّ إسرائيل لا يعود يحمل ذلك المعنى الضيّق الذي كان له في السّابق، فلقد أصبح جزءاً من الجهاد الَّذي يُخاض على الصّراط المستقيم، حسب الأصول الإسلاميّة، أي أنه واجب شرعيّ على كلّ المسلمين، تحدِّده في آنٍ معاً علاقتهم بالله وعلاقتهم بالحياة وعلاقتهم بالنّاس، لقد طرحت بحدّة في كلّ عائلة، وعلى كلّ فرد، إلى حدّ أنّه أصبح من الضّروريّ للتخفيف قليلاً من هذا الاندفاع، أن يتمّ تنظيم عمليّات النزول إلى الجنوب، وأن يوضع لها عدد من الحدود.

ويحدث لي أن أستقبل عدداً من الشبّان والرّجال والنساء، الذين يطلبون مني إعطاءهم فتوى للانطلاق، فإنهم يتوسّلون إليّ أن أراجع موقفي وقراري، كما لو كانوا يطلبون منّي إسداء خدمة لهم.. هذا ما يفسّر انتصارنا ومقاومتنا التي استطاعت أن تهزم العدو على الأصعدة النفسيّة والعسكريّة.

إنَّ المقاومة تحصد اليوم بذور الثَّورة في كلِّ المنطقة، لتحريرها من الصهيونيّة والإمبرياليّة.. إنها لا تقبل بأيِّ حلٍّ استسلاميّ، وهي تنتمي إلى الحركة الإسلاميّة المعاصرة المتجذّرة بقوّة في الوقائع السياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة، والمنفتحة على كلّ مظاهر الحياة.

أمَّا عن طريق العمل ووسائله، فهي متعدِّدة، إذ إنَّ المقاومة تفكِّر في أنَّ من واجبها (وذلك على عكس ما كان يحصل في السابق)، مواجهة العدو حيثما هو أضعف ما يكون، بالاستفادة من كلّ عناصر القوّة الّتي تملكها.

ولكني أقول إنّني حين أشدّد على الطابع الإسلامي للمقاومة في الجنوب، فإنني أريد أن أركّز على الطابع أو السمة الغالبة على المستويات الكميّة والنوعيّة، إنني لا أنفي مطلقاً دور المقاتلين من كلّ الانتماءات، والذين لا تحركهم الدوافع الإسلاميّة. إننا نستطيع على كلّ حال أن نجد لدى هؤلاء المقاتلين ما أسميه "العمق الإسلاميّ"، الّذي يدفعهم إلى التحرّك بدون وعيٍ كمسلمين.

إنّني أدعو في هذه المناسبة الباحثين إلى عدم الركون إلى المظاهر، وإلى دراسة الظاهرة الإسلاميّة في العمق؛ فليقارنوا بين مقاومة الأمس ومقاومة اليوم، لا ينبغي على كلّ حال أن يتأثّروا بالصّراعات والحرتقات السياسيّة الرخيصة.

ـ معلوم أنّكم على علاقة مميَّزة مع حزب الله، ما هي مساهمة هذه الحركة في الصِّراع المسلَّح في جنوب لبنان؟

ـ حسب المعلومات الّتي تصلني من الجنوب، فإنَّ الحركة الّتي يطلق عليها اسم حزب الله، تبدو أنها المجموعة الأكثر عدداً في المقاومة، والأكثر نشاطاً، إنها في الوقت نفسه، الأقلّ دخولاً في الثّرثرة والاستعراض.

ولهذا، فإنها لا تعلن إلا عن العمليّات التي تخسر فيها شهداء، وكلّ النّاس تعلم أنها هي من يقف وراء تدمير مقرّ الاستخبارات الإسرائيليّة في صور مرّتين، وتعلم عن عمليّة المطلّة.. أمّا عن التنسيق مع بقية القوى المتواجدة، فإنَّ ذلك يتوقَّف على الاحتياجات العمليّة على الأرض، ولكنّني لا أعتقد أنّه يوجد تنسيق بكلّ معنى الكلمة على المستوى السياسيّ.

أهداف المقاومة

ـ لكي ترعب سكَّان الجنوب، تواصل إسرائيل حاليّاً سياسة قمعيَّة وشديدة الوحشيَّة تسمِّيها "القبضة الحديديّة". إنَّ أحداث الزراريّة المأساويّة شديدة الدّلالة في هذا المجال، هل تعتقدون في هذا السِّياق أنَّ المقاومة الوطنيَّة اللّبنانيّة تستطيع مواصلة نشاطاتها العسكريّة بعد الانسحاب المحتمل للقوّات الإسرائيليّة من كلّ الأراضي اللّبنانيّة المحتملة؟

ـ إنَّ هدف المقاومة الإسلاميَّة هو إنهاء الوجود السياسيّ لإسرائيل في المنطقة، وتحرير فلسطين، إنها تعمل إذاً لتعبئة الشعب كلّه ضدّ إسرائيل وضد السياسات التي تدعو، كما يفعل المحور المؤيّد لأميركا، إلى الاعتراف بإسرائيل ضمن إطار حلّ سياسيّ. إنّ روح الجهاد التي بدأت تهبّ في فلسطين المحتلّة، وخصوصاً في الضفة الغربية وغزّة، تملؤنا أملاً، لأنها ستسمح يوماً ما بمحاصرة العدوّ، ولكن يجب تجنّب التسرّع والاندفاع وردود الفعل العاطفيّة، إذ إنَّ الأمر سيكون بلا شكٍّ عبارة عن صراعٍ طويل الأمد، يتطلَّب أعداداً جديدة في كلِّ المجالات.

إنَّنا حركة إسلاميَّة ثوريَّة، ونحن نعتبر أنفسنا جزءاً لا يتجزّأ من عالم الحريّة في منطقتنا، كما في العالم.. إنَّ نضالنا لن يتوقَّف إلا حين يغادر الصَّهاينة جنوب لبنان، وبما أنَّ الصَّهيونيّة وثيقة الصّلة بالإمبرياليّة، فإنّنا سنواصل النّضال ضدّها بأقوى ما يكون من التّصميم والشّدّة.

[مقابلة للسيِّد محمد حسين فضل الله، مع مجلّة دراسات فلسطينيّة ـ العدد: 16 ـ صيف 1985].

النِّضال ضدّ إسرائيل واجب شرعيّ على كلِّ المسلمين.. والمقاومة تحصد اليوم بذور الثَّورة في كلِّ المنطقة، لتحريرها من الصّهيونيّة والإمبرياليّة.. وروح الجهاد الّتي بدأت تهبّ في فلسطين المحتلّة، وخصوصاً في الضفّة الغربيّة وغزّة، تملؤنا أملاً، لأنها ستسمح يوماً ما بمحاصرة العدوّ...

هذا بعض ما ورد من كلامٍ للعلامة السيِّد محمّد حسين فضل الله في مقابلةٍ له مع مجلَّة دراسات فلسطينيَّة. وفيما يلي نصّ المقابلة:

هويّة المقاومة

ـ كيف يمكن تعريف وتحديد المقاومة ضدّ الاحتلال الإسرائيليّ في جنوب لبنان؛ هل هي إسلاميَّة أم وطنيَّة؟ ما هي أهدافها، تشكيلها، طرق عملها؟

ـ ليس بالإمكان الكلام عن هويَّة المقاومة في جنوب لبنان دون إثارة ردود فعل عاطفيَّة. واقعاً، هناك بعض القوى السّياسيَّة تحاول أن تستحوذ على المقاومة، لكي تجعل منها حجّةً أو سلاحاً في دعايتها الحزبيَّة.

أعتقد إذاً أنَّ ما ينبغي تحديده، ليس انتماء المقاتلين إلى هذا التّنظيم أو ذاك، وإنما المعنى العميق للظّاهرة الحاليَّة.. وعلى كلّ حال، فإنَّ هكذا مقاربة للموضوع هي وحدها الَّتي تسمح بفهم الأفق والمغزى الحقيقيّ للمقاومة، كنضالٍ من أجل الحريَّة في منطقتنا والعالم.

إذا اعتبرنا أنَّ المقاومة في الجنوب بمجملها، فإنّا نلحظ قبل كلّ شيء أنها مقاومة إسلاميَّة، وحين أقول إسلاميّة، فإنَّ الكلمة في فمي ليس لها أيّ مدلولٍ طائفيٍّ أو عشائريّ.. إنَّ الَّذين يسجنون الإسلام في هذا الإطار، يشوّهونه ويحوّلونه إلى عامل شقاق وخلاف محمَّل بالكراهية والحقد.

إنّهم يستثيرون بهذا الشَّكل صراعات داخليَّة تهدِّد بتحويلنا جميعاً عن معركتنا الأساسيَّة. لا، الإسلام هو الفكر القرآنيّ المنبثق عن الوحي، والّذي يدفع في حركة واحدة عقلَ الإنسان وروحه، ويعطي معنى لحياته، ويشكِّله ككيانٍ متماسكٍ تتوازن فيه الطّاقات الثّقافيّة والروحيّة والعمليّة، كشخصيّةٍ قادرةٍ على مواجهة كلّ تحدّيات الوجود، كونها تواجهها دائماً بالرّوح نفسها؛ روح الكائن الإنسانيّ المسؤول عن الحياة، عن كلِّ الحياة.

إنَّ إنساناً من هذا النّمط يكون منفتحاً على كلّ الناس، لأنه يشعر بأنه مسؤول عنهم جميعاً، وأنه يخدمهم ويدافع عنهم بكلّ قوته. إنه يعرف أنّ قضية الحرية لا تتجزّأ، وأن الدفاع عن المسلمين يعني بالضَّرورة الدفاع عن المعذَّبين في الأرض، حيثما وجدوا.

إنَّ هذا الإسلام يسكن حاضرنا، وذلك بفضل جيلٍ أقام علاقته مع الله خارج الاستسلام الصوفي والتّجريدات، ومن خلال هذه العلاقة، يتعاطى هذا الجيل مع الحياة بطريقة عمليّة وإيجابيّة، مع بقائها مستندةً إلى الأسس الدينيَّة. إنَّ هذا الجيل يرفض بالطّبع العالم الحاليّ (القائم)، ولكنّه لا يتردَّد في سبيل تغييره في أن يستعمل ضدّه أسلحته نفسها.

وهذا الجيل يعتقد أيضاً أنَّ المفاهيم العصريَّة الرّائجة لا تستطيع في أحسن الأحوال أن تحقِّق أكثر من تغييرٍ شكليّ، لأنَّها كلّها تملك المحتوى الجامد نفسه، بالغاً ما بلغ التحرّك والضّجيج حولها.. من هنا، فكرة صدمها صدمة قويّة ترفع النِّضال إلى مستوى القطع، مع تحديد قواعد له تسمح بإبقاء التوتّر في أعلى درجاته، وأن يستمرَّ ويدوم.

إنَّ نضالنا يأخذ في الاعتبار بالدّرجة الأولى أسس السيطرة الامبرياليَّة في منطقتنا والعالم.. إنّنا نواجه ضرباتنا انطلاقاً من فكرة أنَّ هناك عالمين، عالم المسيطرين وعالم المستضعفين (المسيطر عليهم).

ولذا نرى أنَّ الجهاد يمارس على عدّة مستويات، وفي اتجاهات مختلفة، ولكن دائماً بصلابة وتصميم. إنَّ الإيمان يصقل الشَّخصيَّة الإسلاميّة، وينفخ في قلب المؤمن طاقةً روحيَّة، وهي مع كونها موجّهة بالكامل إلى الله، تصبح قوّة هائلة لا تُقهَر، إنها حركة مؤسَّسة على العطاء المطلق، إذ إنَّ الله وحده يعطي للحياة معناها.

في هذا الإطار، فإنَّ النّضال ضدّ إسرائيل لا يعود يحمل ذلك المعنى الضيّق الذي كان له في السّابق، فلقد أصبح جزءاً من الجهاد الَّذي يُخاض على الصّراط المستقيم، حسب الأصول الإسلاميّة، أي أنه واجب شرعيّ على كلّ المسلمين، تحدِّده في آنٍ معاً علاقتهم بالله وعلاقتهم بالحياة وعلاقتهم بالنّاس، لقد طرحت بحدّة في كلّ عائلة، وعلى كلّ فرد، إلى حدّ أنّه أصبح من الضّروريّ للتخفيف قليلاً من هذا الاندفاع، أن يتمّ تنظيم عمليّات النزول إلى الجنوب، وأن يوضع لها عدد من الحدود.

ويحدث لي أن أستقبل عدداً من الشبّان والرّجال والنساء، الذين يطلبون مني إعطاءهم فتوى للانطلاق، فإنهم يتوسّلون إليّ أن أراجع موقفي وقراري، كما لو كانوا يطلبون منّي إسداء خدمة لهم.. هذا ما يفسّر انتصارنا ومقاومتنا التي استطاعت أن تهزم العدو على الأصعدة النفسيّة والعسكريّة.

إنَّ المقاومة تحصد اليوم بذور الثَّورة في كلِّ المنطقة، لتحريرها من الصهيونيّة والإمبرياليّة.. إنها لا تقبل بأيِّ حلٍّ استسلاميّ، وهي تنتمي إلى الحركة الإسلاميّة المعاصرة المتجذّرة بقوّة في الوقائع السياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة، والمنفتحة على كلّ مظاهر الحياة.

أمَّا عن طريق العمل ووسائله، فهي متعدِّدة، إذ إنَّ المقاومة تفكِّر في أنَّ من واجبها (وذلك على عكس ما كان يحصل في السابق)، مواجهة العدو حيثما هو أضعف ما يكون، بالاستفادة من كلّ عناصر القوّة الّتي تملكها.

ولكني أقول إنّني حين أشدّد على الطابع الإسلامي للمقاومة في الجنوب، فإنني أريد أن أركّز على الطابع أو السمة الغالبة على المستويات الكميّة والنوعيّة، إنني لا أنفي مطلقاً دور المقاتلين من كلّ الانتماءات، والذين لا تحركهم الدوافع الإسلاميّة. إننا نستطيع على كلّ حال أن نجد لدى هؤلاء المقاتلين ما أسميه "العمق الإسلاميّ"، الّذي يدفعهم إلى التحرّك بدون وعيٍ كمسلمين.

إنّني أدعو في هذه المناسبة الباحثين إلى عدم الركون إلى المظاهر، وإلى دراسة الظاهرة الإسلاميّة في العمق؛ فليقارنوا بين مقاومة الأمس ومقاومة اليوم، لا ينبغي على كلّ حال أن يتأثّروا بالصّراعات والحرتقات السياسيّة الرخيصة.

ـ معلوم أنّكم على علاقة مميَّزة مع حزب الله، ما هي مساهمة هذه الحركة في الصِّراع المسلَّح في جنوب لبنان؟

ـ حسب المعلومات الّتي تصلني من الجنوب، فإنَّ الحركة الّتي يطلق عليها اسم حزب الله، تبدو أنها المجموعة الأكثر عدداً في المقاومة، والأكثر نشاطاً، إنها في الوقت نفسه، الأقلّ دخولاً في الثّرثرة والاستعراض.

ولهذا، فإنها لا تعلن إلا عن العمليّات التي تخسر فيها شهداء، وكلّ النّاس تعلم أنها هي من يقف وراء تدمير مقرّ الاستخبارات الإسرائيليّة في صور مرّتين، وتعلم عن عمليّة المطلّة.. أمّا عن التنسيق مع بقية القوى المتواجدة، فإنَّ ذلك يتوقَّف على الاحتياجات العمليّة على الأرض، ولكنّني لا أعتقد أنّه يوجد تنسيق بكلّ معنى الكلمة على المستوى السياسيّ.

أهداف المقاومة

ـ لكي ترعب سكَّان الجنوب، تواصل إسرائيل حاليّاً سياسة قمعيَّة وشديدة الوحشيَّة تسمِّيها "القبضة الحديديّة". إنَّ أحداث الزراريّة المأساويّة شديدة الدّلالة في هذا المجال، هل تعتقدون في هذا السِّياق أنَّ المقاومة الوطنيَّة اللّبنانيّة تستطيع مواصلة نشاطاتها العسكريّة بعد الانسحاب المحتمل للقوّات الإسرائيليّة من كلّ الأراضي اللّبنانيّة المحتملة؟

ـ إنَّ هدف المقاومة الإسلاميَّة هو إنهاء الوجود السياسيّ لإسرائيل في المنطقة، وتحرير فلسطين، إنها تعمل إذاً لتعبئة الشعب كلّه ضدّ إسرائيل وضد السياسات التي تدعو، كما يفعل المحور المؤيّد لأميركا، إلى الاعتراف بإسرائيل ضمن إطار حلّ سياسيّ. إنّ روح الجهاد التي بدأت تهبّ في فلسطين المحتلّة، وخصوصاً في الضفة الغربية وغزّة، تملؤنا أملاً، لأنها ستسمح يوماً ما بمحاصرة العدوّ، ولكن يجب تجنّب التسرّع والاندفاع وردود الفعل العاطفيّة، إذ إنَّ الأمر سيكون بلا شكٍّ عبارة عن صراعٍ طويل الأمد، يتطلَّب أعداداً جديدة في كلِّ المجالات.

إنَّنا حركة إسلاميَّة ثوريَّة، ونحن نعتبر أنفسنا جزءاً لا يتجزّأ من عالم الحريّة في منطقتنا، كما في العالم.. إنَّ نضالنا لن يتوقَّف إلا حين يغادر الصَّهاينة جنوب لبنان، وبما أنَّ الصَّهيونيّة وثيقة الصّلة بالإمبرياليّة، فإنّنا سنواصل النّضال ضدّها بأقوى ما يكون من التّصميم والشّدّة.

[مقابلة للسيِّد محمد حسين فضل الله، مع مجلّة دراسات فلسطينيّة ـ العدد: 16 ـ صيف 1985].

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية