الشرط الأول: البلوغ:
وبمقتضى هذا الشرط فإنه لا يجب الحجّ على الصبيّ ما لم يبلغ، حتى لو كان مراهقاً، وفي الرواية عن الصادق(ع):: «لو أن غلاماً حجَّ عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام« [الكافي 4: 278، ح18].
م ـ 1: الأحوط كون وجوب الحجّ بعد تحقّق شرائطه فورياً، فتجب المبادرة إليه في سنة الاستطاعة، وإن تركه لعذرٍ أو بدونه يأتي به في السنة التالية، وهكذا، وإن أخّره كذلك من دون عذر إلى أن مات يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر بترك شريعة من شرائع الإسلام.
م ـ 2: إذا حجّ الصبيّ ثمّ بلغ في أثناء الحج، فهنا حالتان:
أ - أن يبلغ قبل الإحرام من الميقات، وكان مستطيعاً ولو من الموضع الذي بلغ فيه، فلا اشكال في أن حجّه يكفيه عن حجة الإسلام.
ب - أن يبلغ بعد الإحرام، فإن كان بلوغه قبل الوقوف بمزدلفة، أجزأه حجّه عن حجّة الإسلام وعليه إتمامه؛ وأمّا إن كان بعد الوقوف بمزدلفة وقع حجّه مستحبّاً ولزمه الحجّ في عامٍ آخر عند توفّر سائر الشروط.
م ـ 3: إذا حجّ الإنسان مستحبّاً باعتقاد أنّه غير بالغ فتبيّن بعد أدائه للمناسك، أو في أثنائها أنّه كان بالغاً من الأوّل، فهنا يكون حجّه حجّ الإسلام، فيجتزىء به، ولا يجب عليه الحجّ مرة أخرى إذا استطاع بعده.
م ـ 4: يُستحبّ للصبي المميّز أن يحجّ، ولا يُشترط في صحّة حجّه إذن الولي. نعم، لا بدّ له من مراعاة الأمور الأخرى التي تندرج تحت الولاية، كإذن الولي للخروج، خصوصاً مع وجود مخاطر في الطريق، وأثناء الحجّ، مما أصبحت مراعاته تتمّ بشكل عادي نتيجة لقوانين السفر في البلدان المختلفة.
م ـ 5: يُستحبّ للوليّ إحجاج الصبيّ غير المميّز - وكذا الصبيّة غير المميّزة - وذلك بأن يُلبسه ثوبي الإحرام، ويأمره بالتلبية، ويلقّنه إياها إن كان ممكنَ التلقين، وإلا لبّى عنه، ويجنّبه ما يجب على المُحرم اجتنابه. هذا، ويجوز للوليّ أن يؤخّر تجريد الصبيّ من المخيط - وما بحكمه - إلى منطقة «فخ» إذا كان سائراً من ذلك الطريق، ثمّ يأمره بالإتيان بكل ما يتمكّن من أفعال الحج، وينوب عنه في ما لا يمكنه الإتيان به.
وحيث يصلي الصبي بنفسه فلا بدّ أن يتوضأ ولا تصحّ صلاته إلا عن طهارة. نعم، لا يلزمه أن يتوضأ إذا كان الولي هو الذي يصلي عنه.
م ـ 6: لا يُشترط في إحرام الوليّ بالصبيّ أن يُحرم معه، فيصحّ منه ذلك وإن كان نفسه محلاً، إلا أن يجب عليه الإحرام بعنوان آخر، كعدم جواز دخول مكَّة إلا محرماً ونحوه، فيلزمه الإحرام عن نفسه أيضاً.
م ـ 7: الوليّ الذي يُستحبّ له إحجاج الصبيّ غير المميّز هو كل من له حقّ حضانته من الأبوين أو غيرهما.
م ـ 8: النفقة التي ينفقها الوليّ على حجّ الصبيّ المميّز على قسمين:
1 - المقدار الذي يوازي ما يصرفه عليه في بلده في موازاة أيام السفر، فنفقته من مال الصبيّ.
2 - المقدار الزائد عن نفقة بلده، فنفقته من مال الوليّ لا مال الصبيّ، إلا أن يكون حفظ الصبيّ متوقّفاً على السفر به، أو يكون السفر مصلحة له، فتُدفع تكاليف السفر وما يقتضيه الحفظ عندئذ من ماله، ويبقى الزائد من مال الوليّ.
م ـ 9: ثمن هدي الصبيّ غير المميّز على الوليّ، وكذا كفّارة صيد الصبيّ، وأمّا الكفّارات التي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً فلا تجب بفعل الصبي ـ وإن كان مميّزاً ـ، ولا يجب التكفير عنها حينئذٍ، لا على الولي ولا من مال الصبيّ.
الشرط الثاني: العقل :
المقصود بهذا الشرط أن يكون عاقلاً حال الحجّ، فلا يجب الحجّ على المجنون المطبق، ولا على الأدواري - وهو الذي يجنّ في وقتٍ ويفيق في وقتٍ إذا صادف زمن جنونه زمان الإتيان بمناسك الحجّ ومقدّماتها من الإحرام ونحوها، فإن صادف زمن إفاقته زمن الاتيان بذلك فيجب عليه الحجّ حينئذٍ.
الشرط الثالث: الاستطاعة:
شرط الاستطاعة إلى الحجّ هو المذكور في قوله عزّ وجل: {ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} [آل عمران:97]. وقد سُئل الإمام الصادق(ع)عن معنى الاستطاعة فقال: «من كان صحيحاً في بدنه، مخلّى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج» [وسائل الشيعة 11: 34، باب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح4]، ولذلك لا يعدّ المكلّف مستطيعاً إلا إذا توفرت لديه أمور:
1 - السعة في الوقت، وذلك بأن يكون لدى المكلّف متّسع من الوقت يكفي للذهاب إلى الأماكن المقدّسة والقيام بالأعمال الواجبة فيها. وعلى هذا فيختلّ هذا الشرط فيما لو توفّرت الشروط المطلوبة في وقتٍ لا يسع الذهاب لأداء المناسك أصلاً، أو يسعُ ذلك، ولكن بمشقّة شديدة لا تُتحمّل عادة.
2 - القدرة البدنية على الحجّ ومقدّماته من السفر ونحوه، فلو كان مريضاً - أو هرماً - يمنعه ذلك من السفر إلى الأماكن المقدّسة، أو يمنعه من البقاء فيها بمقدار أداء أعمالها لشدّة الحرّ مثلاً، أو كان تحملّه لظروف البقاء يتمّ بحرجٍ شديد لا يُتحمّل عادةً، لم يكن الحجّ واجباً عليه مباشرة، إلا أنّه يجب عليه الاستنابة للحجّ في بعض الموارد الآتي تفصيلها في المطلب الأول من الخاتمة.
3 - أن يكون الطريق ـ في ذهابه ـ مفتوحاً ومأموناً ، وهو المعبّر عنه بـ«تخلية السِّرب» في الرواية المتقدمة، وذلك بأن يكون الوصول إلى الميقات وأماكن أداء المناسك متيسّراً، وليس فيه خطرٌ على النفس أو المال أو العِرض، فإن لم يكن حال المكلف كذلك في طريقه لم يكن مستطيعاً للحجّ، فلا يجب عليه.
وأمّا بالنسبة لطريق العودة، فإنّه إنّما يشترط فيه تخلية السرب إذا كان المكلف يريد الرجوع إلى بلده، أو إلى بلد آخر يضطرّ إلى الذهاب إليه، دون ما إذا لم يكن مضطراً لذلك.
م ـ 10: إذا أحرم المكلّف ثمّ عرض له ما يمنعه من إكمال طريقه لأداء المناسك؛ كأن مرض، أو قُطعت الطريق أو نحوهما، فله أحكام خاصّة نعرضها في المطلب الخامس من الخاتمة تحت عنوان: «المصدود والمحصور».
م ـ 11: إذا كان للحجّ طريقان أبعدُهما مأمون وسالك، والأقرب غير مأمون أو غير مفتوح، فهنا صورتان:
أ - أن يتمكّن من الذهاب من الطريق الأبعد من دون حرجّ أو مشقّة، فهنا يجب عليه الحجّ من الطريق الأبعد، وإن استلزم منه دفع مال - لا يتضرّر به - أزيد مما لو سلك الطريق الأقرب. ومن الواضح هنا أن القدرة على بذل المال الزائد من دون حرج تختلف من شخص لآخر بحسب اختلاف الأشخاص من حيث قدراتهم المالية.
ب - أن يستلزم ذهابه من الطريق الأبعد ذهابه عبر أكثر من بلد، بحيث يدور في البلدان كثيراً بشكل غير متعارَف بين الناس، بالنحو الذي لا يصدق عليه عُرفاً أنّه مخلّى السِّرب، فهنا لا يجب عليه الحجّ، حتى لو لم يكن حرجاً عليه.
م ـ 12: إذا كان في الطريق من يمنع من إكمال المسير، بهدف الحصول على المال، فإن أمكن دفع المال له وجب بشرط أن لا يكون مقداره مجحفاً بحاله وحرجاً عليه، وإلا لم يجب عليه الحجّ لهذا العام، ويرى بالنسبة للعام التالي، فإن كان مستطيعاً وجب عليه الحجّ، وإلا لم يجب أيضاً.
أمّا إن كان هدفه هو المنع من المسير مطلقاً، لا الحصول على المال، ولكن كان يمكن استعطافه حتى ترقّ نفسه ليفتح الطريق ويخلّي السرب، فإنّه لا يجب على المكلّف بذل المال حينئذ، ويسقط عنه الحجّ لو لم يفعله.
م ـ 13: لو كان في سلوك طريقّ معيّن احتمال موته أو مرضه أو نحوهما، فإن كان هذا الاحتمال مما يعتني العقلاء بمثله، كأن كان طريقه عبر البحر مع سوء الأحوال الجويّة بنحوٍ يقوى فيه احتمال الغرق، أو كان الاحتمال - ولو لم يكن عقلائيّاً - موجباً للقلق والخوف الذي يعسُر تحمّله ولا يتيسّر له علاجه، كما في حالات التوتّر النفسي العالي عند من يخافون السفر في الطائرة، فهنا إن كان ثمّة طريق آخر لتفادي كل ذلك، لزمه سلوكه بالتفصيل المتقدّم في المسألة (11)، وإن انحصر الطريق في ذلك سقط عنه وجوب الحجّ، إلا أنّه لو حجّ متحمّلاً ذلك صحّ حجّه ويجزئه عن حجّة الإسلام.
4 - النفقة، وتشمل أربعة أمور:
الأوّل: الزاد، وهو كل ما يحتاج إليه في سفره - ذهاباً وإياباً - وعند أدائه للمناسك من المأكول والمشروب وغيرهما، وذلك بالنحو المتعارف لأمثاله في حالته، التي تختلف باختلاف وضع الأفراد الاجتماعي وما ألفوه من نمط في العيش ليناً أو خشونة، وباختلاف زمان السفر برداً وحرّاً، مما تختلف معه حاجات الحاج.
الثاني: وسيلة النقل - ذهاباً وإياباً -، والمعبّر عنها بالراحلة، والتي يمكن أن تكون بريّة أو جويّة أو بحرية ممّا يليق بوضعه الاجتماعي بحسب المتعارف لدى الناس. هذا، وإن اشتراط وسيلة النقل مختصٌّ بصورة الحاجة إليها، فلو كان قادراً على المشي من دون مشقّة، لقربِ المسافة مثلاً، ولم يكن المشي منافياً لوضعه الاجتماعي، فلا يعتبر توفّرها كشرطٍ للاستطاعة.
الثالث: مؤنة العيال فترة غياب المعيل في الحجّ، إذ مع عدمها لا يكون المعيل مستطيعاً للحجّ. والظاهر أنّ المراد بهم كل من يعوله الحاجّ، ولو لم يكن ممّن تجب نفقته شرعاً.
الرابع: الرجوع إلى الكفاية، وذلك بأن يتمكّن من إعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع فيما إذا خرج إلى الحجّ وصرف ما عنده في نفقته، إمّا بالفعل، بأن يكون عنده من المال ما يكفيه لذلك، وإمّا بالقوّة، كما هو الحال في الموظّف أو العامل الذي يقبض راتباً شهرياً.
والضابط في ذلك أنّه يلزم أن يكون المكلّف على حالةٍ لا يخشى معها على نفسه ومن يعولهم من العوز والفقر بسبب الخروج إلى الحجّ، أو بسبب صرف ما عنده من المال في سبيله.
م ـ 14: لو كان يعمل في شركة أو مصنع يليق بحاله، وكان الذهاب إلى الحجّ مؤدّياً لفقدان عمله ذاك، فإن كان قادراً على تحصيل عمل آخر مناسب لحاله، من دون أن يوقع نفسه وعياله في العوز، كان مستطيعاً للحج شرعاً. وأمّا إن أوجب ذلك تعطّله عن العمل، كلياً أو جزئياً، بالنحو المتقدّم، لم يكن مستطيعاً للحجّ، فلا يجب عليه.
م ـ 15: الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ يجب تقديرها من المكان الذي فيه المكلّف، لا من بلده، فلو سافر المكلّف إلى البحرين مثلاً للتجارة أو لغيرها، وكان مستطيعاً للحجّ من هناك، بأن كان له هناك ما يمكن أن يحجّ به من الزاد والراحلة، وجب عليه الحجّ، وإن لم يكن مستطيعاً بما عنده لو أراد الحجّ من بلده.
م ـ 16: تقدير نفقة الإياب يكون بالنسبة إلى المكان الذي يريد الحاجّ الرجوع إليه، فإن كان يريد الرجوع إلى وطنه قدّر ما يحتاجه من النفقة إليه، وأمّا إن كان يريد الرجوع إلى بلدٍ آخر، للسُّكنى فيه أو للتجارة فهنا حالتان:
أ - أن يكون مقدار نفقة الرجوع إلى ذلك البلد أقل من نفقتها إلى وطنه، فالمعتبر عندئذٍ وجود النفقة إلى ذلك البلد.
ب - أن يكون الذهاب إلى ذلك البلد أكثر نفقة من الرجوع إلى وطنه، فهنا لا يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العودة إلى وطنه، إلا مع الاضطرار إلى السُّكنى فيه. مثاله: أن يكون سعر بطاقة العودة إلى لبنان بالطائرة 500 ديناراً، وأراد الرجوع إلى بلد آخر سعر البطاقة إليه 700، فهنا لو كان معه 500 اعتُبر مستطيعاً شرعاً، حتى لو كان لا يريد الرجوع إلى وطنه، إلا أن يضطر للذهاب إلى ذلك البلد، فيُعتبر وجود 700 عندئذٍ.
م ـ 17: معنى كون الاستطاعة - بما فصّلناه - شرطاً لوجوب الحجّ أنّ المكلّف الذي تتوفّر فيه شروط الاستطاعة يجب عليه الحجّ، أمّا من لم تتوفّر فيه فلا يجب عليه تحصيلها، ولو بالاكتساب الذي يناسب وضعه الاجتماعي. ولذا لو كان عنده الزاد، وكان الطريق آمناً ومفتوحاً، وكان صحيح البدن، ولكن لم يكن عنده وسيلة نقل، لا بالملك ولا بالاستئجار، لم يجب عليه الحجّ، ولا يجب عليه العمل لذلك؛ نعم لو عمل لتحصيلها بحيث صار مستطيعاً - ولو من الميقات - كان حجّه حجّ الإسلام.
الشرط الأول: البلوغ:
وبمقتضى هذا الشرط فإنه لا يجب الحجّ على الصبيّ ما لم يبلغ، حتى لو كان مراهقاً، وفي الرواية عن الصادق(ع):: «لو أن غلاماً حجَّ عشر حجج ثم احتلم كانت عليه فريضة الاسلام« [الكافي 4: 278، ح18].
م ـ 1: الأحوط كون وجوب الحجّ بعد تحقّق شرائطه فورياً، فتجب المبادرة إليه في سنة الاستطاعة، وإن تركه لعذرٍ أو بدونه يأتي به في السنة التالية، وهكذا، وإن أخّره كذلك من دون عذر إلى أن مات يكون قد ارتكب كبيرة من الكبائر بترك شريعة من شرائع الإسلام.
م ـ 2: إذا حجّ الصبيّ ثمّ بلغ في أثناء الحج، فهنا حالتان:
أ - أن يبلغ قبل الإحرام من الميقات، وكان مستطيعاً ولو من الموضع الذي بلغ فيه، فلا اشكال في أن حجّه يكفيه عن حجة الإسلام.
ب - أن يبلغ بعد الإحرام، فإن كان بلوغه قبل الوقوف بمزدلفة، أجزأه حجّه عن حجّة الإسلام وعليه إتمامه؛ وأمّا إن كان بعد الوقوف بمزدلفة وقع حجّه مستحبّاً ولزمه الحجّ في عامٍ آخر عند توفّر سائر الشروط.
م ـ 3: إذا حجّ الإنسان مستحبّاً باعتقاد أنّه غير بالغ فتبيّن بعد أدائه للمناسك، أو في أثنائها أنّه كان بالغاً من الأوّل، فهنا يكون حجّه حجّ الإسلام، فيجتزىء به، ولا يجب عليه الحجّ مرة أخرى إذا استطاع بعده.
م ـ 4: يُستحبّ للصبي المميّز أن يحجّ، ولا يُشترط في صحّة حجّه إذن الولي. نعم، لا بدّ له من مراعاة الأمور الأخرى التي تندرج تحت الولاية، كإذن الولي للخروج، خصوصاً مع وجود مخاطر في الطريق، وأثناء الحجّ، مما أصبحت مراعاته تتمّ بشكل عادي نتيجة لقوانين السفر في البلدان المختلفة.
م ـ 5: يُستحبّ للوليّ إحجاج الصبيّ غير المميّز - وكذا الصبيّة غير المميّزة - وذلك بأن يُلبسه ثوبي الإحرام، ويأمره بالتلبية، ويلقّنه إياها إن كان ممكنَ التلقين، وإلا لبّى عنه، ويجنّبه ما يجب على المُحرم اجتنابه. هذا، ويجوز للوليّ أن يؤخّر تجريد الصبيّ من المخيط - وما بحكمه - إلى منطقة «فخ» إذا كان سائراً من ذلك الطريق، ثمّ يأمره بالإتيان بكل ما يتمكّن من أفعال الحج، وينوب عنه في ما لا يمكنه الإتيان به.
وحيث يصلي الصبي بنفسه فلا بدّ أن يتوضأ ولا تصحّ صلاته إلا عن طهارة. نعم، لا يلزمه أن يتوضأ إذا كان الولي هو الذي يصلي عنه.
م ـ 6: لا يُشترط في إحرام الوليّ بالصبيّ أن يُحرم معه، فيصحّ منه ذلك وإن كان نفسه محلاً، إلا أن يجب عليه الإحرام بعنوان آخر، كعدم جواز دخول مكَّة إلا محرماً ونحوه، فيلزمه الإحرام عن نفسه أيضاً.
م ـ 7: الوليّ الذي يُستحبّ له إحجاج الصبيّ غير المميّز هو كل من له حقّ حضانته من الأبوين أو غيرهما.
م ـ 8: النفقة التي ينفقها الوليّ على حجّ الصبيّ المميّز على قسمين:
1 - المقدار الذي يوازي ما يصرفه عليه في بلده في موازاة أيام السفر، فنفقته من مال الصبيّ.
2 - المقدار الزائد عن نفقة بلده، فنفقته من مال الوليّ لا مال الصبيّ، إلا أن يكون حفظ الصبيّ متوقّفاً على السفر به، أو يكون السفر مصلحة له، فتُدفع تكاليف السفر وما يقتضيه الحفظ عندئذ من ماله، ويبقى الزائد من مال الوليّ.
م ـ 9: ثمن هدي الصبيّ غير المميّز على الوليّ، وكذا كفّارة صيد الصبيّ، وأمّا الكفّارات التي تجب عند الإتيان بموجبها عمداً فلا تجب بفعل الصبي ـ وإن كان مميّزاً ـ، ولا يجب التكفير عنها حينئذٍ، لا على الولي ولا من مال الصبيّ.
الشرط الثاني: العقل :
المقصود بهذا الشرط أن يكون عاقلاً حال الحجّ، فلا يجب الحجّ على المجنون المطبق، ولا على الأدواري - وهو الذي يجنّ في وقتٍ ويفيق في وقتٍ إذا صادف زمن جنونه زمان الإتيان بمناسك الحجّ ومقدّماتها من الإحرام ونحوها، فإن صادف زمن إفاقته زمن الاتيان بذلك فيجب عليه الحجّ حينئذٍ.
الشرط الثالث: الاستطاعة:
شرط الاستطاعة إلى الحجّ هو المذكور في قوله عزّ وجل: {ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً} [آل عمران:97]. وقد سُئل الإمام الصادق(ع)عن معنى الاستطاعة فقال: «من كان صحيحاً في بدنه، مخلّى سربه، له زاد وراحلة فهو ممن يستطيع الحج» [وسائل الشيعة 11: 34، باب 8 من أبواب وجوب الحج وشرائطه، ح4]، ولذلك لا يعدّ المكلّف مستطيعاً إلا إذا توفرت لديه أمور:
1 - السعة في الوقت، وذلك بأن يكون لدى المكلّف متّسع من الوقت يكفي للذهاب إلى الأماكن المقدّسة والقيام بالأعمال الواجبة فيها. وعلى هذا فيختلّ هذا الشرط فيما لو توفّرت الشروط المطلوبة في وقتٍ لا يسع الذهاب لأداء المناسك أصلاً، أو يسعُ ذلك، ولكن بمشقّة شديدة لا تُتحمّل عادة.
2 - القدرة البدنية على الحجّ ومقدّماته من السفر ونحوه، فلو كان مريضاً - أو هرماً - يمنعه ذلك من السفر إلى الأماكن المقدّسة، أو يمنعه من البقاء فيها بمقدار أداء أعمالها لشدّة الحرّ مثلاً، أو كان تحملّه لظروف البقاء يتمّ بحرجٍ شديد لا يُتحمّل عادةً، لم يكن الحجّ واجباً عليه مباشرة، إلا أنّه يجب عليه الاستنابة للحجّ في بعض الموارد الآتي تفصيلها في المطلب الأول من الخاتمة.
3 - أن يكون الطريق ـ في ذهابه ـ مفتوحاً ومأموناً ، وهو المعبّر عنه بـ«تخلية السِّرب» في الرواية المتقدمة، وذلك بأن يكون الوصول إلى الميقات وأماكن أداء المناسك متيسّراً، وليس فيه خطرٌ على النفس أو المال أو العِرض، فإن لم يكن حال المكلف كذلك في طريقه لم يكن مستطيعاً للحجّ، فلا يجب عليه.
وأمّا بالنسبة لطريق العودة، فإنّه إنّما يشترط فيه تخلية السرب إذا كان المكلف يريد الرجوع إلى بلده، أو إلى بلد آخر يضطرّ إلى الذهاب إليه، دون ما إذا لم يكن مضطراً لذلك.
م ـ 10: إذا أحرم المكلّف ثمّ عرض له ما يمنعه من إكمال طريقه لأداء المناسك؛ كأن مرض، أو قُطعت الطريق أو نحوهما، فله أحكام خاصّة نعرضها في المطلب الخامس من الخاتمة تحت عنوان: «المصدود والمحصور».
م ـ 11: إذا كان للحجّ طريقان أبعدُهما مأمون وسالك، والأقرب غير مأمون أو غير مفتوح، فهنا صورتان:
أ - أن يتمكّن من الذهاب من الطريق الأبعد من دون حرجّ أو مشقّة، فهنا يجب عليه الحجّ من الطريق الأبعد، وإن استلزم منه دفع مال - لا يتضرّر به - أزيد مما لو سلك الطريق الأقرب. ومن الواضح هنا أن القدرة على بذل المال الزائد من دون حرج تختلف من شخص لآخر بحسب اختلاف الأشخاص من حيث قدراتهم المالية.
ب - أن يستلزم ذهابه من الطريق الأبعد ذهابه عبر أكثر من بلد، بحيث يدور في البلدان كثيراً بشكل غير متعارَف بين الناس، بالنحو الذي لا يصدق عليه عُرفاً أنّه مخلّى السِّرب، فهنا لا يجب عليه الحجّ، حتى لو لم يكن حرجاً عليه.
م ـ 12: إذا كان في الطريق من يمنع من إكمال المسير، بهدف الحصول على المال، فإن أمكن دفع المال له وجب بشرط أن لا يكون مقداره مجحفاً بحاله وحرجاً عليه، وإلا لم يجب عليه الحجّ لهذا العام، ويرى بالنسبة للعام التالي، فإن كان مستطيعاً وجب عليه الحجّ، وإلا لم يجب أيضاً.
أمّا إن كان هدفه هو المنع من المسير مطلقاً، لا الحصول على المال، ولكن كان يمكن استعطافه حتى ترقّ نفسه ليفتح الطريق ويخلّي السرب، فإنّه لا يجب على المكلّف بذل المال حينئذ، ويسقط عنه الحجّ لو لم يفعله.
م ـ 13: لو كان في سلوك طريقّ معيّن احتمال موته أو مرضه أو نحوهما، فإن كان هذا الاحتمال مما يعتني العقلاء بمثله، كأن كان طريقه عبر البحر مع سوء الأحوال الجويّة بنحوٍ يقوى فيه احتمال الغرق، أو كان الاحتمال - ولو لم يكن عقلائيّاً - موجباً للقلق والخوف الذي يعسُر تحمّله ولا يتيسّر له علاجه، كما في حالات التوتّر النفسي العالي عند من يخافون السفر في الطائرة، فهنا إن كان ثمّة طريق آخر لتفادي كل ذلك، لزمه سلوكه بالتفصيل المتقدّم في المسألة (11)، وإن انحصر الطريق في ذلك سقط عنه وجوب الحجّ، إلا أنّه لو حجّ متحمّلاً ذلك صحّ حجّه ويجزئه عن حجّة الإسلام.
4 - النفقة، وتشمل أربعة أمور:
الأوّل: الزاد، وهو كل ما يحتاج إليه في سفره - ذهاباً وإياباً - وعند أدائه للمناسك من المأكول والمشروب وغيرهما، وذلك بالنحو المتعارف لأمثاله في حالته، التي تختلف باختلاف وضع الأفراد الاجتماعي وما ألفوه من نمط في العيش ليناً أو خشونة، وباختلاف زمان السفر برداً وحرّاً، مما تختلف معه حاجات الحاج.
الثاني: وسيلة النقل - ذهاباً وإياباً -، والمعبّر عنها بالراحلة، والتي يمكن أن تكون بريّة أو جويّة أو بحرية ممّا يليق بوضعه الاجتماعي بحسب المتعارف لدى الناس. هذا، وإن اشتراط وسيلة النقل مختصٌّ بصورة الحاجة إليها، فلو كان قادراً على المشي من دون مشقّة، لقربِ المسافة مثلاً، ولم يكن المشي منافياً لوضعه الاجتماعي، فلا يعتبر توفّرها كشرطٍ للاستطاعة.
الثالث: مؤنة العيال فترة غياب المعيل في الحجّ، إذ مع عدمها لا يكون المعيل مستطيعاً للحجّ. والظاهر أنّ المراد بهم كل من يعوله الحاجّ، ولو لم يكن ممّن تجب نفقته شرعاً.
الرابع: الرجوع إلى الكفاية، وذلك بأن يتمكّن من إعاشة نفسه وعائلته بعد الرجوع فيما إذا خرج إلى الحجّ وصرف ما عنده في نفقته، إمّا بالفعل، بأن يكون عنده من المال ما يكفيه لذلك، وإمّا بالقوّة، كما هو الحال في الموظّف أو العامل الذي يقبض راتباً شهرياً.
والضابط في ذلك أنّه يلزم أن يكون المكلّف على حالةٍ لا يخشى معها على نفسه ومن يعولهم من العوز والفقر بسبب الخروج إلى الحجّ، أو بسبب صرف ما عنده من المال في سبيله.
م ـ 14: لو كان يعمل في شركة أو مصنع يليق بحاله، وكان الذهاب إلى الحجّ مؤدّياً لفقدان عمله ذاك، فإن كان قادراً على تحصيل عمل آخر مناسب لحاله، من دون أن يوقع نفسه وعياله في العوز، كان مستطيعاً للحج شرعاً. وأمّا إن أوجب ذلك تعطّله عن العمل، كلياً أو جزئياً، بالنحو المتقدّم، لم يكن مستطيعاً للحجّ، فلا يجب عليه.
م ـ 15: الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحجّ يجب تقديرها من المكان الذي فيه المكلّف، لا من بلده، فلو سافر المكلّف إلى البحرين مثلاً للتجارة أو لغيرها، وكان مستطيعاً للحجّ من هناك، بأن كان له هناك ما يمكن أن يحجّ به من الزاد والراحلة، وجب عليه الحجّ، وإن لم يكن مستطيعاً بما عنده لو أراد الحجّ من بلده.
م ـ 16: تقدير نفقة الإياب يكون بالنسبة إلى المكان الذي يريد الحاجّ الرجوع إليه، فإن كان يريد الرجوع إلى وطنه قدّر ما يحتاجه من النفقة إليه، وأمّا إن كان يريد الرجوع إلى بلدٍ آخر، للسُّكنى فيه أو للتجارة فهنا حالتان:
أ - أن يكون مقدار نفقة الرجوع إلى ذلك البلد أقل من نفقتها إلى وطنه، فالمعتبر عندئذٍ وجود النفقة إلى ذلك البلد.
ب - أن يكون الذهاب إلى ذلك البلد أكثر نفقة من الرجوع إلى وطنه، فهنا لا يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العودة إلى وطنه، إلا مع الاضطرار إلى السُّكنى فيه. مثاله: أن يكون سعر بطاقة العودة إلى لبنان بالطائرة 500 ديناراً، وأراد الرجوع إلى بلد آخر سعر البطاقة إليه 700، فهنا لو كان معه 500 اعتُبر مستطيعاً شرعاً، حتى لو كان لا يريد الرجوع إلى وطنه، إلا أن يضطر للذهاب إلى ذلك البلد، فيُعتبر وجود 700 عندئذٍ.
م ـ 17: معنى كون الاستطاعة - بما فصّلناه - شرطاً لوجوب الحجّ أنّ المكلّف الذي تتوفّر فيه شروط الاستطاعة يجب عليه الحجّ، أمّا من لم تتوفّر فيه فلا يجب عليه تحصيلها، ولو بالاكتساب الذي يناسب وضعه الاجتماعي. ولذا لو كان عنده الزاد، وكان الطريق آمناً ومفتوحاً، وكان صحيح البدن، ولكن لم يكن عنده وسيلة نقل، لا بالملك ولا بالاستئجار، لم يجب عليه الحجّ، ولا يجب عليه العمل لذلك؛ نعم لو عمل لتحصيلها بحيث صار مستطيعاً - ولو من الميقات - كان حجّه حجّ الإسلام.