هل تعينون عليّاً (ع) في خط الرسالة؟!

هل تعينون عليّاً (ع) في خط الرسالة؟!

في رحاب ولادته.. وبين يدي سيرته :  هل تعينون عليّاً (ع) في خط الرسالة؟!


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
 

عليٌ وليّ المؤمنين

يقول تعالى في كتابه العزيز: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}، هذه الآية الكريمة نزلت في الإمام عليّ (ع) عندما بات على فراش رسول الله (ص) يفديه بنفسه ليلة الهجرة، وذلك هو سرّ عليّ (ع)، فلم تكن نفسه لنفسه، بل كان بكله لله، فقد باع نفسه لله، فكان فكره من أجل معرفة الله، وكان لسانه من أجل هداية الناس إلى طريق الله، وكان جسده من أجل الجهاد في سبيل الله، وكان في حربه وسلمه ينطلق من شريعة الله، فإذا قال له الله سالِم سالَم، حتى لو كان ذلك مما لا يرضي القريبين منه، ولو قال له الله حارِب حارَب، حتى لو كانت الحرب تمثّل أخطر المواقف على حياته.

وهكذا، أنزل الله تعالى فيه قوله: {إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، عندما تصدّق بالخاتم في صلاته، وبذلك أخذ سرّ الولاية في حياة النبي (ص)، وانطلقت الآية الكريمة: {يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربك ـ وذلك في ولاية عليّ يوم الغدير ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، وقال النبي (ص) آنذاك: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"، بمعنى: من كنت وليّ أمره وأولى به من نفسه فعليّ وليّه وأولى به من نفسه، وقال (ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، ليعرّف الناس أن كل علمه هو في عقل عليّ، وقد قال عليّ (ع) وهو يحدّث عن تتلمذه على رسول الله (ص): "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، فُتح لي من كل باب ألف باب". وهكذا كان عليّ (ع) أعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيه وبكل حركة الحياة التي يُراد للإسلام أن يقودها في خط الله وطريقه.

علي(ع) والحق

وجاءت كلمة رسول الله (ص) التي تفسّر للناس ذاتية عليّ في الحق: "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"، فكل كلماته حق، وكل عمله حق، وكل علاقاته حق، ولذلك فإن علينا إذا أردنا أن نأخذ الإسلام من أي صحابي، فالإسلام الحق عند عليّ (ع)، فمن وافقه وافق الحق، ومن خالفه خالف الحق، لأن رسول الله (ص) قال ذلك.

وعلى ضوء هذا، فإنكم لن تكونوا مع عليّ إذا كنتم مع الباطل، سواء كان الباطل باطل العقيدة أو الشريعة أو السياسة أو حركة الإنسان في الحياة، لأن الباطل لا يقترب من عليّ (ع)، وقد كان (ع) يقول: "لأبقرن الباطل حتى أُخرج الحق من خاصرته"، وقال له رسول الله (ص): "يا عليّ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"، وهو يشير بذلك إلى كلمة النبي موسى (ع) مما قصّه الله تعالى: {واجعل لي وزيراً من أهلي* هارون أخي* اشدد به أزري* وأشركه في أمري}.

في مدرسة الرسول(ص)

هكذا انطلق عليّ (ع) في كل حياته، لأنه كان الإنسان الذي عاش رسول الله (ص) في عقله وقلبه وخلقه وفي كل حياته، إنه يحدّثنا عن طفولته الأولى عندما كان في أولى سني طفولته، وجاء رسول الله إلى عمه أبي طالب يطلب منه أن يخفف عنه شيئاً من عياله ليقوم بمسؤوليته، واختار عليّاً (ع) لكي يكفله ويرعاه. يقول عليّ (ع): "أنا وضعت بكلاكل العرب ـ أخذ بصدورهم حتى أخضعهم للإسلام ـ وكسرت نواجم قرون "ربيعة" و"مضر"، وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره ـ وأنا وليد ـ يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه، ويمسّني جسده ـ عندما كان يحتضنه ويعانقه ـ ويشمّني عرفه ـ رائحته الطيبة ـ وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول ـ لأنه رباني على الصدق، فكنت الصادق في كل كلماتي ـ ولا خطلة في فعل ـ ولم يرَ لي أيّ خطأ أو انحراف من كل أعمالي ـ ولقد قرن الله به (ص) من لدن كان فطيماً ـ الله تعالى ربى رسول الله بما ألهمه ووضع في شخصيته من عناصر القدس والعصمة، وربّاه من خلال التعليمات التي كان يلقيها عليه ـ أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل ـ ابن الناقة ـ أثر أمه ـ وبذلك انطبعت شخصيته بشخصية رسول الله ـ يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بـ"حراء"، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوة، ولقد سمعت رنّة الشيطان ـ انزعاج الشيطان وصخبه ـ حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول الله، ما لهذه الرنّة؟ قال: هذا الشيطان قد يئس من عبادته ـ من خلال هذه الرسالة الجديدة التي تدل على الله، وتهدي إلى الله، وتوجّه الناس إلى عبادة الله ـ إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير وإنك لعلى خير".

ويقول عليّ (ع) وهو يتحدث عن أهل بيت النبوة: "وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم  ـ يقولون كلمة الحق حتى لو وقف الناس كل الناس ضدهم في ذلك ـ سيماهم سيمة الصدّيقين ـ الذين يعيشون الصدق مع الله ومع النفس ومع الناس ـ كلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل ـ بالعبادة ـ ومنار النهار ـ بالتوعية والجهاد ـ متمسكون بحبل القرآن ـ فالقرآن إمامهم يهتدون به ويهدون الناس إليه ـ ويحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ـ لأنهم المتواضعون أمام الناس ـ لا يعلون ولا يغلّون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل".

حب علي(ع) من الإيمان

ثم يحدّثنا عليّ (ع) عن الناس في موقفهم منه: "لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي ـ لو أن المؤمن بحسب ما قد يحدث مني له نتيجة أي وضع، لو ضربته على أصل أنفه ـ على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمّاتها ـ بكل ما يجتمع فيها من ثروات ولذات ـ على المنافق على أن يحبني ما أحبني ـ لأن المنافق يرتكز على قاعدة الحقد وعداوة أولياء الله تعالى ـ وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأميّ (ص) أنه قال: يا عليّ، لا يبغضك مؤمن ـ لا يمكن لمؤمن يعيش معنى إيمانه وعمقه ووعيه أن يبغض عليّاً(ع)، لأنه يمثّل خلاصة الحق، فمن أبغضه أبغض الحق ـ ولا يحبك منافق".

وقال عليّ (ع) في موقف الناس منه أيضاً: "هلك فيّ رجلان ـ صنفان من الناس ـ محبّ غالٍ ـ الذين يصلون إلى درجة الغلوّ بحيث يساوون بين عليّ وبين الله، فيعطونه ما استقل الله به في موقع ربوبيته وألوهيته، لأن القضية ليست أن يحب الإنسان عليّاً فقط، بل أن يحبه من حيث موقعه من الله ورسوله، وعليّ (ع) كان يفتخر بأنه عبد الله ووليّه، وقد روي عنه أنه قال: "كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب". ونسمعه في "دعاء كميل" يقول: "فكيف بي وأنا عبدك الضعيف الحقير المسكين المستكين"، ولذلك فإن عظمة عليّ (ع) وعظمة كل الأنبياء والأولياء أنهم ارتفعوا في سمّو مواقعهم إلى أن يكونوا عباد الله المقرّبين، ولا يجوز لنا أن نرفعهم فوق منازلهم التي أنزلهم الله فيها ـ ومبغض قالٍ"، وفي كلمة أخرى يقول في الاتجاه نفسه: "يهلك فيَّ رجلان: محبّ مفرط، وباهت مفترٍ".

وهكذا كان عليّ (ع) المتواضع لله تعالى في كل أموره، وهذا ما قاله في دعاء كميل: "وفي جميع الأحوال متواضعاً"، وإذا امتدحه شخص بما لا يرتضيه الإمام (ع) من المدح، كان يخضع لله ويقول: "اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون". وكان في خلافته يطلب من الناس أن يقولوا له كلمة الحق حتى لو كانت بطريقة سلبية، وأن يقولوا له كلمة العدل حتى لو كانت اتهاماً بما يبتعد عن العدل، وهو صاحب الحق والعدل، إنه أراد أن يقول للأمة: إن على الأمة أن تراقب الذين يحكمونها حتى لو كانوا في أعلى درجة، لأنه لا يريد لها أن تستعبد نفسها لحاكمها، فكان (ع) يقول: "فلا تكلّموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يُتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تظنوا بي استثقالاً لحق قيل لي، أو لعدل يُعرض علي،ّ فإن من استثقل الحق أن يقال له، والعدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما عليه أثقل، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل"، كان الحكم عند عليّ (ع) في قيمته أنه يقيم الحق ويزهق الباطل ولم يكن طموحاً شخصياً.

رائد الوحدة الإسلامية

وكان عليّ (ع) رائد الوحدة الإسلامية، كان همّه أمر المسلمين، وكان كل ما عنده أن يحفظ الإسلام من كل ما يمكن أن يكيد له الكائدون، ويتآمر عليه المتآمرون، حتى لو كان الذين يحكمون الواقع الإسلامي ـ الذي هو واقع المسلمين في كل أوضاعهم ـ من لا يتفق معهم، أو من الذين تقدّموا عليه وأخذوا منه حقه. كان لا ينظر إلى الأمور من خلال ذاته بل من خلال مسؤوليته، كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن الإسلام وأهله حتى وهو خارج الخلافة، لأنها لم تكن عنده مركزاً يتقلده، بل رسالة يحملها ومسؤولية يتحرك فيها، وقد قال كلمته: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليَِّ خاصة".

وهذا درس عليّ (ع) لكل المسلمين ـ لشيعته وغير شيعته ـ أنه إذا حلّت الأخطار  بالمسلمين من خلال الكافرين والمستكبرين، فعلى القيادات والفعاليات الإسلامية والأمة كلها أن تقف لتجمّد كل خلافاتها، ولتتحرر من كل عقدها النفسية، ليطلق الجميع الصوت عالياً: علينا أن نحفظ الإسلام والمسلمين، وبعد ذلك نتحاور في ما نختلف فيه. ولذلك، فإن كلّ الذين يثيرون الأحقاد المذهبية والعصبيات الطائفية باسم عليّ هم ضد عليّ (ع)، لأن خطه (ع) هو أن لا نسمح للمستكبرين والكافرين الذين يستغلون خلافاتنا الحزبية أو المذهبية  أو القومية من أجل أن ينفذوا من هذه الثغرة ليسقطوا الإسلام في عزته وكرامته.

لقد كان عليّ (ع) رائد الوحدة الإسلامية، وهو الذي قال في كتابه لأهل مصر: "ولقد راعني انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يريدون محق دين محمد (ص)، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله ـ حتى لو أُبعدت عن حقي ـ أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه، التي هي إنما متاع أيام قلائل يزول منها ما زال كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب، فنهضت حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه". هذا هو خط عليّ (ع)، فأين نحن الذين نثير في كل يوم عصبية طائفية ومذهبية وحزبية تشغل المسلمين عن كل الأخطار القادمة إليهم من الشرق والغرب، أين نحن من عليّ؟ إننا باسم عليّ نطعن خطه.

قائد المسلمين

وعانى عليّ (ع) من الألم، كانت مشكلته أنه لا يعرف إلا الحق، وقال: "ما ترك لي الحق من صديق"، وانطلق بكل خطته ليؤكد الإسلام في حكمه، كما أكده خارج الحكم، وانطلق ليعرّف الناس أنه ليس هناك من المسلمين كلهم، لا من الصحابة ولا من غيرهم، من يملك هذا المستوى من الفكر والوعي والإخلاص والزهد والشجاعة، ومن مواجهة كل الأخطار من أجل الإسلام، ليس هناك إلا عليّ (ع) بعد رسول الله (ص)، ولو درسنا كل تراث الصحابة لما وجدنا تراثاً في حجم تراث عليّ (ع) أو يقترب منه، إننا لا نحتاج إلى أن نستدل على ولايته بدليل هنا أو نص هناك، لأن عليّاً (ع) كان وحده المؤهَّل لأن يحمل الرسالة بعد الرسول، ولأن يقود المسلمين بعد غياب القائد.

وُلد عليّ (ع) في الكعبة، في مسجد الله العالمي، فتح عينيه على محراب الصلاة، وكانت كل حياته مسجداً في عبادة الله، وأغمض عينيه في محراب الصلاة وهو يقول: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة"، فزت لأني وأنا ألاقي وجه ربي أستعرض كل حياتي التي نجحت في أن أجعلها تبدأ من الله، وتسير في خلق الله، وتنتهي إليه. ذلك هو عليّ في يوم مولده الذي لا بدّ أن نولد فيه، أن يولد فينا فكر عليّ (ع) وخطه وجهاده وكل حياته.. إن عليّاً (ع) ليس مجرد فرحة تبتسم فيها الشفتان، وخفقة ينبض فيها القلب، بل انظروا ماذا يريد منكم: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني ـ يا شيعتي ـ بورع ـ عن الحرام ـ واجتهاد ـ في طاعة الله ـ وعفّة ـ عن كل ما لا يرضاه الله ـ وسداد"، فهل نعين عليّاً (ع) بذلك؟ فكّروا، هذه وصية عليّ (ع)، وعلينا أن نساعده في خط رسالته، وصدق الشاعر المسيحي عندما يقول:

جلجل الحبّ في المسيحي حتى  ظـُنّ مـن فرط حبه علويا
إن في كل منصف شيـعيا لا تقل شيعة هــواة علـيّ
يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إني ذكرت عليا


 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما حمّلكم من مسؤولية، وفيما أراد الله تعالى لكم أن تتحركوا فيه في مواجهة الظالمين، حيث قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار}، وقد كانت كلمة عليّ (ع) في آخر حياته لولديه الحسن والحسين (ع) ولمن بلغه كتابه: "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً".. ولذلك لا بد لكل واحد منا أن يفحص إيمانه وصدق إيمانه: هل يظلم، هل يساعد الظالم، هل يعذر الظالم، سواء كان الظلم في بيتك أو سوقك أو مجتمعك أو في العالم كافة؟

عليك ـ كمسلم ـ أن تكون ضد الظالم صغيراً كان أو كبيراً، ومع المظلوم صغيراً كان أو كبيراً، لا سيما وأننا نعيش في عالم ينتشر الظلم فيه في الصغير والكبير من مواقعه، وفي كل الاتجاهات من أوضاعه، وينطلق المستكبرون في العالم بحسب طبقاتهم لمواجهة المستضعفين، ليسيطروا عليهم من كل جانب، فتعالوا لنرى ماذا هناك:

الانتفاضة.. صمود قارب المعجزة

الانتفاضة مستمرة، والاستشهاديون يقتحمون كل الحواجز الأمنية الصهيونية ويضربون الصهاينة في العمق، ليؤكدوا لهم بأن الشعب الفلسطيني الصامد سوف يواصل انتفاضته البطلة بالرغم من المجازر المتحرّكة التي تحصد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين بشكل عام، وبالرغم من الاستنكارات الأمريكية والأوروبية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة التي ترفع الصوت عالياً إذا سقط إسرائيلي قتيلاً أو جريحاً، ولكنها تصمت صمت الموتى عندما يسقط الفلسطينيون في كل يوم بالرصاص الإسرائيلي المنطلق من الأسلحة الأمريكية، أو عندما تدمّر بيوتهم، وتُجرف مزارعهم، ويُمنع عنهم الغذاء والدواء والتعليم والتمريض!!

إن الصمود الفلسطيني الذي قارب المعجزة الجهادية، يعطي الإنسانية درساً جديداً، بأن الشعب إذا قرر التحرّك بإرادة الحرية، فلا بدّ أن يمنحه الله النصر، إن عاجلاً أو آجلاً.

وفي هذه المرحلة، تطل علينا ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، التي أعقبتها مجزرة "قانا" وكل مجازر القرى الجنوبية أثناء العدوان الإسرائيلي، في سلسلة المجازر الوحشية التي بدأت منذ احتلال فلسطين، في سقوط الضحايا بالجملة، ليتواصل سقوطهم في يوميات الاحتلال بالمفرّق..

وأمريكا لا ترى في هذه المجازر الوحشية إرهاباً، ولا ترى في "شارون" أو "بيريز" وغيرهما أنهم من الجزّارين الإرهابيين، بل إنها تدخّلت بكل قوة حتى لا يصدر عن مجلس الأمن أيّ نوع من الإدانة لإسرائيل، بينما تصف الضحايا من الشعب الفلسطيني بالإرهاب، وتعمل لاستصدار الإدانة من مجلس الأمن ضدهم، وإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لاستكمال عملية الإبادة باسم الدفاع عن النفس؟!

والسؤال: كيف تفهم الإدارة الأمريكية حقوق الإنسان في الحرية والاستقلال، وكيف تحترم الدماء البريئة التي تحوّلت أنهاراً في فلسطين؟؟ إن أمريكا هي المسؤولة عن ذلك كله، لأنها تمثّل الغطاء لكل هذا الواقع الوحشي الذي تحوّل فيه الإنسان إلى وحش كاسر باسم الحضارة والحرية والتقدّم، وهي منه بُراء.

ثم، ماذا في تطورات السياسة الأمريكية في حركتها في إرباك المنطقة، من أجل تأكيد سيطرتها على أوضاعها السياسية والاقتصادية والأمنية؟ إننا نلاحظ عدة أمور:

تمييع القضية الفلسطينية

ـ أولاً: هناك اجتماع اللجنة الرباعية الدولية، المكوّنة من الاتحاد الأوروبي والروسي والأمم المتحدة بقيادة أمريكا، تحت عنوان الدعوة إلى قيام دولة فلسطينية على ثلاث مراحل بحلول العام 2005، على أساس خطة الاتحاد الأوروبي لتنفيذ رؤية "بوش"، وبحضور خمسة وزراء عرب بالإضافة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين..

ولكن هذه اللجنة زادت القضية تمييعاً، لأنها لم تحرّك أيّ شيء في الواقع المأساوي في حياة الشعب الفلسطيني، ولم تطلب من العدو الانسحاب من الأراضي المحتلة، ولم تمارس على إسرائيل أيّ ضغط لرفع منع التجوّل وإعطاء الشعب حريته في ممارسة حياته اليومية، ولم تستنكر عمليات القتل اليومي المنظَّم في الأراضي المحتلة كلها، بالإضافة إلى التدمير المدروس لبنيتها التحتية، ولم يقم الوزراء العرب بأيّ ضغط لرفع معاناة هذا الشعب الجريح المظلوم، بفعل العجز والفشل الذي يطبع السياسة العربية بطابعه، لا سيما أن الجميع لا يريدون إزعاج إسرائيل التي بادرت إلى رفض ذلك كله، من دون أيّ احتجاج دولي، لأن أمريكا تمنع ذلك..

لقد عملت أمريكا على تأسيس مشروع اللجنة الرباعية لضبط الإيقاع السياسي الذي كان يحاول الضغط على إسرائيل، وهكذا سكت الجميع عن إدانة كل أعمالها الوحشية.

سوريا الصامدة

ـ ثانياً: لقد بدأ الكونغرس الأمريكي ـ الإسرائيلي في غالبيته ـ بدرس قانون محاسبة سوريا، بذهنية صهيونية تصنع الأكاذيب، وتشوّه الحقائق، وتزرع الحقد في الرأي العام الأمريكي، لأن سوريا لا تزال الدولة الصامدة في وجه الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية التي يتوزّع فيها الفرقاء الأدوار، من الإدارة الأمريكية من جهة، والسياسيون الأمريكيون الموالون لإسرائيل من جهة أخرى، بالإضافة إلى الخطط الإسرائيلية الخفية في التأثير على المناخ الأمريكي السياسي، في استغلال بشع لبعض مواقف فريق لبناني أو للجو العاصف الذي يحيط بالمنطقة..

ولكننا نعتقد أن سوريا ـ ومعها لبنان ـ ستبقى صامدة أمام كل هذه الضغوط التي يُراد منها إقرار عقوبات سياسية واقتصادية.. وإننا نتساءل: لماذا لا تحاول الدول العربية الغنية دعم الدول العربية الحرّة المدافعة عن الحقوق العربية الشرعية، وخصوصاً حق الشعب الفلسطيني في الحرية، والوقوف معها في مساعداتها الاقتصادية وفي تأييدها السياسي، بدلاً من تقديم المساعدات المالية للحملة الأمريكية على المنطقة في حربها المنتظَرة؟

والسؤال الذي يفرض نفسه: إذا كانت أمريكا السياسية جادّة في شعاراتها التي تهدد بها المنطقة، فمتى يحين دور محاسبة إسرائيل في امتلاكها أسلحة الدمار الشامل، وفي احتلالها للأرض الفلسطينية والسورية واللبنانية، وفي إرهابها الوحشي للمنطقة كلها منذ تأسيسها، أم أن أمريكا يجوز لها ما لا يجوز للعرب والمسلمين؟!

أمريكا تدق طبول الحرب

ـ رابعاً: أما في المسألة العراقية، فلا تزال أمريكا تدق طبول الحرب في المنطقة، من أجل تنفيذ مخططها الاستكباري في السيطرة على مقدّراتها، وفي العبث بأمنها واستقرارها السياسي، وفي استغلال موقعها الاستراتيجي، بالرغم من إذعان النظام العراقي للأمم المتحدة في قرار عودة المفتشين.. وهي تطلق تهديداتها للأمم المتحدة كي تخضع لشروطها  بعيداً عن قراراتها السابقة، باسم تغيير النظام الذي منحته كل القوة، وسلّطته على شعبه وعلى المنطقة كلها.

إن علينا أن نتابع التطورات المتلاحقة، لأن هناك أكثر من ريح عاصفة تدمّر أكثر من موقع في عواصفها الشديدة.. ولا بدّ لنا أن نفكّر بالشعب العراقي الجريح المظلوم الذي حاصرته أمريكا في كل موارده، تحت شعار محاصرة النظام، وهي تعلم أن النظام لم يتأثّر بهذا الحصار، لأن الشعب هو الذي يعيش القهر والاستبداد والتهجير والضياع في متاهات العالم، هرباً من الدكتاتورية الظالمة، ومن الفقر والجوع وخنق الحريات..

وإننا ندعو كل الأحرار من العرب والمسلمين، أن يتفهّموا آلام هذا الشعب الذي أصبح يتمنى إخراجه من واقعه الصعب في السجن الكبير، أيّاً كانت الظروف المحيطة بالواقع.. وعلينا أن لا نخلط بين معارضتنا للحرب الأمريكية التي قد تزيد من آلام هذا الشعب، في الأسلحة المدمِّرة التي قد تقتل عشرات الألوف منه، كما فعلت في أفغانستان، وبين مراعاة التطلعات الشعبية في العراق التي تنطلق لتحصل على التحرر من كل هذا الواقع الذي يكاد يشبه المستحيل.

لبنان: نحو مزيد من العقل والبصيرة

وأخيراً، إننا نناشد اللبنانيين الذين تنتظرهم العواصف الدولية والإقليمية من كل جانب، أن لا يُشغلوا أنفسهم بصنع أكثر من عاصفة في فنجان، في خلافاتهم الطائفية والشخصانية، وفي شعاراتهم الغرائزية، فإن البلد يهتز أمام كل التحديات التي تواجه أمنه واقتصاده وسياسته.

إننا ندعو الجميع إلى المزيد من العقل والبصيرة والتحديق بالواقع الذي قد يطغى على المرحلة، فيسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وهم مشغولون بالحديث عن الحوار من دون أية جديّة، وعن الوفاق الوطني الذي يصنعون له في كل يوم مأزقاً جديداً، وعصبية خانقة، ويُدخلونه في متاهات السياسة الضائعة في ضباب العصبيات اللبناني، مما يُضعف الموقف اللبناني بوجه العدو، ويفسح المجال أمام إسرائيل للخروج من المأزق الحالي بطريقة دبلوماسية، لكي تواصل العمل بخططها المستقبلية في السيطرة على مياه لبنان باسم تقاسم المياه في الشرق الأوسط.

في رحاب ولادته.. وبين يدي سيرته :  هل تعينون عليّاً (ع) في خط الرسالة؟!


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته الأولى:
 

عليٌ وليّ المؤمنين

يقول تعالى في كتابه العزيز: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}، هذه الآية الكريمة نزلت في الإمام عليّ (ع) عندما بات على فراش رسول الله (ص) يفديه بنفسه ليلة الهجرة، وذلك هو سرّ عليّ (ع)، فلم تكن نفسه لنفسه، بل كان بكله لله، فقد باع نفسه لله، فكان فكره من أجل معرفة الله، وكان لسانه من أجل هداية الناس إلى طريق الله، وكان جسده من أجل الجهاد في سبيل الله، وكان في حربه وسلمه ينطلق من شريعة الله، فإذا قال له الله سالِم سالَم، حتى لو كان ذلك مما لا يرضي القريبين منه، ولو قال له الله حارِب حارَب، حتى لو كانت الحرب تمثّل أخطر المواقف على حياته.

وهكذا، أنزل الله تعالى فيه قوله: {إنما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}، عندما تصدّق بالخاتم في صلاته، وبذلك أخذ سرّ الولاية في حياة النبي (ص)، وانطلقت الآية الكريمة: {يا أيها الرسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربك ـ وذلك في ولاية عليّ يوم الغدير ـ وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، وقال النبي (ص) آنذاك: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"، بمعنى: من كنت وليّ أمره وأولى به من نفسه فعليّ وليّه وأولى به من نفسه، وقال (ص): "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، ليعرّف الناس أن كل علمه هو في عقل عليّ، وقد قال عليّ (ع) وهو يحدّث عن تتلمذه على رسول الله (ص): "علّمني رسول الله ألف باب من العلم، فُتح لي من كل باب ألف باب". وهكذا كان عليّ (ع) أعلمهم بكتاب الله وسنّة نبيه وبكل حركة الحياة التي يُراد للإسلام أن يقودها في خط الله وطريقه.

علي(ع) والحق

وجاءت كلمة رسول الله (ص) التي تفسّر للناس ذاتية عليّ في الحق: "علي مع الحق والحق مع علي يدور معه حيثما دار"، فكل كلماته حق، وكل عمله حق، وكل علاقاته حق، ولذلك فإن علينا إذا أردنا أن نأخذ الإسلام من أي صحابي، فالإسلام الحق عند عليّ (ع)، فمن وافقه وافق الحق، ومن خالفه خالف الحق، لأن رسول الله (ص) قال ذلك.

وعلى ضوء هذا، فإنكم لن تكونوا مع عليّ إذا كنتم مع الباطل، سواء كان الباطل باطل العقيدة أو الشريعة أو السياسة أو حركة الإنسان في الحياة، لأن الباطل لا يقترب من عليّ (ع)، وقد كان (ع) يقول: "لأبقرن الباطل حتى أُخرج الحق من خاصرته"، وقال له رسول الله (ص): "يا عليّ، أنت مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي"، وهو يشير بذلك إلى كلمة النبي موسى (ع) مما قصّه الله تعالى: {واجعل لي وزيراً من أهلي* هارون أخي* اشدد به أزري* وأشركه في أمري}.

في مدرسة الرسول(ص)

هكذا انطلق عليّ (ع) في كل حياته، لأنه كان الإنسان الذي عاش رسول الله (ص) في عقله وقلبه وخلقه وفي كل حياته، إنه يحدّثنا عن طفولته الأولى عندما كان في أولى سني طفولته، وجاء رسول الله إلى عمه أبي طالب يطلب منه أن يخفف عنه شيئاً من عياله ليقوم بمسؤوليته، واختار عليّاً (ع) لكي يكفله ويرعاه. يقول عليّ (ع): "أنا وضعت بكلاكل العرب ـ أخذ بصدورهم حتى أخضعهم للإسلام ـ وكسرت نواجم قرون "ربيعة" و"مضر"، وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره ـ وأنا وليد ـ يضمني إلى صدره، ويكنفني فراشه، ويمسّني جسده ـ عندما كان يحتضنه ويعانقه ـ ويشمّني عرفه ـ رائحته الطيبة ـ وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول ـ لأنه رباني على الصدق، فكنت الصادق في كل كلماتي ـ ولا خطلة في فعل ـ ولم يرَ لي أيّ خطأ أو انحراف من كل أعمالي ـ ولقد قرن الله به (ص) من لدن كان فطيماً ـ الله تعالى ربى رسول الله بما ألهمه ووضع في شخصيته من عناصر القدس والعصمة، وربّاه من خلال التعليمات التي كان يلقيها عليه ـ أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتّبعه اتباع الفصيل ـ ابن الناقة ـ أثر أمه ـ وبذلك انطبعت شخصيته بشخصية رسول الله ـ يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بـ"حراء"، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (ص) وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرسالة، وأشمّ ريح النبوة، ولقد سمعت رنّة الشيطان ـ انزعاج الشيطان وصخبه ـ حين نزل الوحي عليه، فقلت: يا رسول الله، ما لهذه الرنّة؟ قال: هذا الشيطان قد يئس من عبادته ـ من خلال هذه الرسالة الجديدة التي تدل على الله، وتهدي إلى الله، وتوجّه الناس إلى عبادة الله ـ إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى إلا أنك لست بنبي، ولكنك لوزير وإنك لعلى خير".

ويقول عليّ (ع) وهو يتحدث عن أهل بيت النبوة: "وإني لمن قوم لا تأخذهم في الله لومة لائم  ـ يقولون كلمة الحق حتى لو وقف الناس كل الناس ضدهم في ذلك ـ سيماهم سيمة الصدّيقين ـ الذين يعيشون الصدق مع الله ومع النفس ومع الناس ـ كلامهم كلام الأبرار، عمّار الليل ـ بالعبادة ـ ومنار النهار ـ بالتوعية والجهاد ـ متمسكون بحبل القرآن ـ فالقرآن إمامهم يهتدون به ويهدون الناس إليه ـ ويحيون سنن الله وسنن رسوله، لا يستكبرون ـ لأنهم المتواضعون أمام الناس ـ لا يعلون ولا يغلّون ولا يفسدون، قلوبهم في الجنان وأجسادهم في العمل".

حب علي(ع) من الإيمان

ثم يحدّثنا عليّ (ع) عن الناس في موقفهم منه: "لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي ـ لو أن المؤمن بحسب ما قد يحدث مني له نتيجة أي وضع، لو ضربته على أصل أنفه ـ على أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمّاتها ـ بكل ما يجتمع فيها من ثروات ولذات ـ على المنافق على أن يحبني ما أحبني ـ لأن المنافق يرتكز على قاعدة الحقد وعداوة أولياء الله تعالى ـ وذلك أنه قضى فانقضى على لسان النبي الأميّ (ص) أنه قال: يا عليّ، لا يبغضك مؤمن ـ لا يمكن لمؤمن يعيش معنى إيمانه وعمقه ووعيه أن يبغض عليّاً(ع)، لأنه يمثّل خلاصة الحق، فمن أبغضه أبغض الحق ـ ولا يحبك منافق".

وقال عليّ (ع) في موقف الناس منه أيضاً: "هلك فيّ رجلان ـ صنفان من الناس ـ محبّ غالٍ ـ الذين يصلون إلى درجة الغلوّ بحيث يساوون بين عليّ وبين الله، فيعطونه ما استقل الله به في موقع ربوبيته وألوهيته، لأن القضية ليست أن يحب الإنسان عليّاً فقط، بل أن يحبه من حيث موقعه من الله ورسوله، وعليّ (ع) كان يفتخر بأنه عبد الله ووليّه، وقد روي عنه أنه قال: "كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً، وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً، أنت كما أحب فاجعلني كما تحب". ونسمعه في "دعاء كميل" يقول: "فكيف بي وأنا عبدك الضعيف الحقير المسكين المستكين"، ولذلك فإن عظمة عليّ (ع) وعظمة كل الأنبياء والأولياء أنهم ارتفعوا في سمّو مواقعهم إلى أن يكونوا عباد الله المقرّبين، ولا يجوز لنا أن نرفعهم فوق منازلهم التي أنزلهم الله فيها ـ ومبغض قالٍ"، وفي كلمة أخرى يقول في الاتجاه نفسه: "يهلك فيَّ رجلان: محبّ مفرط، وباهت مفترٍ".

وهكذا كان عليّ (ع) المتواضع لله تعالى في كل أموره، وهذا ما قاله في دعاء كميل: "وفي جميع الأحوال متواضعاً"، وإذا امتدحه شخص بما لا يرتضيه الإمام (ع) من المدح، كان يخضع لله ويقول: "اللهم اجعلني خيراً مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون". وكان في خلافته يطلب من الناس أن يقولوا له كلمة الحق حتى لو كانت بطريقة سلبية، وأن يقولوا له كلمة العدل حتى لو كانت اتهاماً بما يبتعد عن العدل، وهو صاحب الحق والعدل، إنه أراد أن يقول للأمة: إن على الأمة أن تراقب الذين يحكمونها حتى لو كانوا في أعلى درجة، لأنه لا يريد لها أن تستعبد نفسها لحاكمها، فكان (ع) يقول: "فلا تكلّموني بما تكلمون به الجبابرة، ولا تتحفظوا مني بما يُتحفظ به عند أهل البادرة، ولا تظنوا بي استثقالاً لحق قيل لي، أو لعدل يُعرض علي،ّ فإن من استثقل الحق أن يقال له، والعدل أن يعرض عليه، كان العمل بهما عليه أثقل، فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل"، كان الحكم عند عليّ (ع) في قيمته أنه يقيم الحق ويزهق الباطل ولم يكن طموحاً شخصياً.

رائد الوحدة الإسلامية

وكان عليّ (ع) رائد الوحدة الإسلامية، كان همّه أمر المسلمين، وكان كل ما عنده أن يحفظ الإسلام من كل ما يمكن أن يكيد له الكائدون، ويتآمر عليه المتآمرون، حتى لو كان الذين يحكمون الواقع الإسلامي ـ الذي هو واقع المسلمين في كل أوضاعهم ـ من لا يتفق معهم، أو من الذين تقدّموا عليه وأخذوا منه حقه. كان لا ينظر إلى الأمور من خلال ذاته بل من خلال مسؤوليته، كان يعتبر نفسه مسؤولاً عن الإسلام وأهله حتى وهو خارج الخلافة، لأنها لم تكن عنده مركزاً يتقلده، بل رسالة يحملها ومسؤولية يتحرك فيها، وقد قال كلمته: "لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليَِّ خاصة".

وهذا درس عليّ (ع) لكل المسلمين ـ لشيعته وغير شيعته ـ أنه إذا حلّت الأخطار  بالمسلمين من خلال الكافرين والمستكبرين، فعلى القيادات والفعاليات الإسلامية والأمة كلها أن تقف لتجمّد كل خلافاتها، ولتتحرر من كل عقدها النفسية، ليطلق الجميع الصوت عالياً: علينا أن نحفظ الإسلام والمسلمين، وبعد ذلك نتحاور في ما نختلف فيه. ولذلك، فإن كلّ الذين يثيرون الأحقاد المذهبية والعصبيات الطائفية باسم عليّ هم ضد عليّ (ع)، لأن خطه (ع) هو أن لا نسمح للمستكبرين والكافرين الذين يستغلون خلافاتنا الحزبية أو المذهبية  أو القومية من أجل أن ينفذوا من هذه الثغرة ليسقطوا الإسلام في عزته وكرامته.

لقد كان عليّ (ع) رائد الوحدة الإسلامية، وهو الذي قال في كتابه لأهل مصر: "ولقد راعني انثيال الناس على فلان يبايعونه، فأمسكت يدي حتى إذا رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يريدون محق دين محمد (ص)، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله ـ حتى لو أُبعدت عن حقي ـ أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم هذه، التي هي إنما متاع أيام قلائل يزول منها ما زال كما يزول السراب، أو كما ينقشع السحاب، فنهضت حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه". هذا هو خط عليّ (ع)، فأين نحن الذين نثير في كل يوم عصبية طائفية ومذهبية وحزبية تشغل المسلمين عن كل الأخطار القادمة إليهم من الشرق والغرب، أين نحن من عليّ؟ إننا باسم عليّ نطعن خطه.

قائد المسلمين

وعانى عليّ (ع) من الألم، كانت مشكلته أنه لا يعرف إلا الحق، وقال: "ما ترك لي الحق من صديق"، وانطلق بكل خطته ليؤكد الإسلام في حكمه، كما أكده خارج الحكم، وانطلق ليعرّف الناس أنه ليس هناك من المسلمين كلهم، لا من الصحابة ولا من غيرهم، من يملك هذا المستوى من الفكر والوعي والإخلاص والزهد والشجاعة، ومن مواجهة كل الأخطار من أجل الإسلام، ليس هناك إلا عليّ (ع) بعد رسول الله (ص)، ولو درسنا كل تراث الصحابة لما وجدنا تراثاً في حجم تراث عليّ (ع) أو يقترب منه، إننا لا نحتاج إلى أن نستدل على ولايته بدليل هنا أو نص هناك، لأن عليّاً (ع) كان وحده المؤهَّل لأن يحمل الرسالة بعد الرسول، ولأن يقود المسلمين بعد غياب القائد.

وُلد عليّ (ع) في الكعبة، في مسجد الله العالمي، فتح عينيه على محراب الصلاة، وكانت كل حياته مسجداً في عبادة الله، وأغمض عينيه في محراب الصلاة وهو يقول: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة"، فزت لأني وأنا ألاقي وجه ربي أستعرض كل حياتي التي نجحت في أن أجعلها تبدأ من الله، وتسير في خلق الله، وتنتهي إليه. ذلك هو عليّ في يوم مولده الذي لا بدّ أن نولد فيه، أن يولد فينا فكر عليّ (ع) وخطه وجهاده وكل حياته.. إن عليّاً (ع) ليس مجرد فرحة تبتسم فيها الشفتان، وخفقة ينبض فيها القلب، بل انظروا ماذا يريد منكم: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني ـ يا شيعتي ـ بورع ـ عن الحرام ـ واجتهاد ـ في طاعة الله ـ وعفّة ـ عن كل ما لا يرضاه الله ـ وسداد"، فهل نعين عليّاً (ع) بذلك؟ فكّروا، هذه وصية عليّ (ع)، وعلينا أن نساعده في خط رسالته، وصدق الشاعر المسيحي عندما يقول:

جلجل الحبّ في المسيحي حتى  ظـُنّ مـن فرط حبه علويا
إن في كل منصف شيـعيا لا تقل شيعة هــواة علـيّ
يا سماء اشهدي ويا أرض قرّي واخشعي إني ذكرت عليا


 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في كل ما حمّلكم من مسؤولية، وفيما أراد الله تعالى لكم أن تتحركوا فيه في مواجهة الظالمين، حيث قال تعالى: {ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار}، وقد كانت كلمة عليّ (ع) في آخر حياته لولديه الحسن والحسين (ع) ولمن بلغه كتابه: "كونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً".. ولذلك لا بد لكل واحد منا أن يفحص إيمانه وصدق إيمانه: هل يظلم، هل يساعد الظالم، هل يعذر الظالم، سواء كان الظلم في بيتك أو سوقك أو مجتمعك أو في العالم كافة؟

عليك ـ كمسلم ـ أن تكون ضد الظالم صغيراً كان أو كبيراً، ومع المظلوم صغيراً كان أو كبيراً، لا سيما وأننا نعيش في عالم ينتشر الظلم فيه في الصغير والكبير من مواقعه، وفي كل الاتجاهات من أوضاعه، وينطلق المستكبرون في العالم بحسب طبقاتهم لمواجهة المستضعفين، ليسيطروا عليهم من كل جانب، فتعالوا لنرى ماذا هناك:

الانتفاضة.. صمود قارب المعجزة

الانتفاضة مستمرة، والاستشهاديون يقتحمون كل الحواجز الأمنية الصهيونية ويضربون الصهاينة في العمق، ليؤكدوا لهم بأن الشعب الفلسطيني الصامد سوف يواصل انتفاضته البطلة بالرغم من المجازر المتحرّكة التي تحصد الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين بشكل عام، وبالرغم من الاستنكارات الأمريكية والأوروبية، بالإضافة إلى الأمم المتحدة التي ترفع الصوت عالياً إذا سقط إسرائيلي قتيلاً أو جريحاً، ولكنها تصمت صمت الموتى عندما يسقط الفلسطينيون في كل يوم بالرصاص الإسرائيلي المنطلق من الأسلحة الأمريكية، أو عندما تدمّر بيوتهم، وتُجرف مزارعهم، ويُمنع عنهم الغذاء والدواء والتعليم والتمريض!!

إن الصمود الفلسطيني الذي قارب المعجزة الجهادية، يعطي الإنسانية درساً جديداً، بأن الشعب إذا قرر التحرّك بإرادة الحرية، فلا بدّ أن يمنحه الله النصر، إن عاجلاً أو آجلاً.

وفي هذه المرحلة، تطل علينا ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا، التي أعقبتها مجزرة "قانا" وكل مجازر القرى الجنوبية أثناء العدوان الإسرائيلي، في سلسلة المجازر الوحشية التي بدأت منذ احتلال فلسطين، في سقوط الضحايا بالجملة، ليتواصل سقوطهم في يوميات الاحتلال بالمفرّق..

وأمريكا لا ترى في هذه المجازر الوحشية إرهاباً، ولا ترى في "شارون" أو "بيريز" وغيرهما أنهم من الجزّارين الإرهابيين، بل إنها تدخّلت بكل قوة حتى لا يصدر عن مجلس الأمن أيّ نوع من الإدانة لإسرائيل، بينما تصف الضحايا من الشعب الفلسطيني بالإرهاب، وتعمل لاستصدار الإدانة من مجلس الأمن ضدهم، وإعطاء إسرائيل الضوء الأخضر لاستكمال عملية الإبادة باسم الدفاع عن النفس؟!

والسؤال: كيف تفهم الإدارة الأمريكية حقوق الإنسان في الحرية والاستقلال، وكيف تحترم الدماء البريئة التي تحوّلت أنهاراً في فلسطين؟؟ إن أمريكا هي المسؤولة عن ذلك كله، لأنها تمثّل الغطاء لكل هذا الواقع الوحشي الذي تحوّل فيه الإنسان إلى وحش كاسر باسم الحضارة والحرية والتقدّم، وهي منه بُراء.

ثم، ماذا في تطورات السياسة الأمريكية في حركتها في إرباك المنطقة، من أجل تأكيد سيطرتها على أوضاعها السياسية والاقتصادية والأمنية؟ إننا نلاحظ عدة أمور:

تمييع القضية الفلسطينية

ـ أولاً: هناك اجتماع اللجنة الرباعية الدولية، المكوّنة من الاتحاد الأوروبي والروسي والأمم المتحدة بقيادة أمريكا، تحت عنوان الدعوة إلى قيام دولة فلسطينية على ثلاث مراحل بحلول العام 2005، على أساس خطة الاتحاد الأوروبي لتنفيذ رؤية "بوش"، وبحضور خمسة وزراء عرب بالإضافة إلى الفلسطينيين والإسرائيليين..

ولكن هذه اللجنة زادت القضية تمييعاً، لأنها لم تحرّك أيّ شيء في الواقع المأساوي في حياة الشعب الفلسطيني، ولم تطلب من العدو الانسحاب من الأراضي المحتلة، ولم تمارس على إسرائيل أيّ ضغط لرفع منع التجوّل وإعطاء الشعب حريته في ممارسة حياته اليومية، ولم تستنكر عمليات القتل اليومي المنظَّم في الأراضي المحتلة كلها، بالإضافة إلى التدمير المدروس لبنيتها التحتية، ولم يقم الوزراء العرب بأيّ ضغط لرفع معاناة هذا الشعب الجريح المظلوم، بفعل العجز والفشل الذي يطبع السياسة العربية بطابعه، لا سيما أن الجميع لا يريدون إزعاج إسرائيل التي بادرت إلى رفض ذلك كله، من دون أيّ احتجاج دولي، لأن أمريكا تمنع ذلك..

لقد عملت أمريكا على تأسيس مشروع اللجنة الرباعية لضبط الإيقاع السياسي الذي كان يحاول الضغط على إسرائيل، وهكذا سكت الجميع عن إدانة كل أعمالها الوحشية.

سوريا الصامدة

ـ ثانياً: لقد بدأ الكونغرس الأمريكي ـ الإسرائيلي في غالبيته ـ بدرس قانون محاسبة سوريا، بذهنية صهيونية تصنع الأكاذيب، وتشوّه الحقائق، وتزرع الحقد في الرأي العام الأمريكي، لأن سوريا لا تزال الدولة الصامدة في وجه الضغوط الأمريكية ـ الإسرائيلية التي يتوزّع فيها الفرقاء الأدوار، من الإدارة الأمريكية من جهة، والسياسيون الأمريكيون الموالون لإسرائيل من جهة أخرى، بالإضافة إلى الخطط الإسرائيلية الخفية في التأثير على المناخ الأمريكي السياسي، في استغلال بشع لبعض مواقف فريق لبناني أو للجو العاصف الذي يحيط بالمنطقة..

ولكننا نعتقد أن سوريا ـ ومعها لبنان ـ ستبقى صامدة أمام كل هذه الضغوط التي يُراد منها إقرار عقوبات سياسية واقتصادية.. وإننا نتساءل: لماذا لا تحاول الدول العربية الغنية دعم الدول العربية الحرّة المدافعة عن الحقوق العربية الشرعية، وخصوصاً حق الشعب الفلسطيني في الحرية، والوقوف معها في مساعداتها الاقتصادية وفي تأييدها السياسي، بدلاً من تقديم المساعدات المالية للحملة الأمريكية على المنطقة في حربها المنتظَرة؟

والسؤال الذي يفرض نفسه: إذا كانت أمريكا السياسية جادّة في شعاراتها التي تهدد بها المنطقة، فمتى يحين دور محاسبة إسرائيل في امتلاكها أسلحة الدمار الشامل، وفي احتلالها للأرض الفلسطينية والسورية واللبنانية، وفي إرهابها الوحشي للمنطقة كلها منذ تأسيسها، أم أن أمريكا يجوز لها ما لا يجوز للعرب والمسلمين؟!

أمريكا تدق طبول الحرب

ـ رابعاً: أما في المسألة العراقية، فلا تزال أمريكا تدق طبول الحرب في المنطقة، من أجل تنفيذ مخططها الاستكباري في السيطرة على مقدّراتها، وفي العبث بأمنها واستقرارها السياسي، وفي استغلال موقعها الاستراتيجي، بالرغم من إذعان النظام العراقي للأمم المتحدة في قرار عودة المفتشين.. وهي تطلق تهديداتها للأمم المتحدة كي تخضع لشروطها  بعيداً عن قراراتها السابقة، باسم تغيير النظام الذي منحته كل القوة، وسلّطته على شعبه وعلى المنطقة كلها.

إن علينا أن نتابع التطورات المتلاحقة، لأن هناك أكثر من ريح عاصفة تدمّر أكثر من موقع في عواصفها الشديدة.. ولا بدّ لنا أن نفكّر بالشعب العراقي الجريح المظلوم الذي حاصرته أمريكا في كل موارده، تحت شعار محاصرة النظام، وهي تعلم أن النظام لم يتأثّر بهذا الحصار، لأن الشعب هو الذي يعيش القهر والاستبداد والتهجير والضياع في متاهات العالم، هرباً من الدكتاتورية الظالمة، ومن الفقر والجوع وخنق الحريات..

وإننا ندعو كل الأحرار من العرب والمسلمين، أن يتفهّموا آلام هذا الشعب الذي أصبح يتمنى إخراجه من واقعه الصعب في السجن الكبير، أيّاً كانت الظروف المحيطة بالواقع.. وعلينا أن لا نخلط بين معارضتنا للحرب الأمريكية التي قد تزيد من آلام هذا الشعب، في الأسلحة المدمِّرة التي قد تقتل عشرات الألوف منه، كما فعلت في أفغانستان، وبين مراعاة التطلعات الشعبية في العراق التي تنطلق لتحصل على التحرر من كل هذا الواقع الذي يكاد يشبه المستحيل.

لبنان: نحو مزيد من العقل والبصيرة

وأخيراً، إننا نناشد اللبنانيين الذين تنتظرهم العواصف الدولية والإقليمية من كل جانب، أن لا يُشغلوا أنفسهم بصنع أكثر من عاصفة في فنجان، في خلافاتهم الطائفية والشخصانية، وفي شعاراتهم الغرائزية، فإن البلد يهتز أمام كل التحديات التي تواجه أمنه واقتصاده وسياسته.

إننا ندعو الجميع إلى المزيد من العقل والبصيرة والتحديق بالواقع الذي قد يطغى على المرحلة، فيسقط الهيكل على رؤوس الجميع، وهم مشغولون بالحديث عن الحوار من دون أية جديّة، وعن الوفاق الوطني الذي يصنعون له في كل يوم مأزقاً جديداً، وعصبية خانقة، ويُدخلونه في متاهات السياسة الضائعة في ضباب العصبيات اللبناني، مما يُضعف الموقف اللبناني بوجه العدو، ويفسح المجال أمام إسرائيل للخروج من المأزق الحالي بطريقة دبلوماسية، لكي تواصل العمل بخططها المستقبلية في السيطرة على مياه لبنان باسم تقاسم المياه في الشرق الأوسط.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية