العيد يوم الوحدة:
هذا اليوم هو يوم عيد الفطر، هو يوم مبارك، لأنّ المسلمين يلتقون فيه، وقد أراد الله للمسلمين في العالم كلّه أن يجتمعوا فيه وليشعروا بالوحدة فيه بعد أن شعروا بالوحدة في شهر رمضان، حيث صاموا جميعاً في نهاره، وقاموا جميعاً في ليله، وابتهلوا إلى الله سبحانه في دعائهم وكل توجّهاتهم ليكونوا قريبين إليه.
وهكذا أراد الله للعيد أن يكون مجتمعَاً ومحتشَداً للمسلمين في أنحاء العالم، ليجسّدوا الوحدة في التزامهم بعيد الفطر، ومع الأسف أنهم لا يزالون مختلفين في توقيته، حسب اختلاف اجتهاداتهم الفقهية.
وهذا اليوم ـ أيضاً ـ هو يوم الجمعة الذي هو العيد الأسبوعي للمؤمنين، حيث أراد الله سبحانه للمسلمين أن يجتمعوا فيه في كل أسبوع في منطقة واسعة معيّنة، ليتعارفوا وليتآلفوا وليتواصلوا وليلتقوا في مساجدهم و مصلياتهم بين يدي الله سبحانه وتعالى، ولتعتبر كل منطقة تقام فيها الجمعة منطقة موحّدة، يتوحّد فيها المسلمون في جميع أمورهم، وبذلك يمكن أن يتحقق التواصل والتعاون فيما بينهم.
وقد أراد الله سبحانه وتعالى للمسلمين جميعاً أنّ يأخذوا بأسباب الوحدة الإسلامية، وذلك في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}(آل عمران/103)، حيث يريد الله سبحانه للمسلمين بأنّ يتمسّكوا بحبله، وحبل الله هو القرآن، وهو الإسلام، لذلك على كل مسلم ومسلمة أن يعتبر أن علاقته بالمسلم الآخر سواء اتفق معه في مذهبه أو في اجتهاداته أو لم يتفق معه في ذلك، أن يتمسّكوا بالإسلام الذي هو العروة الوثقى حيث يقول سبحانه: {فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالعُرْوَةِ الوُثْقَى...}(البقرة/256).
الإسلام العروة الوثقى:
فالله سبحانه يعتبر أن الإسلام هو العروة الوثقى، إذا تمسّك بها المسلم استطاع أن يثبّت أقدامه يوم تزل فيه الأقدام، فأن يلتقي المسلمون على الإسلام دون أن يفرق بينهم أي شيء طارىء لجهة الاختلاف في المذهب أو الاجتهاد أو الانتماء الحزبي، أو لجهة أعراقهم ولغاتهم، فكل ذلك لا يجوز أن يؤدي إلى أن يشعروا بالتفرقة فيما بينهم، وعليهم أن يتوحّدون بالإسلام لأنّ الجميع يؤمن بالله الواحد وبالرسول(ص) وبكل الرسالات والملائكة ويؤمن باليوم الآخر، ولأنّ الجميع يؤمن بكتاب الله الذي {لَا يَأْتِيهِ البَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ}(فصِّلت/42)، وبالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... وهكذا يلتقي المسلمون في أكثر من موقع، والله سبحانه يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا ـ تمسّكوا بالقرآن، وبالإسلام ـ وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ـ عندما يلتقي المسلمون على أساس الوحدة ـ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً ـ فقد كنتم قبائل وعشائر في زمن الدعوة الإسلامية الأولى تتباغضون وتتحاربون فيما بينكم، كما حدث في يثرب عندما قامت الحروب بين الأوس والخزرج واستمرت عشرات السنين ـ فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ـ النعمة هي الإسلام ـ وَكُنْتُمْ ـ في خلافاتكم، وفي عدواتكم وحروبكم ـ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}(آل عمران/103).
وهكذا يريد الله لنا أن لا نعيش العداوات فيما بيننا، فحين يتفرّق المسلمون إلى أحزاب أو مذاهب إسلامية مختلفة، فإنّهم يعتبرون بعضهم أعداء بعض! وقد ورد عن أحد أئمة أهل البيت(ع): "إذا قال المسلم لأخيه أنت عدوي فقد كفر أحدهما صاحبه"، لأن الله سبحانه يقول: {إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}(الحجرات/10)، والذين يختلفون فيما بينهم يقولون: إننا أعداء، وعندما يقول الإنسان غير ما يقوله الله، يكون في موقع الكفر.
التوحيد جامع الرسالات:
وقد خاطب الله رسله بقوله: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ * وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ـ فمنذ أن بعث الله سبحانه آدم ونوح إلى أن ختم النبوة بمحمد(ص)، اعتبر الرسالات واحدة ـ {لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ}(البقرة/285)، فكل الرسالات تدعو إلى التوحيد وإلى التقوى وإلى الإيمان باليوم الآخر، فهذا الدين الذي تدعون الناس إليه هو دين واحد ـ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ}(المؤمنون/51-52)، ثم يقول سبحانه وتعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(الأنفال/46)، لأنّ الريح عندما تجتمع في اتجاه واحد تأتي قوية ولكن عندما تتفرق تضعف.
أيها الأحبة، علينا أن نحافظ على الوحدة الإسلامية، فقد نختلف في بعض الأفكار السياسية، وبعض الأفكار الفقهية والأفكار المذهبية، ولكن الله سبحانه قال لنا: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ـ لأنّكم جميعاً تؤمنون بالله وبرسوله، فإذا اختلفتم فحكّموا القرآن ـ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}(النساء/59)، لأنّ الله سبحانه وتعالى يريد منا أن نلتقي على الإسلام، وعلى القرآن، وعلى توحيد الله.
اللّقاء الرّوحي في الصلاة:
وقد أراد الله سبحانه وتعالى لنا أن نصلي جماعة، فهي مستحبة في أيام الأسبوع استحباباً كبيراً، حيث "أن صلاة الجماعة إذا زادت عن العشرة لا يحصي ثوابها إلاّ الله " كما ورد في الحديث، وقد أوجب صلاة الجمعة جماعة، وأراد لنا أن نجتمع في صلاة العيد حتى يشعر المسلمون بأنهم يجتمعون باسم الله وبين يديه، وعندما نجتمع بين يديه سبحانه فإن علينا أن نلتزم أن لا نجتمع بين يدي الشيطان، وكلّ الشياطين الذين يعملون على إثارة الفتنة بيننا.
أيها الأحبة، لنتعلم كيف نكون موحدين، لنكون قوة في وجه الظالمين والمستكبرين والكافرين، فالله حملّنا مسؤولية أن تكون لنا العزة " {وَللهِ العِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(المنافقون/8). وحملنا مسؤولية أن تكون لنا القوة {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}(الأنفال/60).
هذا ما نستفيده من خلال اللقاءات الروحية في كل صلاة، وفي كل عيد، وفي كل رمضان، وكل زمان ومكان أراد الله لنا أن نلتقي فيه.
الخطبة الثانية
بسم الله الرَّحمن الرحيم
عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من موقع واحد، تؤكدون فيه إيمانكم وإسلامكم ووحدتكم واعتصامكم بحبل الله سبحانه وتعالى، وعلينا أن نعرف ماذا يُدبّر لنا من قبل المستكبرين، وعلينا أن نعرف كيف يخطط المستكبرون للقضاء على العالم الإسلامي؟ وعلينا أن نقف مع كل موقع إسلامي لننصره وندافع عنه، لأنّ الله سبحانه أراد للمؤمنين أن يكونوا أولياء. فماذا هناك؟
ضربة إيران: تصعيد أمريكي وتخوّف عربي:
في المشهد الأمريكي نجد نائب الرئيس الأمريكي، دك تشيني، يحبّذ ضربة عسكرية جوية وبحرية وصاروخية قاصمة لإيران، وتحديداً إلى كلّ بُناها التحتية العسكرية والمدنية، فضلاً عن البنى الاقتصادية والنفطية وقطاع الاتصالات والمواصلات على تنوعه، وذلك في آذار المقبل كحدٍ أقصى. وقد سبق لهذا الرجل الحاقد على الإسلام والمسلمين الذي يقود المحافظين الجدد أن قام بعدة جولات في المنطقة لإقناع أكثر من دولةٍ عربية، ولاسيما دول الخليج، لمواجهة إيران واعتبارها عدواً خطراً لا بدّ من مقاطعته ومحاربته، لأنّ إيران تمثّل الدولة الإسلامية التي تحاول الأخذ بأسباب القوة في خطة الدفاع عن نفسها وعن مقدراتها الاقتصادية، وتتحرك في موقع الصمود في الإصرار على ملفها النووي السلمي، بالرغم من الضغوط الدولية القاسية في قرارات العقوبات من مجلس الأمن بقيادة أمريكا وبريطانيا وفرنسا...
هذا إلى جانب تأييدها لحركات التحرر في فلسطين ولبنان، ومواجهتها للاحتلال الأمريكي في العراق، ورفض اعترافها بإسرائيل باعتبارها دولةً غاصبةً للفلسطينيين حقهم في الأرض من خلال احتلالها ورفضها عودة اللاجئين إليها.
ونحن نعتقد أنّ هذه الخطة الأمريكية لن تحقق الكثير من النجاح في عدوانها المرتقب، بل إنها سوف تجلب الدمار إلى المنطقة التي تتمركز فيها القواعد العسكرية الأمريكية والثروات النفطية وتحرق الأوضاع السياسية في الخليج، في الوقت الذي لا تزال هذه الدول ترفض الحرب ضد إيران، لأنها لا ترى فيها أيّ وضع يكفل لها الأمن والاستقرار. ومن جانب آخر، فإنّ الجدل لا يزال يتحرك حول خطة السلام الأمريكية في مؤتمر الخريف القادم الذي يتحدث عن دولتين فلسطينية وإسرائيلية من خلال المفاوضات الدولية، التي قد يتصور بعض المسؤولين العرب وفي مقدمهم السلطة الفلسطينية أنّها قد تجلب لهم الحلّ، ولكنّنا نلاحظ أن اللقاءات المتتابعة بين أولمرت وفريقه وعباس وفريقه، لم ولن تنتج أية وثيقة سياسية تؤكد الخطوة الأولى نحو حلّ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، أو الفلسطيني ـ الصهيوني، وهذا ما صرّح به رئيس وزراء العدو معلناً أن توقيع معاهدة السلام بعيد جداً، ومؤكداً لبعض وزرائه أنّه لن يثير قضية القدس في المفاوضات لأنها لا تزال من المقدسات اليهودية كعاصمة سياسية ودينية للدولة العبرية...
ولا تزال الاغتيالات والاجتياحات والمجازر الوحشية للمدنيين تلاحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية في نطاق صمت دولي وعربي، لأن هؤلاء يخافون أن تكون احتجاجاتهم ذات تأثير على المؤتمر القادم.
خطر الخطة الأمريكية على العالمين العربي والإسلامي:
وإننا ندعو الدول العربية وشعوبها والدول الإسلامية ومسلميها إلى الوعي لخطورة المرحلة الحاضرة التي تتحرك فيها الخطة الأمريكية للهيمنة على المنطقة كلّها، وعلى العالم كلّه في تحالف استراتيجي مع إسرائيل التي تحاول النفاذ إلى كل بلد تدخله أمريكا لمصادرة ثرواته والعبث بسياساته وإدخال مخابراتها في مفاصل الواقع كله، ولاسيما في العراق وأفريقيا وفي أكثر من دولة عربية من الدول التي وقّعت الصلح معها أو دخلت في نسيجها الداخلي. لأنّ هناك أكثر من خطر يتهدد العالمين العربي والإسلامي، بل إنّ إسرائيل لم تصنع كدولة في المنطقة من قِبَل دول الغرب إلاّ لإرباك واقعها السياسي والاقتصادي والأمني، لتبقى إسرائيل الدولة الأقوى حسب التخطيط الأمريكي، حتى إن الدول المتحالفة مع أمريكا لا تأمن على نفسها من الضعف الذي يخطط لها حتى لا يُسمح لها بأن تكون في موقع القوة الذي تملكه في عناصر وجودها.
لبنان: توظيف المال السياسي لصالح الأزمة:
أما لبنان، الذي تستعيد بعض القوى فيه قرارات مجلس الأمن التي تمثّل التدخل في شؤونه الداخلية كالقرار 1559، فإن المطلوب منه أمريكياً وإسرائيلياً، إضافةً إلى بعض المواقع الداخلية، هو الضغط على المقاومة التي لم تأخذ بأسباب القوة إلاّ للدفاع عن الوطن ضد عدوان إسرائيل، كما حدث في المراحل السابقة في سنة 2000 وفي سنة 2006، وهذا غير مسموح به لدى أكثر من فريق ممن كانوا يصفقون ويهتفون لها، ثم أصبحوا ـ بفعل الوحي الأمريكي ـ يرجمونها بالحجارة، في الوقت الذي أكّدت المقاومة أن سلاحها لم يحرك للداخل، بل للرد على العدوان في الظروف الحاضرة التي لا يملك فيها لبنان الدولة أية استراتيجية قوية فاعلة للدفاع عن نفسه، ولا يجد أية خطة لتسليح جيشه بما يحقق له القدرة على مواجهة العدوان.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنّ غول الغلاء الذي تحوّل إلى وحش اقتصادي يأكل كل مدخرات الناس، سواء من ناحية الفوضى في زيادة الأسعار بالنسبة للحاجات الضرورية أو في الضرائب التي تفرضها الحكومة على الأمور الحيوية. وربما يتحدّث بعض الناس أن هذا الواقع الذي يوصل الناس إلى أدنى مستوى من الفقر قد يشجّع البعض على إغراء بعض الفقراء ببعض المال من أجل التصويت لزعيم أو سياسي هنا أو الحضور في مهرجان هناك للذين جمعوا ثرواتهم من أموال الناس واستخدموها للوصول إلى مواقع سياسية...