نص الرسالة الشفوية الّتي وجهها
سماحة آية اللّه العظمى السيِّد محمَّد حسين فضل اللّه (دام ظله)
إلى المغتربين في المهجر
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمَّد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين وعلى جميع أنبياء اللّه المرسلين.السلام عليكم أيها الأخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات ورحمة اللّه وبركاته.
خطاب الأب لأبنائه
أيُّها الأحبة: إنني إذ أخاطبكم على البعد وأنتم في مغتربكم الَّذي انطلقتم إليه من أجل أن تحصلوا على فرصة العيش الكريم، لتقوموا بمسؤولياتكم تجاه أنفسكم وأهاليكم في مواجهة الأوضاع الصعبة الّتي فرضتها عليكم التحديات الّتي أحاطت بالإسلام والمسلمين وبالمستضعفين المحرومين من النَّاس، إنَّني إذ أخاطبكم على البعد، كما يخاطب الأب أبناءه أحب لكم من موقع الإيمان ما أحبه لنفسي، لأنَّ رسول اللّه (ص) قال: «لا يستكمل المرء الإيمان حتّى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»(1). وإنَّني إذ أتحدث إليكم، أريد أن أذكّر نفسي وأذكركم باللّه الَّذي هو كل شيء في وجودنا وفي كل حركة هذا الوجود هو الخالق الَّذي خلقنا من عدم، وهو الرازق الَّذي يتعهدنا برزقه بالرغم من معاصينا وخطايانا، كما عبّر عن ذلك الإمام زين العابدين (ع) وهو يناجي ربه بلسان كل الخاطئين ، وهو المعصوم عن الخطأ: «تتحبَّبُ إلينا بالنِّعمِ ونُعارضُكَ بالذُّنُوبِ خيرُكَ إلينا نازِلٌ وشَرُّنا إليكَ صَاعِدٌ، وَلَمْ يَزَلْ ولا يَزَالُ مَلَكٌ كَرِيمٌ يأتِيكَ عَنَّا بِعَمَلٍ قَبيحٍ فلا يَمْنَعُكَ ذلِك من أن تَحُوطَنَا بِنِعمِكَ وَتَتَفَضَّلَ علينا بِآلائِكَ، فسُبحانِكَ ما أحْلَمَكَ، وَأعظَمَكَ وَأكْرَمَكَ مُبْدِئاً وَمُعِيداً»(2).
المحبة لله أولاً
وهكذا نجد أنَّ اللّه (سبحانه وتعالى) يعطي من سأله تحنناً منه ورحمة، ويبتدئ بالخير من لم يسأله تفضلاً وكرماً، وهو الَّذي يعطي من عصاه كما يعطي من أطاعه لأنَّ شأنه العطاء والكرم والرحمة، وهو الرب الرحيم الَّذي يتعهدنا برحمته في كل ما نفيض فيه ونتحرك فيه، من قضايانا الصغيرة والكبيرة. ونحن في هذا الوجود فيض من رحمته، لذلك إذا ذكرتموه فاذكروه برحمته وبلطفه وكرمه وعطائه، لتحبوه من أعماقكم ، لأنَّه ليس من الطبيعي أن تكون علاقتنا باللّه علاقة رسمية لنتصور أنَّ اللّه بعيد عنا بُعدَ السماء عن الأرض، ولكن علينا أن نتصور أنَّ اللّه هو سر وجودنا، وإذا ذكرتموه فعليكم أن تحبوه. إنَّكم تحبون العلماء وهو العلم كله: {وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلاَّ هو ويعلم ما في البرِّ والبحر وما تسقط من ورقةٍ إلاَّ يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلاَّ في كتاب مبين} (الأنعام؛59). أنتم تحبون الَّذين يملكون الجمال وهو خالق الجمال وهو ربه، منه جمال الإنسان والحيوان والطبيعة والكون كله، إنكم تحبون الأقوياء والقوّة للّه جميعاً.. إنكم تحبون الأعزاء والعزة للّه جميعاً..و تحبون الكرماء واللّه هو الكريم لا حد لعطائه، لذلك إذا كنتم تحبون النَّاس في ما يتمثلونه من صفات، فاذكروا أنَّ له الأسماء الحسنى والأمثال العليا والصفات العظيمة ، لذلك أحبوا اللّه قبل أن تحبوا أحداً.
اللّه سبحانه يقترب منكم لتقتربوا منه ، إنَّ اللّه يقول لكم: {فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعانِ فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلَّهم يرشدون} (البقرة؛186) إنَّه يتودد إليكم ويتحبب إليكم... يقترب منكم لتقتربوا منه، إنَّه يقول لكم إني قريب، قريب إلى آلامكم لأخففها عنكم أو أزيلها، قريب إلى أحلامكم لأحققها، قريب إلى حياتكم لأعطيها كل لطف وكل راحة ولأدفعها إلى الهداية في خط النور وفي إشراقة الحق، إنَّه يقول لكم في خط المسؤولية أنَّه القريب: {ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد * إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيدٌ * ما يلفظ من قولٍ إلاَّ لديه رقيب عتيد} (ق؛16ـ18) فهو الَّذي يعيش في داخل وجودكم وهو أقرب من كل أحد يطّلع على سرائركم {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} (غافر؛19) ويحيط بكم من كل جهاتكم لأنَّه المهيمن على الكون كله والقاهر فوق عباده، وهو الَّذي يسمع وساوس الصدور {ما يكون من نجوى ثلاثة إلاَّ هو رابعهم ولا خمسة إلاَّ هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاَّ هو معهم أين ما كانوا ثُمَّ ينبِّئهم بما عملوا يوم القيامة إنَّ اللّه بكل شيء عليم} (المجادلة؛7).
لا تعصوا اللّه، شكراً لنعمه
أيُّها الأحبة: إذا خلوتم بأنفسكم وجاءكم الشيطان ليمنحكم الأمن من النَّاس والأمن من أي ناظر لأنَّ الأبواب مغلقة، وليس هناك من يرى وليس هناك من يسمع ، تذكروا أنَّ اللّه يراكم من حيث لا ترونه، وتذكروا كلمة عليّ (ع): «اتقوا معاصي اللّه في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم»(3) وعليكم وأنتم تعيشون في كل نعمة {وما بكم من نعمة فمن اللّه} (النحل؛53) {وإن تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها} (النحل؛18) عليكم أن لا تعصوا اللّه شكراً لنعمه، كما قال عليّ (ع) «لو لم يتوعد اللّه سبحانه على معصيته لكان يجب ألا يعصى شكراً لنعمه»(4) علينا أن نشكره بأن نطيعه وأن نشكره بأن لا نعصيه، وشكر اللّه بأن نقيم الصلاة له ، وهو ليس بحاجة إلى صلاتنا، وقد جاء عن رسول اللّه (ص) أنَّه قال لمن قال له: «أتفعل هذا وقد غفر اللّه لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال(ص): أفلا أكون عبداً شكوراً»(5) ، كل صلاة وكل ابتهال وكل تسبيح وحمد وكل عبادة صوماً كانت أو حجاً أو غير ذلك هي تعبير عن عمق الشكر للّه سبحانه وتعالى، إنَّ حبَّ اللّه ليس خفقة قلب وليس نبضة إحساس وليس كلمات نرددها، ولكن حبَّ اللّه هو السير في خط رسول اللّه (ص) في طاعة اللّه، فإذا أحببنا اللّه وأطعناه بالتعبير عن حبه فإنَّ اللّه يحبنا {قل إن كنتم تحبون اللّه فاتبعوني يحببكم اللّه} (آل عمران؛31).
كونوا الأمناء على دينكم حتّى لا يسرقوه منكم
أيُّها الأحبة: إنَّ الظروف قد دفعت بكم إلى أن تهاجروا إلى بلد لا يملك الإسلام فيه قاعدة، ولا قوّة، بل إنَّ الإسلام يعاني الكثير من عناصر الانحراف الّتي تنحرف بالنَّاس عن طريقه، وهو يتعرّض لضغوط قد تهزم المؤمنين به أمام ما يثيره الاستكبار من هذه الضغوط الّتي تتحدى أمنهم وفكرهم ومصالحهم في الحياة، لذلك كونوا الأمناء على دينكم حتّى لا يسرقه الآخرون منكم، وحتّى لا تسقطوا أمام التحديات الموجهة إليكم، اقبضوا على دينكم حتّى لو كان مثل الجمر، لأنَّ قضية الدين هي علاقتنا باللّه، وقضية مصيرنا في الدنيا والآخرة فهي ليست مسألة هامشية بل هي مسألة حيوية، هي كل شيء وكل ما عدا ذلك فهو على الهامش لأنَّ الدين لا ينفتح علينا في عبادتنا فقط، ولكنَّه ينفتح على كل حياتنا ليتحوّل كل عمل في سبيل الخير إلى عبادة، وليتحوّل كل عمل في هداية النَّاس إلى عبادة.
ليكن دعاء السجّاد(ع) برنامجنا اليومي
اقرأوا في كل يوم دعاء الصباح والمساء للإمام السجاد زين العابدين (ع) لتتحسسوا معه وحدتكم مع الوجود كله من خلال أنَّ الوجود في كل مظاهره خلق اللّه سبحانه، تحسسوا في كل يوم يأتي إليكم أنَّه شاهد عليكم وأنَّه يراقبكم... حاولوا أن تشاهدوا في كل دقيقة من الدقائق عيناً تحدق بكم، وفي كل ساعة من الساعات رقيباً يراقبكم، وفي كل يوم من الأيام أو شهر من الشهور أو سنة من السنين شاهداً يشهد عليكم يوم القيامة «وهذا يومٌ حادثٌ جديدٌ وهو علينا شاهدٌ عتيدٌ إن أحسنَّا ودَّعنا بحمدٍ وإن أسأنا فارقنا بذمٍّ»(6) . وهكذا يحدد لنا الإمام زين العابدين (ع) برنامجنا اليومي الَّذي يجعل يومنا إسلامياً «اللّهم صلِّ على محمَّدٍ وآله ووفِّقنا في يومِنا هذا وليلتِنا هذِهِ وفي جميعِ أيَّامِنَا لاستعمالِ الخيرِ وهِجرانِ الشَّرِّ وشُكرِ النِّعمِ واتِّباعِ السُّنَنِ ومُجَانبةِ البِدعِ والأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عنِ المنكرِ وحِياطةِ الإسلامِ وانتقاصِ الباطلِ واذلالِهِ ونُصرةِ الحقِّ وإعزازِهِ وارشادِ الضَّالِّ ومُعاونةِ الضَّعيفِ وإدراكِ اللَّهيفِ»(7) هذا البرنامج اليومي إذا حركتموه في مفرداتكم اليومية، فإنَّ اليوم كلّه يصبح للإسلام ويصبح عيداً على أساس الكلمة الّتي قالها عليّ (ع) وهو يتحدث عن عيد الفطر «إنَّما هو عيد لمن قبل اللّه صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا نعصي اللّه فيه فهو يوم عيد»(8) ، اجعلوا أيامكم أعياداً تفرحون بها برضى اللّه عنكم، لأنَّ رضى اللّه هو الَّذي يبقى لكم، وهو الَّذي يفيض لكم الرحمة واللطف والعناية منه، ليكن عيدنا عيد الطاعة، والاجتناب عن المعصيّة.
جَنِّبوا الأهل والأولاد نار الآخرة
أيُّها الأحبة: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا»(9) وتذكروا قول اللّه سبحانه وهو يريد لكل منا أن يحسب حساب رصيده من الأعمال ولا يقتصر على حساب رصيده من الأموال {يا أيُّها الَّذين آمنوا اتقوا اللّه ولتنظر نفس ما قدمت لغدٍ واتقوا اللّه إنَّ اللّه خبير بما تعملون * ولا تكونوا كالَّذين نسوا اللّه فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون * لا يستوي أصحاب النَّار وأصحاب الجنَّة أصحاب الجنَّة هم الفائزون} (الحشر؛18ـ20) وهكذا إذا تطلعتم إلى أولادكم وهم يدرجون بين أيديكم لتفيضوا عليهم بالعاطفة من قلوبكم وكمشاعركم، فتذكروا أنَّ عليكم أن تجنبوا أولادكم نار الآخرة كما تجنبوهم نار الدنيا، وإذا تطلعتم إلى أهاليكم من آبائكم وأمهاتكم وإخوانكم وأخواتكم وزوجاتكم وأزواجكم فتذكروا أنَّكم تمنحوهم المحبة، واعلموا أنَّ الحبَّ الحقيقي هو أن تنقذوهم من غضب اللّه وسخطه، لأنَّ غضب اللّه وسخطه لا يُمكن أن تثبت أمامه السماوات والأرض، فكيف بالعبد الذليل الحقير المسكين المستكين، تذكروا قول اللّه سبحانه: {يا أيُّها الَّذين آمنوا قُوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها النَّاس والحجارة عليها ملائكة غلاظٌ شدادٌ لا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} (التحريم؛6) إذا كنتم تحبون أهليكم فتذكروا أنَّ المؤمنين سوف يجتمعون عند ربِّهم في جلسة عائلية، لكن غير المؤمنين لا يُمكن أن يعيشوا مع المؤمنين بعد الموت. {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كلِّ باب * سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار} (الرعد؛23ـ24).
اخضعوا للّه وحده وكونوا الأحرار أمام العالم
أيُّها الأحبة: كونوا الأقوياء في مواجهة الإغراء، كونوا الصامدين في مواجهة التحديات، كونوا الصابرين في مواجهة كل الضغوط النفسية والمادية، كونوا الأحرار الَّذين تتمثل حريتهم في رفض الخضوع لأي إنسان يريد أن ينحرف بهم عن الطريق، كونوا الخاضعين للّه وحده وكونوا الأحرار أمام العالم. مشكلة الكثيرين من النَّاس أنَّهم يتحدثون أنَّهم أحرار أمام اللّه سبحانه وإذا أراد لهم اللّه أن يطيعوه ولا يعصوه فيقول أحدهم أنا حر أن لا أصلي ولا أصوم، أنا حر أن أشرب الخمر، وأن أزني أو أسرق، لكنَّهم أمام عباد اللّه عبيد، ألا يقول إنسان لإنسان يملك المال (أنا عبدك)؟، ألا يقولها بعض الناس لبعض الَّذين يملكون المال أو القوّة أو الجاه وما إلى ذلك؟، إنَّ عليّاً (ع) يقول: «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك اللّه حراً»(10) كونوا الأحرار في إرادتكم الحرة... ليست الحرية أن يمكنك التجول في بلاد اللّه، ولكنَّ الحرية هي أن تملك إرادتك أمام الآخرين الَّذين يريدون أن يضغطوا على إرادتك وأن يلغوا إنسانيتك، كما قال الإمام جعفر الصادق (ع): «إنَّ الحر حر على جميع أحواله إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره وإن أسر وقهر »(11).
لا المال ينفع ولا البنون
أيُّها الأحبة: إنَّها سنوات نقضيها ونقف بين يدي اللّه (سبحانه وتعالى) غداً {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ للّه} (الانفطار؛19) {يوما لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئاً} (لقمان؛33) {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها} (النحل؛111) {ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاَّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربُّك أحداً} (الكهف؛49) ـ ويُقال لكل واحد منا ـ {اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً} (الإسراء؛14) {يا أيُّها النَّاس اتقوا ربكم إنَّ زلزلة الساعة شيءٌ عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى النَّاس سكارى وما هم بسكارى ولكنَّ عذاب اللّه شديد} (الحج؛1ـ2) {يوم يفرُّ المرء من أخيه * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه} (عبس؛34 ـ36) {وفصيلته الّتي تؤيه * ومن في الأرض جميعاً ثُمَّ ينجيه} (المعارج؛13ـ14) {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلاَّ من أتى اللّه بقلبٍ سليم} (الشعراء؛88ـ89).
أبنائي وإخواني: لن يجعل اللّه بفرقة خيراً
أيُّها الأحبة: إنَّني أخاطبكم على البعد خطاب الأب لأبنائه وخطاب الأخ لإخوانه، في مدى العمر أنتم أبنائي وفي مدى الإيمان أنتم إخواني، من كل عمق التجربة وأنا أسير نحو السبعين، ومن كل عمق الفكر وقد عشت الكثير من التجارب الفكرية وكثيراً من التجارب العملية، أحبُّ أن أقول لكن أنَّ كل أوضاع التمزق بين المؤمنين لا يمكن أن تخدم أحداً، حتّى الَّذين يتحركون في خط الفرقة يسقطون تحت تأثيرها، ويكتوون بنارها قبل أن يكتوي الآخرون، لأنَّ من يفرق النَّاس يفقد المحبة، ويفقد الروح المنفتحة، إنَّه يعيش في ظلمة سوداء في داخل قلبه ويعيش في كهوف مليئة بالمخاوف والأهوال في داخل عقله... من ينشر الفرقة بين النَّاس ويعمق الحقد في قلوب النَّاس يعيش في الظلمات، ومشكلة هؤلاء أنَّهم لا يريدون أن يواجهوا أنفسهم، لأنَّ أنفسهم تمقتهم، ولا يريدون أن يواجهوا واقعهم لأنَّ واقعهم يلعنهم، إنَّ اللّه لن يجعل بفرقة خيراً ولم يجعل بوحدة شراً {واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمت اللّه عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إِخواناً وكنتم على شفا حفرة من النَّار فأنقذكم منها} (آل عمران؛103) {وإنَّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربُّكُم فاتَّقون} (المؤمنون؛52).
أيُّها الأحبة: في المغترب وفي الوطن، الوحدة هي الّتي يُمكن أن تجمع النَّاس على القضايا الكبيرة، وأن تثبت الأقدام في مواقع الزلزال، إنَّ الفرقة تنطلق من الاستغراق في القضايا الصغيرة والهوامش الّتي لا قيمة لها. إنَّ عندنا قضايا كبيرة تتصل بالتحديات الّتي تواجه الإسلام والمسلمين، وبالتحديات الّتي تواجه أمننا واقتصادنا وسياستنا وثقافتنا، لذلك نحن نعيش في حالة طوارئ من جميع الجهات، ونحن نعيش في واقع تهتز الأرض فيه من تحت أقدامنا، ولن نستطيع أن نثبتها إلاَّ بوحدتنا.
تعلموا من القرآن مواجهة الاختلاف على أساس الوحدة
أيُّها الأحبة: قد يقول قائلكم إنَّنا نختلف في مذاهبنا ونختلف في حزبياتنا وفي سياستنا ونختلف في مصالحنا، لكن لماذا تتحدثون عمّا تختلفون فيه ولا تتحدثون عمّا تتفقون فيه؟ ـ أليس ربّنا اللّه الَّذي يوحدنا في ربوبيته وعبوديتنا له! ـ أليس نبينا رسول اللّه (ص) الَّذي يوحدنا في رسالته ويوحدنا بالالتزام بخطه ودينه! ألسنا نؤمن بالقرآن كتاباً وبالكعبة قبلة وبالإسلام ديناً! ألسنا نصلي جميعنا إلى قبلة واحدة ونمارس صلواتنا في أوقات واحدة، ونحج إلى بيتٍ واحدٍ ونتحرك معاً في كل عبادتنا ومعاملاتنا مع تفصيل صغير هنا وهامش هناك، هذا يتكتف في الصلاة استحباباً وذلك يسبل وجوباً، وهذا يغسل قدميه عندما يتوضأ وذلك يمسح قدميه، ولكنَّنا جميعاً نصلي ونتوضأ؟... إنَّ علينا أن نتعلم من القرآن أن نلتقي على ما اتفقنا عليه وأن نذكر الكلمة السواء قبل أن نذكر كلمة الخلاف... هل الفرق بين المسلمين مع اختلاف مذاهبهم يصل إلى حد الفرق بين المسلمين وأهل الكتاب؟ هل الَّذين هم أتباع مذهب واحد ويختلفون حزباً وحركة، ويختلفون مرجعاً ومرجعاً ويختلفون خطاً سياسياً هنا وهناك هل هو أكثر من الخلاف بيننا وبين أهل الكتاب؟ ما معنى هذا الجدال الحاد الَّذي نتجادل به ليسب بعضنا بعضاً، لأنَّه اختلف معه في خصوصية هنا وخصوصية هناك؟ هل هذا هو الجدال الَّذي يريده اللّه لنا عندما نختلف؟ أظنكم لا تقرأون القرآن جيداً {أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالّتي هي أحسن} (النحل؛125) {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمةٍ سواء بيننا وبينكم ألاَّ نعبد إلاَّ اللّه ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون اللّه} (آل عمران؛64) ويقول اللّه سبحانه: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاَّ بالّتي هي أحسن إلاَّ الَّذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالَّذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون} (العنكبوت؛46) لماذا لا نتعلم من القرآن الكلمة السواء والكلمة الطيبة؟ {وقل لعبادي يقولوا الّتي هي أحسن إنَّ الشيطان ينزغ بينهم إنَّ الشيطان كان للإنسان عدواً مبيناً} (الإسراء؛53).
لماذا لا نتعلم من القرآن كيف نحل مشاكلنا بالطريقة الحسنة وندفعها بالّتي هي أحسن؟ {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الَّذي بينك وبينه عداوة كأنَّه وليٌّ حميمٌ * وما يلقاها إلاَّ الَّذين صبروا وما يلقاها إلاَّ ذو حظٍّ عظيم} (فصلت؛34ـ35) إنَّ القرآن الكريم يقول لكم حولوا أعدائكم إلى أصدقاء لدينكم ولوطنكم ولأمتكم، وحولوا أعداء أحزابكم وحركاتكم ومرجعياتكم إلى أصدقاء لكم، لماذا تحبون العداوة؟ لماذا أنتم مولعون بالحقد توجهونه للمؤمنين قبل الكافرين؟ لماذا تشغلون أنفسكم بكل الأساليب الّتي تفرقكم؟ لماذا كل همكم في تشويه صورة المؤمنين لا سيما إذا كانوا في موقع القيادة والقدوة، وما إلى ذلك؟
لا تحكموا بما ليس لكم به علم
لماذا تستجيبون لكل ما يدخل آذانكم؟ وقد قال اللّه سبحانه: {يا أيُّها الَّذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} (الحجرات؛6).
لماذا تتهمون وتحكمون بما ليس لكم به علم؟ واللّه سبحانه يقول: {ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنَّ السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء؛36) سيسأل اللّه السمع ما سمع وكيف سمع والبصر وما أبصر وكيف أبصر والعقل كيف وعى وكيف تحرك في ما وعاه.
قفوا عند حدود اللّه في الكلمات
أيُّها الأحبة: إنَّ الإسلام يقول لكم: «ضع أمر أخيك على أحسنه»(12) قالها عليّ (ع): «ولا تظنن بكلمة خرجت من في أخيك المسلم سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً»(13). إنَّما يشغلكم من أعدائكم يمثل الدرجة العليا، الّتي لا تجدون فيها فراغاً لأن تشتغلوا بأوليائكم وأصدقائكم بطريقة سلبية، إنَّ الشيطان قد دخل في الكثير من مجتمعاتنا فأصبحنا نركز على سلبياتنا في واقع المؤمنين أكثر مما نتحدث بالسلبيات في مواجهة الكافرين، وقد نعلم أنَّ المخابرات الدولية والمحلية والاقليمية لم تجد فرصة للإيقاع بين المؤمنين إلاَّ أن تشغلهم ببعضهم البعض، ليشتغلوا عن المستكبرين وعن الكافرين وعن الظالمين، وأنا بكل محبة أقول لكم: قفوا عند حدود اللّه في كل الكلمات {يا أيُّها الَّذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظَّنِّ إنَّ بعض الظَّنِّ إثمٌ ولا تجسَّسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه} (الحجرات؛12) {يا أيُّها الَّذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يكُنَّ خيراً منهنَّ} (الحجرات؛11). وصيتي لكن أن تملئوا قلوبكم بالمحبة لأولياء اللّه، والبغض لأعداء اللّه. وقد جاء في الحديث: «إذا أردت أن تعلم أنَّ فيك خيراً فانظر إلى قلبك، فإن كان يحب أهل طاعة اللّه عزَّ وجلّ ويبغض أهل معصيته ففيك خير واللّه يحبك وإذا كان يبغض أهل طاعة اللّه ويحب أهل معصيته فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع من أحب» (14) لذلك حاولوا أن تعرفوا كيف تحبون ليكون حبكم مستقيماً وكيف تبغضون ليكون بغضكم مستقيماً.
واجهوا الإشاعات الّتي يثيرها الأعداء
أيُّها الأحبة: إنَّني وأنا أتحدث إليكم أشفق عليكم من كل الإشاعات الّتي أراد اللّه لكم أن تتقوه فيها، فإنَّ أجواء المخابرات تعتبر الإشاعة وسيلة لتحطيم شخص وتشويه صورة شخص، أو إبعاد النَّاس عن شخص أو جهة أو أمة أو جماعة، وأنتم تعرفون كيف يثير أعداء اللّه الإشاعات الكاذبة ضد أولياء اللّه، لذلك لا تهزمكم الإشاعات ولكن حاولوا أن تواجهوها بالوعي والدقة والتثبت حتّى تهزموا الَّذين يحاربونكم ويحاربون الإسلام بالإشاعات.
لسنا أصوليين بالمعنى الغربي
أيُّها الأحبة: إنَّنا عندما نواجه واقعنا فإنَّنا نجد أنَّ هناك حرباً عالمية تشن ضد الإسلام وأهله تحت عناوين الإرهاب الإسلامي والتطرف الإسلامي والأصولية الإسلامية، قولوا للنَّاس إنَّنا لسنا أصوليين بالمعنى الغربي للأصولية، لأنَّ الأصولية بالمعنى الغربي هي أن تلغي الآخر ولا تعترف به، والإسلام اعترف بأهل الكتاب وتعايش معهم ولم يلغهم حتّى الآن، والأصولية في الفهم الغربي تعتبر أنَّ العنف هو الوسيلة الوحيدة لحل المشاكل مع الآخرين، والإسلام يقول: {ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الَّذي بينك وبينه عداوة كأنَّه وليٌّ حميمٌ} (فصلت؛34) والإسلام يقول على لسان رسول اللّه (ص): «إنَّ الرفق لم يوضع على شيء إلاَّ زانه ولم يرفع عنه قط إلاَّ شانه»(16) و «إنَّ اللّه رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»(15) .
نقف ضد كل ظالم فالظلم لا دين له
نحن أصوليون ننطلق من أصولنا العقيدية والفقهية والمفاهيمية والحركية، عندما ننطلق بكتاب اللّه وسنة نبيه وسيرة الأئمة من بعده وكل الصالحين، نحن لسنا إرهابيين، إنَّنا نريد للعالم أن يعيش السلام، ولا نريد أن نسيء إلى سلام أحد في العالم، ولكنَّنا كما نحب السلام للعالم نحب السلام لأنفسنا ولأمتنا، ونحن نعتقد أنَّ احتلال الأرض ليس سلاماً، وأنَّ تشريد النَّاس من أرضهم كما فُعل بالفلسطينيين ليس سلاماً، وأنَّ إعطاء المحتل جائزة للصلح بينه وبين الَّذين اضطهدهم واحتلهم وقتلهم وشردهم ليس سلاماً. نحن وإن اختلفنا مع اليهود، لا عقدة لنا من اليهود كيهود من الناحية الدينية، وإن كنا نختلف معهم، لكنَّ اليهود ظلمونا ونحن نعاملهم كما نعامل الظالمين، ونحن نقف ضد الظالمين حتّى لو كانوا مسلمين، ونقف مع المظلومين حتّى لو كانوا كافرين، لأنَّ الظلم لا دين له، ولأنَّ العدل لا دين له.
لقد أراد اللّه للعدل أن يكون إنسانياً، فكل إنسان له الحقّ في العدل حتّى الكافر، وأراد اللّه للظلم أن لا يكون إنسانياً، فلا قيمة للظلم حتّى لو كان الظالم مسلماً، نحن لسنا متطرفين ولكنَّنا ملتزمون، وهناك فرقٌ بين التطرف الَّذي يبتعد عن الحد الطبيعي للأشياء وبين الالتزام الَّذي يحرص على هذا الحد، نحن لسنا متعصبين ولكنَّنا منفتحون، ندعو إلى الحوار وإلى الجدال بالّتي هي أحسن، لذلك لا تسمعوا لكل هذه الحرب الإعلامية لتسقطوا تحت تأثيرها، ليكن لكم وعي الكلمات حتّى لا يسقطكم الآخرون بالكلمات، إنَّنا قد نعيش بعض مواقع الضعف ولكنَّنا كأمة نملك الكثير من مواقع القوّة، لكن علينا أن ننظمها ونجمعها ونركزها ونفتح لها آفاق الحركة في العالم.
لنواجه الاستكبار بتخطيط وعقلانية
أيُّها الأحبة: المستكبرون أقوياء ولكنَّ الأمراض تفتك بهذا الجسد...قد يكون الجسد قوياً في شكله، ونحن قد نكون ضعفاء ولكنَّنا نملك عناصر القوّة. لا يهزمكم الآخرون، ولكن حاولوا أن تطلبوا القوّة من اللّه واقتدوا برسول اللّه (ص) {إذ أخرجه الَّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنَّ اللّه معنا} (التوبة؛40) ـ واقتدوا بأصحاب رسول اللّه (ص) الَّذين جاهدوا معه {الَّذين قال لهم النَّاس إنَّ النَّاس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا اللّه ونعم الوكيل * فانقلبوا بنعمة من اللّه وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان اللّه واللّه ذو فضل عظيم} (آل عمران؛173ـ174) {إنَّما ذلكم الشيطان يخوِّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} (آل عمران؛175).
إنَّ الاستكبار العالمي قد بدأ يشن حرباً عالمية على الإسلام الحر الحركي المنفتح على قضايا الحرية والعدالة، فهو يشن الحرب الاقتصادية والسياسية والأمنية والإعلامية على إيران الإسلام لأنَّها التزمت الإسلام كقوّة تحرر العالم كلّه من طغيان المستكبرين، ولأنَّ قيادتها الحكيمة والرشيدة المتمثلة بآية اللّه السيِّد الخامنئي (حفظه اللّه تعالى)، تمثل الوعي المنفتح على الإسلام كلّه وعلى المسلمين كلهّم، وتمثل القيادة الّتي تحرس الواقع الإسلامي، إنَّهم لا يريدون أن تكون هناك قيادات قوية باللّه، ثابتة في مواقفها، لذلك لتكن لنا وقفة واعية أمام الاستكبار لا وقفة فوضوية لأنَّه قد ينتصر علينا بفوضويتنا، ولا تكن وقفة انفعالية عاطفية، بل تكون وقفة عقلانية موضوعية، تخطط كما يخطط، وتستعد كما يستعد، وتدرس الظروف والأجواء والمتغيرات كما يدرسها فنكون الواثقين بأنفسنا، الصلبين في موقفنا، الَّذين لا تزلزلهم العواصف، ولا تسقطهم القواصف.
لنفرق بين إدارات الغرب وشعوبه
إنَّ المعركة بين المستكبرين والمستضعفين هي معركة في مدى الزمان، وعلينا أن نستعد لذلك بطريقة حضارية وبطريقة إسلامية، لذلك عليكم أن تكونوا الواعين لكل الأساليب الّتي يُراد لها أن تبتعد بكم عن خط التعقل والاتزان.
إنَّني أقول لكم: عليكم أن تفرقوا بين الإدارات الغربية والأمريكية وبين شعوبها فإنَّنا نريد أن نكون أصدقاء للشعب الأمريكي والشعب الألماني والبريطاني والفرنسي وكل الشعوب في العالم، ومن خلال ذلك علينا أن نحاول بكل علاقاتنا أن نعمل على توعيتهم في قضايانا وعلى توعيتهم في الروح الّتي تنفتح عليهم وعلى الآخرين.
كونوا دعاة بغير ألسنتكم
أيُّها الأحبة: أقول لكم: إنَّكم رسل الإسلام إلى تلك البلاد، كونوا كما قال الإمام جعفر الصادق (ع): «كونوا دعاة إلى أنفسكم بغير ألسنتكم»(17) ليروا منكم الصدق والخير والورع.
كونوا الأمناء والورعين في التعامل مع النَّاس
أيُّها الأحبة: كونوا الصورة المشرقة عن الإسلام وكونوا الأمناء على أموال النَّاس هناك، لا يحل لكم أن تأكلوا أموال النَّاس بالباطل حتّى لو كانوا غير مسلمين، لا يحل لكم أن تسيئوا إلى أمن البلد الَّذي استضافكم، لأنَّكم بذلك تكونون أضيافاً سيئين تسيئون إلى إسلامكم من خلال ذلك، لا تحاولوا أن تثيروا الفوضى في البلد الَّذي يعيش على النظام، أنا لا أقول لكم أنَّ كل الأنظمة هناك شرعية، ولكن أقول لكم عليكم أن تكونوا مثال الأمة الّتي تحترم الآخرين في الواقع العام كما نريد للآخرين أن يحترمونا في الواقع العام لحياتهم، لا تلتفتوا لكل فتوىً تستبيح لكم التجارة بالمخدرات بعنوان استنقاذ أموال الآخرين، لا تلتفتوا إلى كل فتوى تبيح لكم أعراض النَّاس بحجة أنَّكم لا تحتاجون إلى أي عقد مع النساء على أساس عنوان هنا وهناك، لا تلتفتوا إلى كل من يريد لكم أن تتحركوا لتغتالوا إنساناً في هذا البلد أو إنساناً في ذلك البلد، أو لتفجروا قنبلة هنا أو قنبلة هناك، لا سيما إذا أصابت هذه القنابل الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ، كل من يحدثكم بأنَّكم سوف تصلون إلى نتائج كبيرة على المستوى السياسي من خلال ذلك لا تصدقوه، لأنَّنا إذا أردنا أن ندرس المسألة دراسة واقعية فإنَّنا نرى أن السلبيات في هذه الأمور تصل إلى ثمانين بالمئة على الأقل، وأنَّ الإيجابيات -لو كانت هناك إيجابيات- لا ترقى إلى أكثر من عشرة إلى عشرين بالمئة ونحن نقرأ في القرآن: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنَّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} (البقرة؛219) وهذا يعني أنَّ في كل مورد تكون سلبياته أكثر من إيجابياته فاللّه لا يرضى به.
أيُّها الأحبة: كونوا الأمناء على النَّاس وكونوا الصادقين مع النَّاس وكونوا الورعين في التعامل مع النَّاس، إنَّ المال الحرام سوف يذهب بصاحبه كما سوف يذهب بذاته، وفي المال الحلال بركة، وفي العمل الحلال بركة، وفي اللعب الحلال بركة، وفي الأكل والشرب الحلال بركة، أمّا الحرام فلا بركة فيه حتّى لو أغراكم الشيطان بذلك، وحتّى لو أمرتكم النفس الأمارة بالسوء بذلك.
المقاومة الإسلامية تُمثِّل عنفوان الأمة
أيُّها الأحبة: إنَّنا نواجه مرحلة من أصعب المراحل في حملة الاستكبار على المجاهدين، سواء كان استكباراً دولياً أو استكباراً صهيونياً أو استكباراً عربياً، إنَّهم يريدون أن يحاصروا المجاهدين، من أجل أن يربكوا المجاهدين بقوانينهم الظالمة، لذلك عليكم أن تعملوا بقوّة في سبيل دعم المجاهدين ولا سيما المقاومة الإسلامية الّتي تمثّل نقطة النور المضيئة في كل هذا الظلام والّتي تمثّل عنفوان الأمة وعزتها وحريتها وكرامتها... إذا كنتم تحتفلون بأصحاب الحسين (ع) في كربلاء في كل سنة، فاحتفلوا بأصحاب الحسين (ع) في لبنان وفلسطين في كل موقف، لأنَّ القضية هي القضية والخط هو الخط «لا واللّه لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر لكم إقرار العبيد»(18) «ألا وإنَّ الدعي ابن الدعي» الدولي والإقليمي والمحلي «قد تركني بين السلة والذلة، وهيهات له ذلك، هيهات مني الذلة؟ أبى اللّه ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طهرت، وحجور طابت، أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام»(19)... إنَّهم هم الَّذين يمثّلون أمل الأمة في أن تتمرد على من صادروها، وعلى من ضيعوها، وعلى من ساهموا في أن تعيش حالة انعدام الوزن. لن تسقط الأمة ما دام هناك مجاهدون، ولن نسقط ما دام هناك من ينفتح بنا على كل مواقع الأمل، والأمل باللّه سبحانه وتعالى: {يا بنيَّ اذهبوا فتحسَّسوا من يوسُف وأخيه ولا تيأسوا من روح اللّه إنَّه لا ييأس من روح اللّه إلاَّ القوم الكافرون} (يوسف؛87).
لن تهزمنا الصعوبات وسنتابع الطريق
أيُّها الأحبة: إنَّ المرحلة صعبة صعبة، ولكنَّنا بالرغم من كل هذا التهويل الَّذي يحشده الإعلام الاستكباري بجميع مواقعه، لسنا في حالة سقوط، لا تصدقوا أنَّ المسلمين الملتزمين ينتظرون من يضربهم على رؤوسهم ويفكرون في أي وقت تأتي الضربة لهم، إنَّ المؤمنين الملتزمين يقفون على أقدامهم ولن يقعدوا ولن ينحنوا إلاَّ للّه تعالى، لذلك لا تعتقدوا أنَّنا في موقع ضعف، إنَّنا في موقع قوّة باللّه وبإرادتنا وبوعينا للواقع كلّه، قد تواجهنا صعوبات وقد تحاصرنا ضغوطات، ولكنَّنا نعتقد أنَّنا في مستوى هذه الصعوبات وفي مستوى هذه الضغوطات، وهي لن تهزمنا وسوف نتابع الطريق، {إن تكونوا تألمون فإنَّهم يألمون كما تألمون وترجون من اللّه ما لا يرجون} (النساء؛104) {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين * إن يمسسكم قرحٌ فقد مسَّ القوم قرحٌ مثله وتلك الأيام نداولها بين النَّاس} (آل عمران؛139ـ140).
أيُّها الأحبة نقول كما بدأنا ، اتقوا اللّه كما هداكم وقولوا: {الحمد للّه الَّذي هدانا لهذا وما كنَّا لنهتدي لولا أن هدانا اللّه لقد جاءت رسل ربِّنا بالحقِّ} (الأعراف؛43).
إحرصوا على إسلامكم فكل ما حولكم يبعدكم عن اللّه
أيُّها الأحبة: إنَّ إسلامكم ثروة فلا تفقدوها ولا تجعلوا أحداً يسرقها، حاولوا أن تعيشوا في أنفسكم شحنات الروح في كل يوم ولا سيما في ليلة الجمعة، عليكم بدعاء كميل واجتمعوا عليه، ابكوا بين يدي اللّه خضوعاً وخشوعاً، لأنَّ ذلك سوف يغسل قلوبكم من كل سوء وسوف يطهر عقولكم من كل رجس.
أيُّها الأحبة: حاولوا أن تجتمعوا في صلاتكم ودعائكم، وحاولوا أن تستمعوا إلى المواعظ الّتي تربطكم بربِّكم، لأنَّ كل ما حولكم ومن حولكم يبعدكم عن اللّه، فحاولوا أن تعملوا بكل جهدكم لكي تقربوا إلى اللّه، وإذا لم تجدوا هناك من يعظكم فإنَّ هناك أكثر من وسيلة من شريط تسجيل أو فيديو وغير ذلك مما وعظ به الواعظون ومما وجه به الموجهون، اجتمعوا عليه حتّى تتعظوا بالوعظ والإرشاد وحتّى لا تنسوا أنفسكم ولا تكونوا مثل ذاك الشخص {قال ربِّ لِمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى} (طه؛125ـ126) لا نريد أن يهملنا اللّه بل نريد أن نكون في عناية اللّه ورعايته في الدنيا والآخرة.
دعائي لكم: ليحفظكم اللّه ويرعاكم
أيُّها الأحبة: إنَّني أبعث لكم من كل قلبي كل محبتي وكل مشاعري وكل دعائي، أبعثه إلى شبابكم وصباياكم وشيوخكم ونسائكم وأُقَبّل وجنات أطفالكم، ليحفظكم اللّه، ليرعاكم اللّه، ليجنّبكم اللّه مزالق الشيطان، ليقوّيكم اللّه أمام التحديات، ليفتح لكم اللّه أبواب الرزق بكل سعتها وأبواب الرحمة بكل شموليتها، ولتنطلقوا هناك مع اللّه لترجعوا إلى أهلكم سالمين من كل شيطان، سالمين من كل عدو، سالمين من كل مرض، غانمين بإيمانكم وبأخلاقكم وبوحدتكم {وقل اعملوا فسيرى اللّه عملكم ورسوله والمؤمنون} (التوبة؛105).
والحمد للّه ربِّ العالمين والسلام عليكم ورحمة اللّه وبركاته
مع كل محبتي ودعائي
المصادر:
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج:69، باب:114، ص:153، رواية:20، دار إحياء التراث العربي ومؤسسات التاريخ العربي، الطبعة الأولى، 1412هـ ـ 1992م، بيروت ـ لبنان.
(2) مفتاح الجنات، الإمام السيِّد محسن الأمين، دعاء الإمام زين العابدين (ع) في السحر، ج:3، ص:184، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج:19، باب:330، ص:236.
(4) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج:19، باب:296، ص:191.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج:16، باب:9، ص:459، رواية:143.
(6) الصحيفة السجادية الكاملة، الإمام زين العابدين (ع)، ص:67، دار الأضواء ـ بيروت.
(7) م.ن، ص:69، دار الأضواء ـ بيروت.
(8) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج:20، باب:437، ص:73.
(9) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج:67، باب:45، ص:47، رواية:26.
(10) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج:16، باب:31، ص:93.
(11) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج:68، باب:62، ص:296، رواية:62.
(12) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج:12، باب:223، ص:10.
(13) م.ن، ج:18، باب:110، ص:278.
(14) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج:66، باب:36، ص:622 ـ 623، رواية:22.
(15) م.ن، ج:16، باب:9، ص:440، رواية:43.
(16) م.ن، ج:72، باب:42، ص:300، رواية:22.
(17) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج:67، باب:57، ص:174، رواية:9.
(18) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج:45، باب:37، ص:9.
(19) م.ن، ج:45، باب:37، ص:56، رواية:10.