ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
رقابة الله حقيقة إيمانية:
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}، ويقول سبحانه: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، ويقول سبحانه: {وكان الله على كل شيء رقيباً} {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.
هذه الآيات الكريمة وغيرها، توحي للإنسان المؤمن أن يبني تفكيره في عقله، ويبني عاطفته في قلبه، ويحرك طاقاته في حياته، على أساس حقيقة إيمانية، وهي رقابة الله عليه في كلِّ ذلك، إنك ربما تستطيع وأنت تفكر أن تخفي ما في فكرك عن الناس كلهم، سواء كان فكرك فكر الخير أو الشر، وتستطيع أن تخفي مشاعرك وأحاسيسك عن الناس كلّهم، وأن تخفي كلماتك عندما تهمس بها أو تسرّها لبعض الناس لأنك تملك ذلك كله، فهناك غطاء للفكر وللعاطفة ولما يصدر عن الإنسان من قول وفعل مما يملكه الإنسان من الوسائل، ولكنَّك لا تملك أن تخفي شيئاً عن ربّك، فأنت مكشوف بكلك عليه، إنك تجلس وحدك لتفكر بشرٍ ضد أناس أو واقع، أو بخير، وأنت مطمئن أنه لن يطّلع أحد على ما تخطط له وما تفكر فيه، ولكن الله تعالى يلاحق فكرك منذ أن تبدأ الفكرة. وحتى تنضجها وتنتجها، فإنها في نظر الله وعلمه، لأن الله {يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور}.
فإنّ على الإنسان أن يختزن هذه الفكرة الإيمانية في نفسه، فالله تعالى يطّلع على عقله وهو يفكر، حتى يتوازن ويستقيم في ما يتحرك به أو يخططه من فكر، وليعصمه ذلك عن الأفكار والنوايا الشريرة، لأن الله سوف يحاسبه على هذا الفكر عندما يتحوّل إلى خطة أو كلمة أو عمل، أياً كان ذلك العمل. ولعل الكثيرين منّا يطلقون أفكارهم ومخططاتهم بحرية لأنهم يشعرون أنه لا يطلع عليهم أحد، وهكذا عندما يكون الناس في جلسات سريّة _ وما أكثرها _ سواء في الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الأمنية، التي يحاول فيها الكثيرون من الناس أن يخططوا فيما بينهم للإضرار بشخص أو وطن أو أمَّة، معتمدين على المناطق المغلقة والغرف السرية والاجتماعات الخاصة، لأنهم يطمئنون إلى أن الأبواب مغلقة وليس هناك من يسمع أو يراقب، ولكن عين الله تعالى تراقبهم وهم يجتمعون، والله يعلم السرّ وأخفى: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكلِّ شيء عليم}.
تنمية الضمير من الإحساس بالمسؤولية:
وهكذا، في كلِّ جريمة يقوم بها الإنسان من دون أن يراه أحد، وفي كل شيء يأكله أو يفعله أو يشربه مما حرّمه الله، لذلك يؤكد الله تعالى لنا ذلك في أكثر من آية وفي أكثر من حديث أوحى به إلى رسوله وحدّث به النبي (ص)، وهذا هو الذي يصنع للمؤمن ضميره، فنحن نتداول بأن فلاناً عنده ضمير، من أين ينشأ الضمير؟ إنه ينشأ من هذه التربية الداخلية في الإحساس بالمسؤولية أمام أيّ شيء سيّىء عندما تشعر بأنك ستقدّم حساب مسؤوليتك غداً بين يدي الله، فهناك كتاب يُدفع إليك: {إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً}، ويقرأ الإنسان في هذا الكتاب ويقول البعض: {يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها}. إن كل هذا التفكير الإيماني الروحي في الإحساس برقابة الله تعالى، يجعلك تربي نفسك على أنك مراقَب في الليل والنهار من قبل الربّ الذي أعطاك حياتك وبيده موتك، وأعطاكِّ كل نعمه وبيده مصيرك في الجنة أو في النار.
وقد ورد في حديث عليّ (ع) أنه قال: «اتّقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم»، فالله تعالى هو الشاهد لما فعلت، وهو الحاكم عندما تقف بين يديه، ونقرأ في ما قاله لنا النبي (ص) والأئمة من أهل بيته (ع)، قول الإمام عليّ (ع): «اعلموا عباد الله ـ وعليّ (ع) إمام الإسلام، فهو يخاطب الأجيال كلها، لأن عليّاً ينطلق من قلب الحقيقة الإلهية، فإذ قرأتم خطبة يخاطب بها أصحابه، فاعلموا أنه يخاطبكم ـ أن عليكم رصداً من أنفسكم ـ من الضمير الذي يختفي داخل نفوسكم ـ وعيوناً من جوارحكم ـ وهذا ما أوحى الله به في كتابه: {وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء} ـ وحفّاظ صدق يحفظون أعمالكم وعدد أنفاسكم، لا تستركم منهم ظلمة ليل داج، ولا يكنّكم منهم باب ذو رتاج، فلا تقطعوا نهاركم بكذا وكذا ـ تتكلمون باللّغو والغيبة والكذب ـ وفعلنا كذا وكذا، فإن معكم حفظة يحصون عليكم وعلينا»، وهم الملائكة.
رقابة النفس:
ونقرأ في «دعاء كميل بن زياد» عندما يتحدث الإمام عليّ (ع) عن رقابة الملائكة على الإنسان، حيث يقول (ع): «وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم، والشاهد لما خفي عنهم»، وهي النيّات في النفس... ويقول النبي (ص): «عوّدوا قلوبكم الترقـب ـ الإحساس بالرقابة ـ وأكثروا التفكّر والاعتبار»، ويقول عليّ (ع): «اجعل من نفسك على نفسك رقيباً، واجعل لآخرتك من دنياك نصيباً»، راقب نفسك وحاسبها بنفسك، وإذا عشت في الدنيا فلا يكن كل ما عندك دنيا، بل اجعل لآخرتك نصيباً، لأنك سوف تغادر الدنيا وتصل الآخرة، ولا بد أن تعمل لكي يكون لك في الآخرة نصيب. ويقول عليّ (ع): «ينبغي أن يكون الرجل مهيمناً على نفسه ـ لا أن تسيطر نفسك عليك وتوجّهك، فالله أعطاك عقلاً تعرف من خلاله الخير والشر، فحكّم عقلك واجعله يحرّكك في خط إيمانك بالله ومعرفتك به، واجعله يحكم على نفسك ـ مراقباً قلبه ـ أن تراقب خفقات قلبك في الحب والبغض والنيّات الطيّبة والخبيثة ـ حافظاً لسانه».
ويقول الإمام الصادق (ع): «إحمل نفسك لنفسك ـ لمصلحة نفسك ومصيرك ونجاتك ـ فإن لم تفعل لم يحملك غيرك»، ويقول (ع): «كان في ما وعظ الله تبارك وتعالى به عيسى بن مريم: يا عيسى، كن حيث كنت مراقباً لله»، ورسول الله (ص) يقول لأبي ذر: «إحفظ الله يحفظك»، تذكّر الله وراقبه، ويقول عليّ (ع): «طوبى لمن راقب ربَّه وخاف ذنبه»، ويقول (ع): «رحم الله امرءاً راقب ربه، وتنكّب ذنبه، وكابر هواه، وكذّب مناه، امرءاً أزم نفسه من التقوى بزمام، دائم الفكر، طويل السهر، عزوفاً عن الدنيا، قد وقر قلبه ذكر المعاد، وطوى مهاده، وهجر وساده منتصباً على أطرافه، خشوع في السر لربه، لدَمْعُه صبيب ولَقَلبُه وجيب، راضياً بالكفاف من أمره، يُظهر دون ما يكتم، ويكتفي بأقل مما يعلم».
ويقول الإمام الصادق (ع) _ والنبي (ص) والأئمة (ع) لا يكفي أن نبكي عليهم، بل أن نأخذ من كلماتهم النور الذي يضيء لنا الطريق، وهذا هو معنى الولاية لهم _ يقول (ع): «ما من يوم يأتي على ابن آدم إلا قال ذلك اليوم: يا بن آدم، أنا يوم جديد وأنا عليك شهيد، فافعل بي خيراً واعمل فيّ خيراً أشهد لك يوم القيامة، فإنك لن تراني بعدها أبداً»، وعنه (ع): «إنَّ النّهار إذا جاء قال: يا بن آدم، اعمل في يومك هذا خيراً أشهد لك به عند ربك يوم القيامة، فإني لم آتك في ما مضى، ولا آتيك في ما بقي، وإذا جاء الليل قال مثل ذلك»، وورد عن الإمام عليّ (ع): «على العاقل أن يحصي على نفسه مساويها في الدين والرأي والأخلاق والأدب»، ونختم بكلام الإمام الكاظم (ع): «ليس منا من لم يحاسب نفسه كلِّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيئاً استغفر الله منه وتاب إليه».
إن علينا أن نربي أنفسنا على طاعة الله، وأن تكون كل طموحاتنا رضوان الله تعالى، وأن نتحرك في الحياة على أساس أن نعرف أن الدنيا مزرعة الآخرة، فما تزرعه تحصده {يوم لا ينفع مال ولا بنون* إلا من أتى الله بقلب سليم}، {يوم يفر المرء من أخيه* وأمه وأبيه* وصاحبته وبنيه}، لنفكر في ذلك اليوم، حتى نكون عند الله {في مقعد صدق عند مليك مقتدر}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتّقوا الله وواجهوا الموقف من موقع واحد، وفي موقف واحد، ولا سيّما إذا تعرّضت مقدّساتكم للانتهاك والعدوان من قبل أعداء الله والذين يساعدونهم والذين هم في خط أعدائه، واجهوا الموقف ليعرف العالم أن المسلمين يدافعون عن مقدّساتهم التي أراد الله لهم أن يحفظوها ويرعوها وأن يمنعوا كل عدوان عليها.
ونحن في الوقت الذي تهتز الأرض من تحت أقدامنا من خلال ما يتحرك به الاستكبار العالمي وعملاؤه، والاستكبار الأمريكي وحلفاؤه، للضغط على الواقع الإسلامي كله بانتهاك كلِّ الحرمات؛ حرمة الإنسان الذي جعل الله حرمته أعظم من حرمة الكعبة، وحرمة المقدّسات: القدس، مكة، المدينة، والنجف الأشرف، وهذا ما نواجهه في هذا اليوم والنجف الأشرف ليست مجرد محافظة من محافظات العراق، ولا مجرَّد الصحن الحيدري الشريف؛ النجف أرض مقدّسة، فيها الجسد الطاهر لعليّ (ع)، وفي مقبرة وادي السلام أجساد المؤمنين من أكثر من ألف سنة، والنجف هي الحوزة العلمية التي بلغ عمرها أكثر من ألف سنة.
لذلك عندما نجد الطائرات الأمريكية والمدافع والصواريخ تقصفها بعنوان مساعدة السلطة العراقية لتطبيق القانون، نجد أنه لا بد أن يرتفع الصوت عالياً، لأننا إذا سكتنا عن انتهاك مقدّساتنا، فإنه لن يبقى هناك حرمة لأيّ مقدس، فتعالوا لنتابع الموقف في كل جوانبه السياسية والواقعية:
حرب النجف لخدمة الانتخابات الأمريكية:
العراق يغرق في نهر الدم من جديد، بالقصف الأمريكي بالطائرات المتطوّرة والمدافع والصواريخ على المدنيين من جهة، وعلى الرافضين للاحتلال المغطّى بالغطاء الرسمي العراقي من جهة أخرى، وضد أقدس أرض في العراق، وهي النجف الأشرف، التي تحتضن مرقد الإمام عليّ (ع)، ومقبرة وادي السلام التي تضمّ أجساد المؤمنين منذ أكثر من ألف سنة، والحوزة العلمية التي تجاوز عمرها الألف، كل ذلك بحجة فرض القانون!!
إننا لسنا مع الفوضى في هذه المدينة المقدّسة التي يقصدها الزوّار من المؤمنين من سائر أقطار العالم، ولسنا مع اللاقانون في العلاقات العامة والخاصة لأوضاعها، ولكن لا بد من دراسة خلفيات الأحداث التي أدّت إلى التعقيدات الصعبة الحاضرة، وإلى الاستفزازات الأمريكية لأكثر من واقع أمني مثير للجدل...
ثم، هل إن المرحلة التي يمرُّ بها العراق في الوقت الحاضر تسمح باللجوء إلى العنف من قِبَل الحكومة المؤقتة؟ وهل تملك فرض إرادتها بالقوة التي لن تكون قوة عراقية بل هي قوة دولية بقيادة أمريكية يجد فيها الشعب العراقي امتداداً للاحتلال حتى لو تغطّى بغطاء سيادي لا واقع له؟ ولماذا لم تأخذ هذه السلطة الدرس من النظام الطاغي الذي قصف النجف الأشرف واعتدى على مرقد الإمام عليّ (ع) من دون احترام لقداسته؟ وهل تريد أن تكون الفريق الآخر الذي يتولى القصف من جديد بأيدٍ أمريكية؟ وكيف مُنِحَت قوات الاحتلال الحق في قصف أيّ مكان في المدينة المقدّسة بما يؤدي امتداده إلى المرقد المقدّس بشكل مقصود أو غير مقصود؟
إنَّ المسلمين في العالم قد تحرَّكوا ضد تهديد اليهود للمسجد الأقصى، فكيف لا يثورون الآن ضد التهديد الأمريكي والعراقي الرسمي لمقام الإمام عليّ (ع)؟ إن الشعب العراقي يجد في هذه الرخصة الرسمية لقصف النجف ومقدّساتها ضغطاً أمريكياً لمواجهة التيار الرافض للاحتلال لخدمة انتخابات الرئاسة الأمريكية لمصلحة الرئيس الأمريكي الحالي... إن المسألة ليست مسألة معالجة لحالة غير قانونية بالقوة، ولكنها مسألة تهديد لكلِّ الأصوات الحرّة الاستقلالية، حتى يستسلم الشعب كله للمحتل، ويخضع الناخبون في المستقبل لإرادة التصويت للشخصيات الخاضعة له...
حرمة التعاون مع الاحتلال
إننا ندعو الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية إلى الوقوف مع النجف الأشرف ضد كل الهجوم الأمريكي على قداستها وانتهاك حرمتها، ليعرف الاحتلال أنّه لا يملك أية حرية في اجتياح المقدّسات، ولتعرف السلطة أنّها لا تملك إعطاء الرخصة للاحتلال، لأن الشعب يريدها أن تعالج الأمور بالحكمة والوسائل السلمية والحوار الموضوعي الذي يتناسب مع المصالح العامة له... كما نحذّر الجميع من ثورة إسلامية عربية تأكل الأخضر واليابس إذا امتدَّت الجريمة إلى حرمة القداسة على صعيد الأرض والناس...
إننا نريد للنجف الأشرف أن تكون مدينة السلام، وإننا ـ من موقعنا الشرعي ومسؤوليتنا الإسلامية الشرعية ـ نفتي بحرمة التعاون بأية طريقة مع كل الذين يمارسون الجريمة في انتهاك حرمات هذه المدينة المقدّسة... وندعو كل الفعاليات للتحرك من أجل إيقاف هذا النزف الدموي، لأن السكوت الحيادي هو كما فسّره ضابط أمريكي لصحيفة الـ"واشنطن بوست"، "ضوء أخضر لنا لنفعل ما يتوجّب علينا فعله"، على حدّ قوله.. ثم تعلّق الصحيفة بأن التفسير الرسمي "يثير ابتسامة القادة الميدانيين الأمريكيين"، فهل يجوز أن يبقى هذا الصمت المخزي؟!
أمريكا قائدة الشرّ والإرهاب:
أما فلسطين، فإن قوات الاحتلال تواصل توغَّلها وانتهاكها للمدن والمخيمات والأحياء الفلسطينية، وزراعة الموت والدمار في أحياء غزة والضفة، حيث تقتل الأطفال والمسنّين في كل يوم من دون أن يثير ذلك حفيظة الناطق باسم وزارة الخارجية الأمريكية الذي سارع إلى إدانة عملية التفجير التي استهدفت جنود الاحتلال في القدس، قائلاً: "إن هذا يؤكد مجدداً الحاجة لأن تتخذ القيادة الفلسطينية خطوات فورية وجديرة بالثقة لإنهاء الإرهاب والعنف"، على حدّ قولـه.. ومعنى ذلك أن الحاجة ليست ماسة عند واشنطن لدعوة إسرائيل إلى وقف مجازرها وإرهابها وحركة العنف في ممارساتها الوحشية، لأن ما يجوز لإسرائيل من العنف لتأكيد احتلالها لا يجوز ـ عند أمريكا ـ للفلسطينيين في الدفاع عن أرضهم... إنها أمريكا قائدة الشر والإرهاب في العالم.
لإيران الحق في امتلاك السلاح النووي:
ومن جانب آخر، فإن أمريكا لا تزال تمارس الحملة على إيران لمنعها من تطوير برنامجها النووي للأغراض السلمية، ويشترك في هذه الحملة أكثر من طرف دولي يزعم أنه يقدّم النصيحة لإيران لتتخلّى عن برنامجها... ولكنهم ـ في الوقت نفسه ـ لا يتحدثون عن الأسلحة الإسرائيلية النووية المتطورة، بل يرونها ضرورة لحماية نفسها من العدوان، حسب تعبيرهم...
إن المسألة هي أن هذا المجتمع الدولي المتحالف مع أمريكا بضغط أو بغير ضغط لا يريد لإيران ولا لأية دولة إسلامية، أن تملك الخبرة النووية حتى لو كانت لأغراض سلمية، وحتى لو وقَّعت على وثيقة خطر السلاح النووي. إننا نرفض ذلك كله، ونعتقد أن لإيران وللدول الإسلامية والعربية أن تملك الخبرة النووية حتى على مستوى السلاح، ليكون رادعاً لأيِّ عدوان تهدِّد به أمريكا وإسرائيل وحلفاؤهما، لأننا في عالم لا يحترم إلا الأقوياء، وعلينا أن نكتسب القوة بكل ضروراتها حتى العسكرية منها... وإذا كانت إسرائيل ـ بدعم أمريكي ـ لا تحترم قرارات المجتمع الدولي، فلماذا نبقى خاضعين له بالمطلق حتى لو كان ذلك ضد مصالحنا الحيوية وقضايانا المصيرية؟
وإذا كانت إسرائيل وأمريكا تحاولان تصعيد هجومهما السياسي والأمني والاقتصادي على سوريا، فإن من حق سوريا أن تملك الكثير من الأوراق التي تستطيع من خلالها أن تربك حركة الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، والاحتلال الأمريكي في المنطقة، ومعها كل الشعوب العربية والإسلامية.
لبنان: استهلاك للتجارب الفاشلة:
أما في لبنان، فإن الشعب يتساءل من خلال أكثر من تجربة نيابية في جلسات الثقة، أو استهلاك المشاريع بطريقة ارتجالية، أو الخضوع لأكثر من ضغط: هل إن ذلك كله يمكن أن يكون ضمانة لاستحقاق مستقبلي يحقق للناس الإصلاح السياسي والإداري والقضائي، أم أننا نبقى في داخل الدوّامة، أو نتحرك في الحلقة المفرغة التي لا يُدرى أين طرفاها؟ وهل نظلُّ في عملية استهلاك للتجارب الفاشلة أمام غيبوبة سياسية لتجربة ناجحة؟ |