ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :
يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين}، {إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}، {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فلسوف نؤتيه أجراً عظيماً}.
الاختلاف عامل غنى
في هذه الآيات الكريمة، يؤكد القرآن الكريم في وحي الله للناس مسألة الإصلاح بين الناس، فهم ـ بحسب تنوّعاتهم في أفكارهم ـ يختلفون، فهناك من يتبنى فكراً معيناً ليقابله شخص آخر يتبنى فكراً مختلفاً، وهم يختلفون في مصالحهم، فهناك من ينطلق في حياته على أساس مصلحة معينة ليقابله شخص يتحرك على أساس مصلحة أخرى، وهكذا في الانتماءات الدينية والمذهبية والحزبية والسياسية، وفي الانتماءات العائلية والعرقية والإقليمية والقومية، وما إلى ذلك، بالإضافة إلى الجوانب الشخصية التي ينتمي فيها كل إنسان إلى ذاته، لتكون ذاته هي البوصلة التي تحدد له مسار الطريق.
إن الله تعالى خلق الناس على طريقةٍ تتنوّعُ فيها كلُّ هذه العوامل: {ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين}، والاختلاف بين الناس ليس من الضرورة أن يكون مشكلةً أو فقراً لهم، بل قد يكون عامل غنى لهم، لأن المجتمع إذا اختلفت فيه طرائق التفكير وتنوّعت، فإنه يعطي الإنسانية تنوّعاً في المعرفة، ليكون ذلك سبيلاً للبحث والحوار، لأن هذا عندما ينتج فكراً على أساس ما يملك من معطيات فإن الآخر قد ينتج فكراً آخر، وعند ذلك يتحاوران، ليقرأ هذا فكر ذاك وبالعكس، وربما يصلان إلى فكر ثالث أو إلى الوحدة بينهما.
الدعوة إلى الشورى
ولذلك رأينا أن القرآن الكريم ركّز الطابع الثقافي والسياسي والأمني في المجتمع الإسلامي على أساس الشورى: {وأمرهم شورى بينهم}، والشورى تعني أن يلتقي أهل الرأي والخبرة والمعرفة ليقدّم كل واحد منهم منهجه وخبرته ومعرفته، وليبحث المجتمعون في هذه الأفكار المتنوّعة ويتناقشوا فيها ويتحاوروا ليخرجوا بالفكرة الأصلح والأصوب، بعد أن يكونوا قد أخذوا بثقافة هذا التنوّع الفكري، وقد ورد في بعض الأحاديث: "من شاور الرجال شاركها في عقولها"، فأنت عندما لا تنفتح على عقول الآخرين فإنك تزداد جهلاً، لأنك عندما تفكر وحدك فإن هذا التفكير ينطلق من خلال خصوصياتك الذاتية التي قد تكون محدودة أو موروثة، بينما عندما تلتقي مع فكر آخر، فإن الأفكار تتلاقح وتتعمّق.
فالله تعالى أراد لكل القيادات، في أيّ موقع من مواقع القيادة، أن تشاور أتباعها والناس الذين يعملون معها أو يتّبعونها، وقد أعطانا الله تعالى المثل الأعلى في النبي محمد (ص) عندما قال له: {وشاورهم في الأمر}، شاور أصحابك في أي قضية تنطلق في المجتمع، استمع إلى كل الآراء حولها، والنبي(ص) بما ألهمه الله تعالى وفتح قلبه على الحقيقة وعقله النوراني على الحق، لا يحتاج إلى مشورة أحد: {وما ينطق عن الهوى* إن هو إلا وحي يوحى}، ولكنه أراد أن يجعله نموذجاً لكل القيادات الآتية من بعده، وكأنه أراد أن يقول لهذه القيادات: هذا نبيّ الله الذي اصطفاه الله لوحيّه، وأراد له أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور، هذا نبي الله يستشير وهو الذي يمثل العقل الأكبر، فكيف أنتم الذين تتكبّرون عن أن تستشيروا أحداًَ؟
الاختلاف سنّة الحياة
وكذلك نلاحظ عندما ندرس سيرة الإمام عليّ (ع) وسيرة الأئمة (ع) من بعده، أنهم كانوا يطلبون المشورة من الناس. ولذلك نحن نقول: إن على الإنسان أن لا يتجمّد على رأي واحد، فهذه الاتباعية الموجودة في الشرق، باتّباع الإنسان آباءه وأجداده أو عائلته أو حزبه أو حركته أو جماعته، تشكّل حالة جمود، وقد ابتُلينا بالجمود الديني والسياسي والاجتماعي لأننا اتّباعيون، ولأننا لا نحترم الرأي الآخر والفكر الآخر.
فالاختلاف هو سنّة الحياة وسنّة الله في الإنسان، ولكن هناك نقطة فاصلة بين عقلية التخلّف وعقلية الوعي والانفتاح، عقلية التخلّف هي أن نحوّل الاختلاف إلى عداوة، سواء كان اختلافاً في الفكر أو في الانتماء السياسي أو الديني، وعقليّة الوعي هي أنه يمكن أن نختلف فيما بيننا ولكن نبقى نحترم بعضنا بعضاً في اختلافنا، فإذا كنت أسمح لنفسي بأن أختلف معك فلماذا لا أسمح لك بأن تختلف معي؟ لماذا تسبّ وتشتم وتعادي الذي يختلف معك؟
هذا يدلُّ أولاً على أنانية مرضية، ويدل ثانياً على نوع من أنواع الجهل واللاإنسانية، لأن ليس هناك أحد في الدنيا يستطيع أن يقول أنا الحقيقة المطلقة، أنا الحق وغيري الباطل، أنت تدرك الحقيقة من خلال وجهة نظرك ومن خلال تعلّمك في المدرسة أو الحوزة ووصلت إلى هذه النتيجة، فإدراكك للأشياء انطلق من خلال ثقافتك وبيئتك ولم يشكلها الله تعالى لك، فعليك أن تقبل الآخر، وليس معنى أن تقبل الآخر أن تتنازل عمّا عندك، بل أن تحاوره، وهذا ما أكّده القرآن الكريم: {ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، فالله تعالى لا يريد لنا أن نعتبر الاختلاف أساساً للحقد والتنازع والحرب، فطرح مسألة الإصلاح بين الناس..
الإصلاح بين المؤمنين
لذلك، علينا أن نعمل على الإصلاح بين المؤمنين، وبين كل الناس في الدائرة العامة، ولا سيما في الدوائر المتنوّعة التي تختلف انتماءاتها السياسية والدينية والعائلية، وقد وعدنا الله بجائزة على هذا السعي للإصلاح، وهي الأجر العظيم، وقد ورد في الحديث عن النبي (ص): "ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ـ المستحب منهم ـ إصلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة"، والحالقة هي حالقة الدين لا حالقة الشعر، فالعصبيات والاختلافات تحلق للإنسان والمجتمع دينه ولا تبقي منه شيئاً. وقد شهدنا هذه المشاكل التي مرّت علينا داخل الطائفة الواحدة والمذهب الواحد والوطن الواحد، بالإضافة إلى العصبيات التي نشهدها هذه الأيام في القرى والمدن، فهذا النوع من المساعي التي تثير العصبيات تحلق للمؤمنين دينهم، وعندما يُحلق للإنسان دينه وينزل إلى قبره وهو محلوق الدين، فما الذي ينجيه؟
وعن النبي (ص) يخاطب أحد أصحابه: "يا أبا أيوب، ألا أخبرك وأدلّك على صدقة يحبّها الله ورسوله؟ تصلح بين الناس إذا تفاسدوا أو تباعدوا"، وفي كلمة للإمام عليّ (ع) وهو يوجّه نداءه إلى الناس: "ثابروا على صلاح المؤمنين والمتقين"، وفي كلمة مروية عنه(ع): "من كمال السعادة السعي في صلاح الجمهور"، وقد كان من آخر وصاياه لولديه الحسن والحسين (عليهما السلام) ومن بلغه كتابه يقول: "وعليكم بإصلاح ذات البين، فإني سمعت جدكما رسول الله يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام".
بعض الناس عندما تدعوهم إلى الدخول في الإصلاح والتوافق يقول لك: لقد حلفت يميناً أن لا أدخل في صلح لأني دخلت في إصلاح ووقعت في مشكلة، ما الذي يقولـه الله تعالى لهؤلاء الناس: {ولا تجعلوا الله عرضةً لأيمانكم أن تبرّوا وتتقوا وتصلحوا بين الناس}، ويفسّر الإمام الصادق(ع) هذه الآية يقول: "إذا دعيت إلى صلح فلا تقل عليّ يمين أن لا أفعل"، يمينك هذا لا قيمة له، لأن قيمة اليمين إذا كان راجحاً وفيه صلاح، أما هذا اليمين بعدم الدخول في الصلح فالكفّارة فيه أن لا تعمل به.
هذا برنامج إسلامي لا بد للمؤمنين أن ينطلقوا من أجل تأكيده في حياتهم، من أجل أن يعيش المؤمنون السلام فيما بينهم، في داخل الأسرة أو العشيرة أو القرية أو الوطن كله، لا سيما في هذه الظروف التي يفقد فيها الناس ما يأكلون ويلبسون ويتعلّمون، فلا تضيفوا إلى جوعكم وعطشكم وعريكم جوعكم إلى السلام، لأن الله تعالى هو السلام ويحبّ الذين يحبون السلام، والجنة هي دار السلام، فمن عاش للحقد والعداوة والبغضاء والعصبية التي تؤدي إلى الحرب بين الناس، سواء كانت الحرب سياسية أو أمنية أو عسكرية، فلن يدخل دار السلام، لأنك عندما تقرع باب الجنة فإن أول ما يُقال لك: {ادخلوها بسلام آمنين}..
لذلك، لنتدرّب على حياة الجنة: {ونزعنا ما في صدورهم من غلٍّ إخواناً على سرر متقابلين} {وتحيّتهم فيها سلام}، سلام العقل وسلام القلب وسلام الحياة، فهل نتحرك ـ والعداوة والبغضاء تحيط بنا على مستوى العالم كله ـ من أجل المحبة والسلام؟ الطريق مفتوح إلى الجنة، وعلينا أن لا نغلقه على أنفسنا.
الخطبة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم
عباد الله.. اتقوا الله وانفتحوا على الصلح بين المؤمنين، لا سيما في هذه المرحلة التي يحاول فيها الاستكبار العالمي أن يعمل على إثارة الفتنة بين المسلمين، مستغلاً الكثير من السلبيات التي يعيشونها في مذهبياتهم وسياساتهم وعرقياتهم وما إلى ذلك: {إن الله يحبّ الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بنيان مرصوص}، إن الله يريدنا أن نعيش وحدة الأمة في مواجهة التحديات، وأن نرد نزاعاتنا وخلافاتنا إلى الله والرسول، فلا نتخاطب بالحقد والعدوان والعصبية، لأن العصبية في النار. أحضروا عقولكم وإيمانكم ومسؤولياتكم في كل ساحاتكم، فإن الله سوف يسألنا عن ذلك كله؛ عن عقولنا كيف حركناها في طريق الحق، وعن قلوبنا كيف حركناها في طريق المحبة..
إنكم جالسون الآن في هذا الموقف بين يدي الله، فاذكروا الآن وأنتم تستعدون لصلاتكم ووقوفكم بين يدي الله غداً، {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله}، يوم ينطلق النداء: {وقفوهم إنهم مسؤولون}، تذكّروا وأنتم في كل موقع صلاة موقفكم غداً بين يدي الله، الموقف هو الموقف نفسه، وعندما ينفتح الإنسان على مواعظ الله ورسوله وأهل بيته، فإنّ وقوفه بين يدي الله يمكن أن يكون وقوفاً ينتهي به إلى الجنة. اعملوا للجنة التي ينطلق إليها المتقون والمسؤولون. ولذلك علينا أن ننفتح على ما يدبّره أعداء الله لنا وما يتحرَّكون به في كل واقعنا السياسي والأمني والاقتصادي، فماذا في جديد الرئيس الأمريكي "بوش" في مشروع الشرق الأوسط الأمريكي ـ الإسرائيلي؟
الانسحاب من غزّة خطة خادعة
أولاً: إنه ينتقد الأسرة الدولية لأنها لا تدين بالشكر لـ"شارون" على وعده بالانسحاب من غزة، باعتبار ذلك نصراً للسلام.. ولكن المسألة هي أن "شارون" عاد من واشنطن ليهاجم أكثر من موقع في غزة، وليقتل في كل يوم المدنيين ـ بما في ذلك الأطفال ـ ويهدم أكثر من منزل، ويشرّد أكثر من عائلة، ويجرف أكثر من مزرعة، ويغتال الدكتور الرنتيسي ويهدد كل القيادات المجاهدة في فلسطين بالاغتيال، وليُعلن أنه سوف يحاصر المجال الجوي والمائي والبري في غزة، ليطوّقها بجيشه في خارجها، ويعود إليها بعد الانسحاب منها إذا دعت الضرورة.. والسؤال: هل يريد الرئيس "بوش" للعالم أن يشكره على هذه الخطة الخادعة؟؟
ثم، إذا كان يتحدث عن خارطة الطريق التي تفسح المجال للدولة الفلسطينية المستقلة، فلماذا لا يطلب منه ـ باسم القانون الدولي ـ الانسحاب من الضفة الغربية، بما في ذلك المستوطنات والقدس، وهدم الجدار العنصري، وحماية الشعب الفلسطيني من أسلحته الأمريكية المتطوّرة، أم أن الرئيس الأمريكي يريد أن يضحك على الأسرة الدولية؟!
حماس حركة تحرر
ثانياً: إن إدانة العالم لاغتيال القيادات السياسية لحركة حماس، كالشيخ أحمد ياسين والدكتور الرنتيسي، مقارنة بترحيب أمريكا بذلك ودعوتها العدو إلى إبادة "حماس"، يدل على عزلة أمريكا السياسية، ومعها إسرائيل.. كما أننا نريد للرئيس الأمريكي أن يتابع تقارير مخابراته أو برامج الفضائيات، ليجد أن الشعب الفلسطيني بأجمعه ـ ومعه الشعوب العربية والإسلامية ـ وقف مع حركة حماس في استنكار هذه المجزرة الوحشية، ما يدل على أن "حماس" أصبحت ـ مع بقية فصائل الانتفاضة ـ تختصر الشعب كله، الأمر الذي يعني أنها ليست منظمة إرهابية بل حركة تحرر، وأن إبادتها تعني إبادة الشعب كله، فهل يريد الرئيس الأمريكي من إسرائيل القيام بتصفية هذا الشعب؟ ولا ندري ما هو مفهومه للأسرة الدولية والقانون الدولي، أم أنه يستغل قوته العسكرية الهائلة للضحك على الناس؟!
إسرائيل خطر على المنطقة
ثالثاً: إنه يتحدث عن أن تحوّل إيران إلى قوة نووية "يشكّل تهديداً لا يطاق"، ويطلب من الأمم المتحدة ومن الأسرة الدولية "الوقوف في مواجهتها"، في الوقت الذي يتحدث الخبير النووي الإسرائيلي "فعنونو" ويطالب العالم بإيقاف البرنامج النووي الإسرائيلي وبتدخّل وكالة الطاقة النووية، لأن هذه الدولة أصبحت ـ حسب بعض التقارير ـ ثالث دولة نووية في العالم.. ومن المضحك المبكي أن أمريكا وبعض الدول الأوروبية يتحدثون عن أن العرب "يهددون وجود إسرائيل"، كما قال وزير خارجية بريطانيا، وأنهم "يريدون رميها في البحر بما يضطرها لتنظيم أمورها وفقاً لذلك"، على حدّ قول وزير الحرب الأمريكي!!
إن الجميع يعرف أن العالم العربي الذي قدّم كل التنازلات لإسرائيل باسم السلام، وأقام بعضه علاقات دبلوماسية معها، لا يمثل أية خطورة ولو بنسبة 10% عليها، بل هي التي تهدد العالم العربي وتتوعده، وهذا ما أكدته الشعوب الأوروبية في استفتاء المفوضية الأوروبية، بأن إسرائيل تمثل تهديداً للسلام العالمي لا للشرق الأوسط فحسب..
إن إيران أعلنت بأن برامجها النووية هي لخدمة الأغراض السلمية، ولذلك وقّّعت على معاهدة حظر السلاح النووي، ولكن أمريكا التي كذبت على العالم في تبرير حربها على العراق لتدمير أسلحة الدمار الشامل، تعمل على إطلاق كذبة جديدة ضد إيران في هذا الاتجاه، ما يجعلها تمثل خطراً على الأمن الإسلامي في إيران في استراتيجية الحلف الأمريكي ـ الإسرائيلي.
ندين التفجيرات ونطالب الاحتلال بالانسحاب
أما في الشأن العراقي، فإننا نتابع أحداث العراق الذي أصبح بين نارين، نار الاحتلال الذي يقتل المدنيين عشوائياً في أكثر من موقع، ونار التفجيرات الإجرامية التي تلاحق المدنيين، وبخاصة الأطفال في مدارسهم ورجال الأمن العراقي في مراكزهم، والشوارع المحيطة بهذه المواقع، كما حدث أخيراً في البصرة..
إننا في الوقت الذي نرفض الاحتلال جملةً وتفصيلاً، ونطالبه بالخروج من العراق وبمنح العراقيين الحرية في تقرير مصيرهم الأمني، وإدارة أمورهم الاقتصادية، وتحديد سياستهم، نشجب كل الأعمال الإجرامية في هذه التفجيرات التي تستهدف المدنيين الذين عاشوا ظلم نظام الطاغية صدام، فواجهوا هذا الواقع الحاقد.. وإذا كان بعض الناس يبرر لنفسه ذلك باسم الإسلام في الاتجاهات التكفيرية الجاهلة الحاقدة، فإن الإسلام براء من ذلك كله، وإذا كان البعض يعتبر ذلك من المقاومة، فإن المقاومة لا يمكن أن تتمثل بالجريمة الوحشية، لأنها تتحرك من أجل الشعب، فلا يمكن أن تتحرك في أساليبها لتقتله..
إننا ـ ونحن نؤكد رفضنا القاطع، ومن موقعنا الإسلامي لهذه التفجيرات والاغتيالات هنا وهناك ـ نحمّل المسؤولية لقوات الاحتلال التي اعتبرها العالم مسؤولةً عن أمن كل عراقي، فأصبحت مشكلة لهذا الأمن، ما جعل المقابر الجماعية تعود إلى واقع المستضعفين في ظل الاحتلال..
وفي هذا الجو، فإننا ندين التفجيرات التي حدثت في الرياض، في المملكة العربية السعودية، لأن هذا الأسلوب ليس أسلوباً إسلامياً، فالإسلام يرفض الاعتداء على الناس الأبرياء مهما كانت المبررات، ولا يمكن أن تكون هذه الأعمال ضربة لأمريكا، بل هي خدمة لها، ولأن هذه الذهنية في إدارة الأمور لا تخدم إلا الذين يواصلون حملات التشويه ضد الإسلام في شريعته وأمنه.
الكلمة مسؤولية أمام الله والتاريخ
أما في لبنان، فلا نزال في الدوّامة التي يعيش فيها الناس في دوائر الصراع.. والواقع الذي لا بد أن يواجه الجميع هو: أن الاستحقاق المنتظر يمثل المسألة الإنمائية في قضايا الناس في خدماتهم الحيوية على مستوى القرية والمدينة، ولا يمثل المواقع السياسية والحزبية في مراكزها وامتيازاتها العددية.. فلينطلق السؤال عن الصادق الأمين الكفؤ الذي يخاف الله في نفسه ويحبّ الناس ويتحمّل مسؤولية الإخلاص عن البرامج التنموية، لا عن الانتماءات السياسية والطائفية..
إن كلمة المستقبل الكبير الذي يفتح للبلد أبوابه هي: ليكن كل واحد من الشعب الصوت لا الصدى، والحقيقة لا الظل، والحرّ لا العبد.. إن كلمتك هي مسؤوليتك أمام الله وأمام التاريخ كله، فلا تسقطها في وحول العصبيات، ولا سيما في الأرض التي تتفجّر في سمائها وأرضها ينابيع الصفاء. |