ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
الخاسرون يوم القيامة
من بين العناوين التي أكدها الله تعالى في القرآن الكريم في أكثر من آية، وحذّر فيها الناس جميعاً، عنوان الخسران، أن يخسر الإنسان نفسه وأهله يوم القيامة، بحيث يقف في ذلك اليوم بين يدي الله تعالى، فلا يجد له موقعاً في مواقع رحمته، كما يرى أن أهله بعيدون عنه، لأنهم كانوا بعيدين عن الله فلم يتقرّبوا إليه بأعمالهم، ولم يقم هو بمسؤوليته في تقريبهم منه سبحانه.
وقد تحدث الله عن ذلك في أكثر من آية، ففي بعض الآيات يقول تعالى: {قل لمن ما في السموات والأرض ـ من هو الذي يملك السموات والأرض وما فيهما وما بينهما ـ قل لله ـ فالله هو خالق الكون كله، وهو من خلال خلقه مالك الكون كله، وهذا الرّب العظيم القوي القادر القاهر كتب على نفسه الرحمة، فرحمته وسعت غضبه، وقد فتح أبواب الرحمة للناس كافة، ولكن الكثيرين منهم أغلقوا على أنفسهم أبواب رحمته، فابتعدوا عنه وتعرّضوا لغضبه عندما تمردوا على السير في الخط المستقيم الذي أراد لهم أن يسلكوه ـ كتب على نفسه الرحمة ليجمعنّكم إلى يوم القيامة ـ يوم يقوم الناس لرب العالمين ـ لا ريب فيه ـ فمسألة يوم القيامة هو الحقيقة التي لا شك فيها ـ الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون}، هؤلاء الذين فقدوا الإيمان بالله انقطعت الصلة بينهم وبينه، وبذلك انقطعت عنهم الحبال التي تشدّهم إلى رحمته تعالى.
وفي آية أخرى يقول تعالى: {ومن خفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم ـ عندما وضع الله ميزان الأعمال يوم القيامة، ثقلت موازين أناس لأنهم قدّموا الأعمال التي تثقل كفة الميزان عندهم، وخفّت موازين الذين لم يقدّموا أعمالاً تمتلئ بها كفة الميزان، فخسروا أنفسهم، لأن الإنسان يربح نفسه بما يقدّم من عمل يثقل ميزانه يوم توزن الأعمال ـ بما كانوا بآياتنا يظلمون}، فقد كانوا يسخرون بآيات الله ويبتعدون عنها ولا يأخذون بمعانيها ولا يتحمّلون مسؤولية ما فيها مما كلّف الله به الناس.
وفي آية أخرى، يخاطب النبي (ص) فيها الناس بما علّمه الله أن يخاطب الذين كفروا وأشركوا وانحرفوا: {فاعبدوا ما شئتم من دونه ـ اعبدوا أصنام الحجر والبشر ـ قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين} [الزمر:15]، فأنت تكون في الدنيا ومعك نفسك تزهو بها وتتقدّم بها إلى الناس كقوة تملك ما يُعجب الناس وما يذهلهم، ومعك أهلك تزهو بهم لأنهم يملكون الكثير من الخصائص التي تجعل الإنسان يزهو بأهله، ولكنك في يوم القيامة تجد نفسك خاسراً، لأنك لم تستعد لهذا اليوم، وتجد نفسك خاسراً لأهلك لأنك لم تستجب لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة}.
محاسبة النفس
ونجد أن الإمام عليّ (ع) يحدِّد وسيلة الربح والخسران للنفس، فيقول: "من حاسب نفسه ربح ـ بحيث يجلس الإنسان مع نفسه في كل صباح ومساء ليدرس معها كل نشاطه اليومي؛ في الكلمات التي تكلَّمها هل هي خير أم شر؟ في الطعام الذي أكله، أو في الشراب الذي شربه هل هو حلال أم حرام؟ أو في الشهوات التي أخذ بها، هل هي ما أباحه الله أو حرّمه؟ هل أكل أموال الناس بالباطل؟ هل ظلم الناس بغير الحق، وما إلى ذلك مما يتحمّل مسؤوليته ـ ومن غفل عنها خسر"، من أهمل نفسه وعاش في أجواء الغفلة، فلم يدرس سلبياتها وإيجابياتها ونقاط ضعفها ونقاط قوتها، فإنه كمن غفل عن فحص نفسه في الأمراض التي يمكن أن تنفذ إلى جسده أو عقله، بحيث ينمو المرض ويكبر ويصل إلى درجة لا يستطيع الإنسان معها أن يجد له دواءً أو شفاءً.
وكان عليّ(ع) في رسائله إلى معاوية ـ لأن الإمام(ع) لم يبادر معاوية بالحرب عندما تمرد عليه، بل حاول أن يعظه وينصحه ويرشده ـ يقول: "فنفسك نفسك، فقد بيّن الله لك سبيلك ـ حاول أن تهذب نفسك وتربيها وتقوّمها، فالله بيّن لك الطريق الذي تسير فيه ـ وحيث تناهت بك أمورك، فقد أجريت إلى غاية خسر ومحلّة كفر". وفي كلمة لعليّ(ع) أيضاً يقول: "من قصّر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله ـ لأنه قصّر ولم يأخذ الفرصة في ما كلفه الله من العمل ـ وضرّه أجله"، لأن الأجل يختم حياته من دون أن يربح منها شيئاً.
الإسلام جامع حقائق الإيمان
وفي آية أخرى يقول تعالى: {ومن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}. والإسلام هو أن تسلم كل عقلك وقلبك وحياتك لله تعالى، بحيث لا تتحرك في أيّ موقع إلا إذا عرفت أن الله يرضاه. ولعل أبلغ آية كريمة حددت حركية الإسلام عندما يكون الإنسان مسلماً: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين}، فالصلاة لله، والحياة لله، والموت في طريق الله، أن يكون كل شيء فيك لله. والإسلام هو هذا الخط الذي أخذ به الأنبياء، فالإسلام في زمن إبراهيم، هو دين إبراهيم(ع) فكل من اتبعه كان مسلماً، والإسلام في زمن موسى (ع) كان في دين موسى ومن اتبعه كان مسلماً، والإسلام في زمن عيسى كان في دين عيسى ومن اتبعه في تلك المرحلة كان مسلماً، والإسلام في زمن محمد (ص) كان بالسير على خطه، وقيمة الإسلام المحمدي أنه يجمع في داخله الإيمان بكل الأنبياء: {لا نفرّق بين أحد من رسله}، والإسلام يجمع كل الرسالات، فنحن نقرأ في القرآن الكريم عن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى، ونقرأ عن التوراة والإنجيل والقرآن.
لذلك، قيمة إسلامنا هو أنه يجمع حقائق الأديان كلها، وأنتم تلاحظون أن المسلم في عمق إيمانه ـ لا من جهة المجاملة ـ لا يستطيع أن يتجرأ على أيّ نبيّ، قد يتجرأ يهودي على النبي محمد، فهل نستطيع أن نتجرأ على موسى؟ لو أن شخصاً غير مسلم تجرأ على السيدة الزهراء (ع) أو السيد خديجة(ع)، فهل نستطيع أن نتجرأ على السيدة مريم مثلاً؟ طبعاً لا، لأن كل هؤلاء هم من مقدّساتنا. وهذه ميزة الإسلام، أنه يعترف بما سبق من كتب ورسل، بينما الآخرون لا يعترفون بالقرآن ولا بالنبي (ص). ويتساءل البعض عن رأي فتاوى الكثير من العلماء ـ ونحن منهم ـ أن المسلم يجوز له أن يتزوّج من نصرانية أو يهودية حتى لو بقيت على دينها، لكن المسلمة لا يجوز لها أن تتزوّج غير المسلم، لأن المسلم لا يستطيع أن يسيء إلى دين النصرانية أو اليهودية، لأن النبي عيسى (ع) وموسى (ع) هما جزء من مقدّساته، بينما غير المسلم لا يرى الإسلام ديناً والقرآن وحياً، فقد يتجرأ على مقدّسات المسلمة.
الشقاء الأعظم
وفي الحديث عن رسول الله (ص) يقول: "الخاسر من غفل عن إصلاح المعاد"، من لا يعمل لتعمير آخرته وينشغل عنها بأموره الدنيوية، لأن ديننا إذا تخلل لا بد أن نصلحه، وفي رواية عنه (ص): "المنفق عمره في طلب الدنيا خاسر الصفقة عادم التوفيق".. فعلى الإنسان أن يقوّي إيمانه، لأن الإنسان الضعيف إذا جاءته الهزات والشدائد فإنها تسقطه: {ومن الناس من يعبد الله على حرف ـ على الحافة أو من دون ثقافة ومعرفة ـ فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة ـ ابتلي ببلاء ومشكلة ـ انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة}.
وعن الإمام عليّ (ع)، وقد سئل عن أعظم الشقاء، قال: "رجل ترك الدنيا للدنيا، ففاتته الدنيا وخسر الآخرة، ورجل تعبّد واجتهد وصام رياء الناس، فذاك حُرم لذات الدنيا ولحقه التعب الذي لو كان به مخلصاً لاستحقّ ثوابه". وفي كلمة له(ع) ـ هذا الإمام الذي ارتفع إلى أعلى مستوى في البشرية، ولذلك فالانتساب إلى عليّ (ع) يكلّف كثيراً ولكنه يربح كثيراً، لأنه (ع) كان مع الله، وكان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، وكان قد باع نفسه لله. ولذلك كي نكون في خط علي(ع)، علينا أن نبيع نفوسنا لله، وأن نكون مع علي في العقل والقلب والحياة ـ يقول(ع): "معاشر الناس، اتقوا الله، فكم من مؤمّل ما لا يبلغه، وبانٍ ما لا يسكنه، وجامع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، ومن حق منعه، أصابه حراماً، واحتمل به آثاماً، فباء بوزره، وقدم على ربه آسفاً لاهفاً، قد خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين".
والإمام (ع) يحبّ للحاكم أن يعيش مع الناس لكي يعيشوا معه ببساطة ومن دون تكلّف. وفي رواية أنه لقي أمير المؤمنين (ع) عند مسيره إلى الشام دهاقيل الأنبار ـ عظماء تلك المنطقة ـ فترجلوا له، واشتدوا بين يديه، قال(ع): "ما هذا الذي صنعتموه"؟ قالوا: خُلُق منا نعظّم به أمراءنا، قال (ع): "والله ما ينتفع بهذا أمراؤكم، وإنكم لتشقون على أنفسكم في دنياكم، وتشقَون به في آخرتكم، وما أخسر المشقة وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار".
إن الله تعالى يريد لنا أن نبحث كيف نجمع الدنيا والآخرة، كيف نؤكد ربحنا في سبيل الله ونبتعد عن خسارتنا، وقد ورد عن عليّ (ع): "أخسر الناس من قدر على أن يقول الحق ولم يقل"، ويختم عليّ (ع) كلامه: "أخسركم أظلمكم". إن على كل واحد منا أن يفكر كيف يقف غداً بين يدي الله عندما يحاسبه الله على كل عمل عمله أو قول قاله أو علاقة ركّزها، {يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها}.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. {اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}، وواجهوا الموقف من خلال ما حمّلكم الله مسؤوليته ضد الكافرين والظالمين والمستكبرين، الذين عاثوا في الأرض فساداً واضطهدوا العباد والبلاد، لأن تلك هي مسؤوليتنا أمام الله، فماذا هناك؟
فلسطين داخل الدوّامة
لا تزال فلسطين تتحرك في داخل الدوّامة من خلال المحتل الإسرائيلي، ومن خلال الأزمة الداخلية في نطاق حركة التناقضات في دائرة السلطة، تحت تأثير عناوين الفساد الأمني والإداري والسياسي، الذي أثارته مسألة مشروع الانسحاب من غزة، بالإضافة إلى المؤثّرات الإقليمية في إثارة الدور المصري والأردني الذي يُراد له تصفية الكيان الفلسطيني كمشروع إسرائيلي تختفي خلفه أمريكا في نطاق التجربة الإعلامية السياسية، أو المؤثّرات الدولية في إشارات ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وحديثه عن "انتشار الفوضى الذي قد يؤدي إلى انهيار السلطة الفلسطينية"..
إنها اللعبة الدولية الإقليمية في مستقبل القضية الفلسطينية المدعومة بعناصر داخلية تلعب لعبة التجاذبات المتنوّعة في مراكز القوى التي لا تزال تمارس حركة الإخلال بالتوازن، الأمر الذي يمنح العدوّ الفرصة للإحاطة بمقدّرات الواقع كله لخلق مناخ جديد يعطّل مفاعيل القرار التاريخي لمحكمة العدل الدولية بشأن الجدار ومتعلقاته من الاحتلال والاستيطان، ليكون ملهاة سياسية جديدة للجدل حول المفردات الجزئية الداخلية.
لبنان: ملاحقة العملاء
ومن جانب آخر، فإن إسرائيل نفذت إلى الواقع الداخلي اللبناني، في العملية الأمنية التي اغتالت فيها أحد المجاهدين الذي كان من العناصر المتقدّمة في دعم الانتفاضة في داخل فلسطين، تأكيداً للوحدة الجهادية بين المقاومة في لبنان وفلسطين، وذلك بفعل بعض عملاء العدو في لبنان الذين خانوا بلدهم في الماضي ويخونونه في الحاضر، ما جعلهم موضع احتقار لدى الناس ـ حتى في الكيان الصهيوني ـ بفعل هذه الخيانة.. وربما كان وراء هؤلاء العملاء الصغار بعض العملاء الكبار الذين كانوا ـ ولا يزالون ـ يدعمون إسرائيل سياسياً ضد أيّ علاقة عربية للبنان بمحيطه العربي، بالإضافة إلى ارتباطهم بالسياسة الأمريكية على أساس تحالفهم الاستراتيجي مع العدو في هذا الاتجاه..
إننا أمام هذا الغدر الصهيوني، نريد للبنانيين أن يلاحقوا هؤلاء العملاء الصغار والكبار، لأنهم يمثلون الخطر على البلد كله، وليكن كل مواطن خفيراً أمنياً وسياسياً في اكتشاف هؤلاء.. كما أننا نؤكد القيمة النوعية التي تمثلها المقاومة في الرد السريع على العدو الذي قام بغارات وهمية صوتية حفاظاً على ماء وجهه، ولكنه ـ من خلال قادته السياسيين والعسكريين ـ يعرف أن أيّ تجاوز للموقف سوف يكلّفه كثيراً في مستوطناته السياحية إذا حاول تخريب السياحة في لبنان، بفعل توازن الرعب الذي يفهمه جيداً..
إننا نريد التأكيد للعالم العربي كله أن لبنان وحده هو الذي يقف مع فلسطين لينفّذ قرارات الجامعة العربية في الدفاع المشترك، بفعل المقاومة ودعم الجيش اللبناني.. ولكن مشكلتنا هي أن إسرائيل تستعرض عضلاتها ضد عالمنا العربي والإسلامي بفعل الدعم الأمريكي المطلق في السياسة والاقتصاد والأمن والسلاح المتطوّر، في مقابل العجز المدمِّر في الواقع العربي والإسلامي الذي هرب من خطة المواجهة إلى خارج المعركة، وبفعل العملاء الذين وظّفهم العدو لملاحقة المجاهدين في فلسطين ولبنان والعراق بالتعاون مع المخابرات المركزية الأمريكية. ولذلك، فإن شعوبنا لا بد أن تتحمّل المسؤولية لاكتشاف هؤلاء وملاحقتهم ومحاصرتهم والقبض عليهم، لأنهم هم الأساس في قوة الاحتلال وفي كل المجازر الوحشية التي يقوم بها ضد الأبرياء من المدنيين والمجاهدين في الساحة الوطنية.
أمريكا: خضوع للقرار الإسرائيلي
وفي جانب آخر، فإن قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بالتصديق على قرار محكمة العدل الدولية حول عدم شرعية الجدار العنصري والاحتلال الصهيوني بكل مفاعيله، يمثّل استجابة طبيعية لواقع الأمور في الالتزام بالقانون الدولي.. وإذا كان هذا القرار لا يملك واقعية تنفيذية، فإن له أكثر من دلالة في العزلة السياسية لإسرائيل لتمرّدها على الشرعية الدولية وعدم التزامها بالقانون الدولي، كما هي العزلة السياسية للسياسة الأمريكية، ولا سيما مع تصويت الاتحاد الأوروبي الإجماعي لمصلحة القرار..
وإذا كان المندوب الأمريكي يتحدث عن التأثير السلبي للقرار على الحل السلمي لفلسطين، فإننا نلاحظ أن أمريكا هي التي شجّعت إسرائيل على تدمير هذا الحل بواسطة مستوطناتها وجدارها واحتلالها ومجازرها، وهي التي اعتبرت ذلك كله دفاعاً عن النفس، بينما اعتبرت دفاع الفلسطينيين عن استقلالهم ضد الاحتلال إرهاباً.. إن أمريكا التي اعتبرت ـ على لسان "بوش" ـ أن بناء الجدار "يعطّل الدولة الفلسطينية"، عادت وخضعت للقرار الإسرائيلي ودافعت عنه، لأنها ـ في إدارتها الحالية ـ لا تملك أمرها أمام إسرائيل.
العراق: تدارس الموقف لصناعة المستقبل
أما العراق، فلا يزال في داخل الدوّامة الدموية في السيارات المتفجّرة، والاغتيالات المتنوّعة، والخطف غير الإنساني، وفي الغارات الأمريكية على المواقع المدنية، من دون أيّ حلّ، حتى إن الشرطة العراقية والدفاع المدني لم يسلما من ذلك كله..
إننا نتألّم لهذا الواقع الذي يعانيه الشعب العراقي الجريح، هذا الواقع الذي يمثل الامتداد الدموي المأساوي للمرحلة السابقة بطريقة وأخرى، ونريد للفعاليات الوطنية والإسلامية المخلصة أن تتدارس الموقف في نطاق صناعة المستقبل للإعداد للصوت الشعبي الذي يقرر فيه الشعب مصيره على ضوء التزاماته وقناعاته، من أجل استقلاله الناجز وحريته الصافية والوحدة الوطنية القوية.
أين الأعفّاء الصادقون؟!
أما لبنان، فإن التحديات لا تزال تحيط به من الداخل والخارج، ولا تزال الكلمات الضبابية في أكثر التصريحات السياسية تطغى على الواقع.. والأسئلة التي تفرض نفسها على جميع الذين يتحدثون عن المشاكل الاقتصادية التي يعيشها البلد، وعن الفساد الإداري والسياسي، والهدر المالي، والفلتان الوظيفي، وعن الذين يُراد لهم أن يحملوا خشبة الإنقاذ أو يقدّموا أنفسهم لتحقيق ذلك: ما هي الآليات المطلوبة لحل المشاكل؟ وما هي العصا السحرية التي يمكن أن تحقق ما يريده الشعب؟ وكيف يمكن لنا أن نتخلّص من غول المديونية ومن ذئبية الضرائب؟ وما هي الخطة الإصلاحية للواقع السياسي والإداري؟ لماذا نتراشق بالاتهامات على صعيد المعارضة والموالاة؟ ولماذا نتحدث عن الوفاق الوطني من دون تقديم مشروع تفصيلي له؟ ومن هم الذين إذا حصلوا على المواقع المتقدّمة حققوا الوفاق؟ ومن هم أبناء الست في هذه الطائفة أو تلك لأنهم يمثلونها، ومن هم أبناء الجارية فيها لأنهم لا يمثلونها، ومن هم عملاء هذه الدولة الإقليمية أو تلك؟؟
لقد كثرت المحاضرات عن العفة والصدق والأمانة، ولكن أين هم الأعفّاء الصادقون الأمناء؟ إننا لا نريد اتهام الآخرين، ولكننا نقول: إن الواقع اللبناني يصرخ بقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون* كَبُر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}. |