لن نكون شيعة له إذا لم نحمل علمه وفكره : كــونــوا مــع الحق تكـونـوا مع عـلــيّ (ع)

لن نكون شيعة له إذا لم نحمل علمه وفكره : كــونــوا مــع الحق تكـونـوا مع عـلــيّ (ع)
ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}. يقول المفسّرون إن هذه الآية نزلت في عليّ (ع) بعد أن بات على فراش النبي (ص) ليغطي انسحابه ليلة الهجرة. وعندما ندرس شخصية علي (ع)، فإننا نجد أن هذه الآية هي أفضل آية تتحدث عن سرّ شخصيته(ع)، حيث عاش حياته كلها مجاهداً في سبيل الله، بالكلمة والفكرة والسيف والموقف.

باع نفسه لله

ومن يدرس حياة عليّ (ع)، يجد أنه لم يحصل على لحظة راحة يسترخي فيها كما يسترخي الناس عندما يتعبون، كان (ع) المتعَب دائماً، لما بذله من جهد مع رسول الله (ص)، حيث كان يتعلّم منه ويستمع إلى الوحي وهو ينـزل عليه، وكان يقف إلى جانبه فداءً له في كل المواقف، كل ذلك من أجل حماية الواقع الإسلامي. كان سرّه (ع) أنه باع نفسه لله، فلم يفكر إلا به، حتى أنه عندما فكّر برسول الله(ص) وآمن به وأخلص له، فلأنه رسول الله الذي أرسله واصطفاه وأحبه وأراد له أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور.

لذلك، إذا أردتم أن تبحثوا عن سرّ عليّ (ع) فسرّه هناك: {ومن الناس من يشري نفسه - يبيع نفسه - ابتغاء مرضاة الله}.. ورأيناه وهو يتحدث مع الناس زمن خلافته، فكان يقول لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً - إن آفاقي تختلف عن آفاقكم، لأن آفاقكم تضيق في دائرة أنفسكم، أما آفاقي فإنها تتسع لله - إنني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"، لن أكون لكم بحيث أعصي الله لترضوا، ولكني عندما أكون لله، أكون لكم، لأخدمكم وأوجّهكم وأعظكم، ولأفتح لكم طريق الاستقامة الذي يؤدي بكم إلى الله.. هكذا كان عليّ (ع).

في كنف الرسول(ص)

وليس هناك من الصحابة ولا من أهل بيت النبي (ص) شخص ربّاه رسول الله (ص) بكله كعلي(ع)، ربّى عقله وقلبه وأخلاقه وسلوكه، كان معه منذ طفولته، كان يضمه إليه ويمضغ الشيء ثم يلقمه لعليّ، كان يلقي إليه في كل يوم خلقاً من أخلاقه وعلماً من علومه، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله، يرى علي(ع) الوحي ويسمعه ، كما قال له رسول الله(ص) في ما رواه عنه: "إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، ولكنك لست بنبي"..

لنلتزم نهج علي(ع)

ولم نجد شخصاً من صحابة رسول الله (ص) تحدث عنه النبي منذ بداية الرسالة كما تحدث عن عليّ (ع)، ومن أقواله (ص): "عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيثما دار". ولذلك - من خلال رسول الله - فإن كل ما قاله عليّ(ع) فهو الحق، وكل ما ادّعاه علي(ع) فهو الحق، وكل ما عمله عليّ(ع) فهو الحق، وكل ما أيده عليّ فهو الحق، وكل ما رفضه كان في سبيل الحق. فليس هناك فاصل بين عليّ وبين الحق، فمن أراد أن يدخل في حياة عليّ وكان مع الباطل، فإنه لن يجد له مكاناً إلى جنب عليّ(ع).

لذلك، إذا كنا نريد أن نكون مع عليّ(ع)، وإذا أردنا أن ننفذ إلى حياته ونعيش في ساحاته ونكون من شيعته ومن جنده وحزبه، فعلينا أن نلتزم شعاره، وهو الحق، "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، ومن الطبيعي أن الإنسان إذا أراد أن يدخل إلى المدينة، فإنه لا يستطيع الدخول إليها إلا من خلال الباب. لذلك، علينا أن نتعلم من علم عليّ ونتحرك مع عقله.

سلوني قبل أن تفقدوني

إنّ مشكلة الناس في زمن علي(ع)، كانت في أنهم لم ينفتحوا على علمه ولم يقدروا أهميته، كالكثيرين من الناس الذين ينكرون أهمية صاحب الموقع العلمي عندما يعيش معهم، ويتحركون مع أكثر من جاهل. وقد عبّر علي(ع) عن سخطه من هذه الحالة، فكان يخرج إلى الصحراء ويتأفف ويقـول: "إن ها هنا - ويشير إلى صدره - لعلماً جماً لو وجدت له حملة"، ولكن لم يجد حملة لعلمه الذي كان يسمو ويرتفع، حتى أنه كان يقول: "لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"، كان يريد للناس أن يتعلموا منه باستمرار، وكان يحضهم على التعلم: "سلوني قبل أن تفقدوني، فإني بطرق السماء أعرف منّي بطرق الأرض".

"أنت مني بمنزلة هارون من موسى"

لهذا، لا بد للذين ينتمون إلى عليّ، أن يحملوا علمه وعقله وفكره للناس. وقد أنفرد النبي (ص) بأقوال لعلي لم يخص بها أحداً: "يا عليّ، أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي"، كيف كان موقع هارون من موسى؟ {واجعل لي وزيراً من أهلي* هارون أخي * أشدد به أزري* وأشركه في أمري * كي نسبّحك كثيراً * ونذكرك كثيراً}، وهكذا قال له في "يوم الغدير"، ولم يقلها إلاّ له مع كثرة أصحابه: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار". كان يريد لعليّ(ع) أن يحمل الرسالة من خلال المسؤولية الفعلية، بعد أن حملها في عقله وقلبه وسيفه وكل خطواته، حتى كان (ع) الرسالة مجسّدة.. ولكن القوم لم يفهموا عليّاً، كانوا يتحدثون عن شباب عليّ وعن شيخوخة بعض الناس، كأن للشيخوخة دوراً في المسؤولية، وقد ينطلق الشباب في علم لا يملكه الشيوخ، كما جاء في القرآن الكريم: {يا أبتِ إني قد جاءني - وإبراهيم في أول صباه - من العلم ما لم يأتك فاتّبعني أهدك صراطاً سويا}. وبالرغم من عدم اتباعهم لعلي(ع)، إلاّ أنه (ع) الرسالي خدم الرسالة وحماها، وساعد الذين أبعدوه عن المسؤولية، لأنهم وقفوا في موقع الرمز، فأعطاهم الفكر والعلم والمشورة والنصيحة، ولم يتعقّد كما يتعقّد الذين يبتعدون عن المواقع ضد الذين أخذوا مواقعهم.

لنبق مع القضية

كان عليّ (ع) - ولنتعلّم منه ذلك - يشعر أنه مسؤول عن الإسلام وهو خارج الخلافة، كما هو مسؤول عنه وهو في سدّة الخلافة. فلنتعلّم أننا إذا كنا نؤمن بفكرة أو قضية، وأُبعدنا عن الموقع الذي نزعم لأنفسنا أننا فيه، علينا أن نبقى مع القضية حتى لو عُزلنا عن مسؤوليتها من الناحية الفعلية. إن على الإنسان أن يخدم رسالته ويخدم خط الحق حتى لو رُجم بالحجارة، لأن مسؤوليته أمام الله هي أن يجاهد في سبيل الحق، سواء كان في موقع التصدي للمسؤولية أو لم يكن.

عنوانه المحبة

ومن صفات عليّ (ع)التي ينبغي أن نحملها، أنه كان لا يحمل الحقد في قلبه للذين يختلفون معه أو للذين أبعدوه عن موقعه، كان لا يعرف إلا الحب؛ يحب الذين يتفق معهم ليتعاون معهم على طاعة الله والدعوة إليه، ويحب الذين يختلف معهم ليهديهم إلى الحق ويتحاور معهم. فلنتعلّم من عليّ (ع) الذي تعلّم من رسول الله (ص)، أن لا نحمل الحقد في أنفسنا على مسلم، أن نتعلّم الحب، فأنه يرتفع بالإنسان إلى الإيمان وإلى الله، أن نتعلّم أن لا نتعقّد، فالرسالي الذي يحمل الرسالة في عقله وقلبه، لا يتعقّد من كلمة سباب أو شتيمة، وكان عليّ(ع) يسمع السباب والشتائم، فكان يقول لأصحابه: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر"، وعندما سبّه بعض الخوارج، وكان في موقع القوة مع أصحابه، ونهض أصحابه ليقتلوا الخارجي، قال لهم: "رويداً، إنما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب، وقد عفوت عنه"..

خلقه خلق رسول الله(ص)

هذا خلق عليّ (ع)، وهو خلق رسول الله (ص). إن عليّاً يعلّمنا، بصدره الواسع وبخلقه العظيم، كيف نبني مجتمعاً قائماً على أساس المحبة والحوار. لو قرأنا نهج البلاغة، لرأيناه المحاور دائماً، فقبل أن يبدأ الحرب مع معاوية، حاوره في كل شيء في عشرات الكتب والرسائل، وعندما انتفض عليه الخوارج، حاورهم بالصغير والكبير مما كانوا يتحدثون إليه فيه. ولذلك، علينا أن نتعلّم، عندما نختلف في السياسة أو الاجتماع أو في المذهب أو في أي جانب، أن لا نسب ولا نشتم ولا نلعن، بل نحاور ونقيم الحجة أمام الحجة، والكلمة الطيبة أمام الكلمة السيئة.

إننا عندما نذكر عليّاً (ع)، نشعر أننا نرتفع ونسمو إلى حيث ارتفع وسما حتى أصبح قريباً إلى الله، لا نستطيع أن نذكر علياً إلا ونذكر أنه قد بلغ القمة في الروح والعقل والخلق والجهاد، وفي كل شيء، أحب الله ورسوله وأحبه الله ورسوله، فتعالوا لنأخذ من عليّ ذلك كله ونقترب إليه، "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن - يا شيعتي، أيها المسلمون - أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد".

شهادة في علي(ع)

بعد أن ارتفع عليّ (ع) إلى الرحاب العليا عند الله، جاء أحد أصحابه وهو ضرار بن حمزة الضبابي، وافداً إلى معاوية، وأراد منه أن يصف له علياً، فقال له: اعفني، فأصرّ عليه، فقال له: ما أصف فيه، كان والله شديد القوى، بعيد المدى، يتفجّر العلم من جوانبه، والحكمة من أرجائه، حسن المعاشرة، سهل المباشرة، خشن المأكل، قصير الملبس، غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفه ويخاطب نفسه، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا سكتنا، ونحن مع تقريبه لنا أشدّ ما يكون صاحب لصاحب هيبة، لا نبتدئه الكلام لعظمته، يحب المساكين ويقرّب أهل الدين"..

ثم أراد أن يعطيه فكرة عن روحانية عليّ (ع)، فقال: "فاشهد، لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم - الملسوع المضطرب - ويبكي بكاء الحزين، ويقول: "أي دنيا، إليك عني، أبي تعرضت، أم إليّ تشوّفتِ، لا حان حينك، هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلّة الزاد وطول الطريق وبُعد السفر وعظيم المورد".

"فزت وربّ الكعبة"

في مولد أمير المؤمنين (ع) الذي وُلد في الكعبة، وعاش وهو يحمل رسالة عبادة الله فيها،مخلصاً لها بإخلاصه للإسلام، فهو الذي قام بتكسير الأصنام التي نصبت حولها، بعد أن لحقت الهزيمة بالأصنام البشرية، وهو الذي بقي مع الكعبة التي أعطت معناها لكلمسجد وبيتمن بيوت الله.. وكانت الولادة في الكعبة والشهادة في محرابه في مسجد الكوفة، وهو يؤكد على فوزه الكبير: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة".. وكانت حياته كلها سجوداً لله. في ذكرى هذا المولد، علينا أن نتعلم كيف نعيش مع عليّ(ع) هذا الإخلاص لله وللإسلام وللمسلمين.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في ما حمّلكم من مسؤولية تنمية عقولكم والعمل على تربيتها، فالله يريد للإنسان أن يقوي عقله، لأنه بالعقل يعرف الإنسان ربه ودربه ونبيه ومسؤوليته في الحياة. اتقوا الله، ولتكن التقوى في عمق قلوبكم، حتى لا تحمل قلوبكم إلا الخير والمحبة للناس كلهم، لأن الله يريد لنا أن نلتقيه غداً بقلب سليم من كل شرك وكفر، ومن كل عداوة وحقد وبغضاء {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}.

اتقوا الله في كل حياتكم وأعمالكم وأقوالكم، حتى لا تقولوا أو تعملوا إلا العمل والقول الذي يحبه الله، حتى تكون حياتكم كلها منفتحة على الإيمان والعمل الصالح.. اتقوا الله في كل ما تعيشونه في ساحة التحديات، لتكونوا قوة ضد الكفر والشرك والظلم و الاستكبار، لأن الله تعالى أرادنا أن نكون مع الصادقين والمسلمين والمستضعفين والمظلومين، وعلينا أن نمتلك الوعي الكامل الذي نميّز من خلاله المستكبرين لنرفضهم، والمستضعفين لنقف معهم، والساحة تشهد صراعاً حاداً على مستوى العالم بين المستضعفين والمستكبرين، وبين الكافرين والمسلمين، فتعالوا لنتعرّف أين هي خطوات الاستكبار في مواجهة المستضعفين.

معالم الخطة الأمريكية

لا بدّ، في معرض الرصد للتحديات التي تواجه الأمة في قضاياها ومستقبلها، أن نظل في حركة مراقبة دائمة للسياسة الأمريكية في المنطقة، التي تتبنى الأهداف الإسرائيلية ومصالح العدو جملة وتفصيلاً. وتتجلى نقاط التحرك الأمريكي في هذه المرحلة على الشكل التالي:

أ ـ دعم مطلق لإسرائيل

1 - الدعم المطلق لإسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، لتبقى الدولة الأقوى في المنطقة، فتملك كل الوسائل للضغط على العرب، لتكون التسوية لحساب الخطة الصهيونية - الأمريكية على حساب القضايا العربية ومصالح شعوبها.

ب ـ إرباك العلاقات العربية ـالعربية

2 - التـحـرك في ساحـة السياسـة العربية من أجل إرباك العلاقات العربية - العربية، وإدخال إسرائيل على خط التعقيدات العربية، لتنفذ من أكثر من نافذة للتطبيع أو من خلال سياسة المكاتب الاقتصادية في هذا البلد العربي أو ذاك، لإضعاف التماسك العربي ومنع انعقاد أية قمة عربية من شأنها أن تبحث قضايا الأمة المصيرية.

ج ـ تعقيد العلاقات الإيرانية ـ العربية

3 - الدخول - دائماً - على خط العلاقات الإيرانية - العربية، لا سيما الخليجية، من خلال حركة الزيارات والمواقف الأمريكية، التي كان آخرها زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى الخليج، وقوله بأن إيران "تمثل خطراً على استقرار المنطقة".. ونحن نعرف أن إيران قد أعلنت أكثر من مرة أن تسليحها ليس موجهاً لأية دولة من الدول العربية والإسلامية، ولا سيما دول الخليج، بل إنها عرضت على هذه الدول إيجاد تحالف عسكري معها لحماية أمن الخليج..

إن أمريكا تسعى لإيجاد حالة من الإرباك والشك والتخويف، لا سيما في هذه المرحلة التي تشهد فيها العلاقات الإيرانية - الخليجية تقدماً واستقراراً، وذلك من أجل تسويق سلاحها في المنطقة وبيعه بأغلى الأثمان، في الوقت الذي لا تحتاج فيه هذه الدول إلى هذه الكمية من السلاح.. وإننا ندعو دول الخليج إلى أن تعي هذه الخدعة الأمريكية، لأن علاقاتها الإقليمية، لا سيما مع إيران، هي الأساس في الحصول على الأمن والاستقرار السياسي والمكاسب الاقتصادية..

و ـ حصار الشعب العراقي

4 - الضغط على الشعب العراقي وتجويعه وإطباق الحصار عليه، تحت حجة الضغط على النظام، والقصف المستمر على العراق بما يزيد من آلام شعبه، وخداع المعارضة العراقية بزعمها أنها تقف معها في مواجهة النظام، في الوقت الذي نعرف فيه سياسة النفاق الأمريكي في هذه المسألة..

هـ ـ إبقاء العرب في موقع الضعف

5 - التحرك الأمريكي في الضغط على أكثر من دولة ومنعها من بيع السلاح - حتى الدفاعي - لسوريا وإيران، كوسيلة من وسائل المحافظة على بقاء إسرائيل في موقع القوة، والعرب في موقع الضعف..

إن أمريكا تمثل الدولة التي تضغط على الشعوب العربية والإسلامية بخططها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعلينا أن نعي ذلك ونقف في مواجهة هذه السياسة بكل الوسائل الممكنة، لإسقاط الخطط التآمرية على حاضرنا ومستقبلنا.

الشيشان: الوحشية الروسية

ونطل على وضع المسلمين في "الشيشان" الذين يتعرضون منذ مدة لعملية إبادة من قِبَل الجيش الروسي، بحجة "مكافحة الإرهاب"، في الوقت الذي نعرف فيه جيداً أن القضية هي قضية المطالبة الشعبية بتقرير المصير، وقد عرض المسؤولون الشيشانيون الدخول في مفاوضات مع روسيا ولكنها قابلتهم بالقوة، وذلك من أجل الحصول على مكاسب في السياسة الداخلية، والضغط على إرادة المسلمين في التحرر وتقرير المصير..

إننا نطالب الشعوب الإسلامية، وكل الأحرار في العالم، بالوقوف مع هذا الشعب المستضعف الذي يتعرض للتشريد وللإبادة من قِبَل النظام الروسي، وإننا في الوقت الذي نريد فيه للعلاقات العربية والإسلامية - الروسية أن تكون متوازنة، فإننا لن نصبر على هذه المجزرة الرهيبة الوحشية التي يتعرض لها المسلمون، ونريد لروسيا إعادة النظر في هذه القضية الحسّاسة..

خداع إسرائيل للفلسطينيين

وفي هذا الجو، لا تزال إسرائيل تتحرك في الدائرة الفلسطينية، بأساليب الضغط المختلفة على الفلسطينيين عسكرياً وأمنياً واستيطانياً، وبالخداع السياسي الذي يتحرك في أكثر من موقع دولي وإقليمي، وبالدخول في متاهات التفاصيل الصغيرة التي لن تصل إلى نهاية..

إسرائيل وإرباك المفاوضات

أما في الدائرة اللبنانية - السورية، فإن التصريحات المتناقضة حول مسألة الانسحاب من الجنوب والجولان، تعمل لإثارة الضباب وخداع الرأي العام العالمي بطريقة توحي فيها بأنها تبحث عن السلام، ولكنها في الواقع تعمل على إرباك قضية المفاوضات بحيث لا تقف في دائرة الوضوح..

وتبقى الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية من خلال القصف المدفعي والغارات الجوية والحصار للقرى والبلدات المحتلة، كأسلوب من أساليب عرض العضلات لتغطية المأزق الذي يعانيه العدوّ من خلال الاحتلال..

الارتفاع إلى مستوى التحدي

إن علينا مواجهة العدو بالمقاومة المتحركة من أجل طرده من الأرض، وحصار جنوده في مواقعهم، وإسقاط عملائه في كل حركتهم، وبالوحدة الوطنية الشعبية والرسمية التي تقف مع المجاهدين، وبالموقف العاقل المتوازن الواعي للارتفاع إلى مستوى التحديات الكبرى، لحلّ الكثير من الملفّات الداخلية التي من شأنها أن تصرف النظر عن تهديدات العدو، ولا سيما تلك التي تُفتح لحساب رفع درجة السجال، ولا تُقفل إلا من خلال الحسابات الشخصية بعيداً عن حسابات الوطن..

لا تبددوا وحدتكم بالتفاهات

ثم، هناك الأمور الحياتية التي لا تحتمل التأجيل، ولا مصلحة لإدخالها في متاهات السجال لكي يكسب منها هذا الطرف أو ذاك.. إننا ندعو لحلّ هذه الأمور بعيداً عن المتاهات، وعلى رأسها قضية المعلمين الذين ندعو لإنصافهم وإعطائهم حقوقهم بما يتناسب مع حاجاتهم وإمكانات الدولة، ليُنـزع فتيل من فتائل الأزمات الداخلية المتلاحقة..

أيها اللبنانيون: إن البلد بحاجة إلى كل طاقاتكم، وإلى كل وحدتكم، فلا تبددوها بالتفاهات والحسابات الصغيرة التي تأكل القضايا الكبيرة.

ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، وقال في خطبته الأولى:

 

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد}. يقول المفسّرون إن هذه الآية نزلت في عليّ (ع) بعد أن بات على فراش النبي (ص) ليغطي انسحابه ليلة الهجرة. وعندما ندرس شخصية علي (ع)، فإننا نجد أن هذه الآية هي أفضل آية تتحدث عن سرّ شخصيته(ع)، حيث عاش حياته كلها مجاهداً في سبيل الله، بالكلمة والفكرة والسيف والموقف.

باع نفسه لله

ومن يدرس حياة عليّ (ع)، يجد أنه لم يحصل على لحظة راحة يسترخي فيها كما يسترخي الناس عندما يتعبون، كان (ع) المتعَب دائماً، لما بذله من جهد مع رسول الله (ص)، حيث كان يتعلّم منه ويستمع إلى الوحي وهو ينـزل عليه، وكان يقف إلى جانبه فداءً له في كل المواقف، كل ذلك من أجل حماية الواقع الإسلامي. كان سرّه (ع) أنه باع نفسه لله، فلم يفكر إلا به، حتى أنه عندما فكّر برسول الله(ص) وآمن به وأخلص له، فلأنه رسول الله الذي أرسله واصطفاه وأحبه وأراد له أن يخرج الناس من الظلمات إلى النور.

لذلك، إذا أردتم أن تبحثوا عن سرّ عليّ (ع) فسرّه هناك: {ومن الناس من يشري نفسه - يبيع نفسه - ابتغاء مرضاة الله}.. ورأيناه وهو يتحدث مع الناس زمن خلافته، فكان يقول لهم: "ليس أمري وأمركم واحداً - إن آفاقي تختلف عن آفاقكم، لأن آفاقكم تضيق في دائرة أنفسكم، أما آفاقي فإنها تتسع لله - إنني أريدكم لله وأنتم تريدونني لأنفسكم"، لن أكون لكم بحيث أعصي الله لترضوا، ولكني عندما أكون لله، أكون لكم، لأخدمكم وأوجّهكم وأعظكم، ولأفتح لكم طريق الاستقامة الذي يؤدي بكم إلى الله.. هكذا كان عليّ (ع).

في كنف الرسول(ص)

وليس هناك من الصحابة ولا من أهل بيت النبي (ص) شخص ربّاه رسول الله (ص) بكله كعلي(ع)، ربّى عقله وقلبه وأخلاقه وسلوكه، كان معه منذ طفولته، كان يضمه إليه ويمضغ الشيء ثم يلقمه لعليّ، كان يلقي إليه في كل يوم خلقاً من أخلاقه وعلماً من علومه، وكان إذا نزل الوحي على رسول الله، يرى علي(ع) الوحي ويسمعه ، كما قال له رسول الله(ص) في ما رواه عنه: "إنك تسمع ما أسمع وترى ما أرى، ولكنك لست بنبي"..

لنلتزم نهج علي(ع)

ولم نجد شخصاً من صحابة رسول الله (ص) تحدث عنه النبي منذ بداية الرسالة كما تحدث عن عليّ (ع)، ومن أقواله (ص): "عليّ مع الحق والحق مع عليّ يدور معه حيثما دار". ولذلك - من خلال رسول الله - فإن كل ما قاله عليّ(ع) فهو الحق، وكل ما ادّعاه علي(ع) فهو الحق، وكل ما عمله عليّ(ع) فهو الحق، وكل ما أيده عليّ فهو الحق، وكل ما رفضه كان في سبيل الحق. فليس هناك فاصل بين عليّ وبين الحق، فمن أراد أن يدخل في حياة عليّ وكان مع الباطل، فإنه لن يجد له مكاناً إلى جنب عليّ(ع).

لذلك، إذا كنا نريد أن نكون مع عليّ(ع)، وإذا أردنا أن ننفذ إلى حياته ونعيش في ساحاته ونكون من شيعته ومن جنده وحزبه، فعلينا أن نلتزم شعاره، وهو الحق، "أنا مدينة العلم وعليّ بابها"، ومن الطبيعي أن الإنسان إذا أراد أن يدخل إلى المدينة، فإنه لا يستطيع الدخول إليها إلا من خلال الباب. لذلك، علينا أن نتعلم من علم عليّ ونتحرك مع عقله.

سلوني قبل أن تفقدوني

إنّ مشكلة الناس في زمن علي(ع)، كانت في أنهم لم ينفتحوا على علمه ولم يقدروا أهميته، كالكثيرين من الناس الذين ينكرون أهمية صاحب الموقع العلمي عندما يعيش معهم، ويتحركون مع أكثر من جاهل. وقد عبّر علي(ع) عن سخطه من هذه الحالة، فكان يخرج إلى الصحراء ويتأفف ويقـول: "إن ها هنا - ويشير إلى صدره - لعلماً جماً لو وجدت له حملة"، ولكن لم يجد حملة لعلمه الذي كان يسمو ويرتفع، حتى أنه كان يقول: "لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقيناً"، كان يريد للناس أن يتعلموا منه باستمرار، وكان يحضهم على التعلم: "سلوني قبل أن تفقدوني، فإني بطرق السماء أعرف منّي بطرق الأرض".

"أنت مني بمنزلة هارون من موسى"

لهذا، لا بد للذين ينتمون إلى عليّ، أن يحملوا علمه وعقله وفكره للناس. وقد أنفرد النبي (ص) بأقوال لعلي لم يخص بها أحداً: "يا عليّ، أنت مني بمنـزلة هارون من موسى إلاّ أنه لا نبي بعدي"، كيف كان موقع هارون من موسى؟ {واجعل لي وزيراً من أهلي* هارون أخي * أشدد به أزري* وأشركه في أمري * كي نسبّحك كثيراً * ونذكرك كثيراً}، وهكذا قال له في "يوم الغدير"، ولم يقلها إلاّ له مع كثرة أصحابه: "من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيثما دار". كان يريد لعليّ(ع) أن يحمل الرسالة من خلال المسؤولية الفعلية، بعد أن حملها في عقله وقلبه وسيفه وكل خطواته، حتى كان (ع) الرسالة مجسّدة.. ولكن القوم لم يفهموا عليّاً، كانوا يتحدثون عن شباب عليّ وعن شيخوخة بعض الناس، كأن للشيخوخة دوراً في المسؤولية، وقد ينطلق الشباب في علم لا يملكه الشيوخ، كما جاء في القرآن الكريم: {يا أبتِ إني قد جاءني - وإبراهيم في أول صباه - من العلم ما لم يأتك فاتّبعني أهدك صراطاً سويا}. وبالرغم من عدم اتباعهم لعلي(ع)، إلاّ أنه (ع) الرسالي خدم الرسالة وحماها، وساعد الذين أبعدوه عن المسؤولية، لأنهم وقفوا في موقع الرمز، فأعطاهم الفكر والعلم والمشورة والنصيحة، ولم يتعقّد كما يتعقّد الذين يبتعدون عن المواقع ضد الذين أخذوا مواقعهم.

لنبق مع القضية

كان عليّ (ع) - ولنتعلّم منه ذلك - يشعر أنه مسؤول عن الإسلام وهو خارج الخلافة، كما هو مسؤول عنه وهو في سدّة الخلافة. فلنتعلّم أننا إذا كنا نؤمن بفكرة أو قضية، وأُبعدنا عن الموقع الذي نزعم لأنفسنا أننا فيه، علينا أن نبقى مع القضية حتى لو عُزلنا عن مسؤوليتها من الناحية الفعلية. إن على الإنسان أن يخدم رسالته ويخدم خط الحق حتى لو رُجم بالحجارة، لأن مسؤوليته أمام الله هي أن يجاهد في سبيل الحق، سواء كان في موقع التصدي للمسؤولية أو لم يكن.

عنوانه المحبة

ومن صفات عليّ (ع)التي ينبغي أن نحملها، أنه كان لا يحمل الحقد في قلبه للذين يختلفون معه أو للذين أبعدوه عن موقعه، كان لا يعرف إلا الحب؛ يحب الذين يتفق معهم ليتعاون معهم على طاعة الله والدعوة إليه، ويحب الذين يختلف معهم ليهديهم إلى الحق ويتحاور معهم. فلنتعلّم من عليّ (ع) الذي تعلّم من رسول الله (ص)، أن لا نحمل الحقد في أنفسنا على مسلم، أن نتعلّم الحب، فأنه يرتفع بالإنسان إلى الإيمان وإلى الله، أن نتعلّم أن لا نتعقّد، فالرسالي الذي يحمل الرسالة في عقله وقلبه، لا يتعقّد من كلمة سباب أو شتيمة، وكان عليّ(ع) يسمع السباب والشتائم، فكان يقول لأصحابه: "إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر"، وعندما سبّه بعض الخوارج، وكان في موقع القوة مع أصحابه، ونهض أصحابه ليقتلوا الخارجي، قال لهم: "رويداً، إنما هو سبّ بسبّ، أو عفو عن ذنب، وقد عفوت عنه"..

خلقه خلق رسول الله(ص)

هذا خلق عليّ (ع)، وهو خلق رسول الله (ص). إن عليّاً يعلّمنا، بصدره الواسع وبخلقه العظيم، كيف نبني مجتمعاً قائماً على أساس المحبة والحوار. لو قرأنا نهج البلاغة، لرأيناه المحاور دائماً، فقبل أن يبدأ الحرب مع معاوية، حاوره في كل شيء في عشرات الكتب والرسائل، وعندما انتفض عليه الخوارج، حاورهم بالصغير والكبير مما كانوا يتحدثون إليه فيه. ولذلك، علينا أن نتعلّم، عندما نختلف في السياسة أو الاجتماع أو في المذهب أو في أي جانب، أن لا نسب ولا نشتم ولا نلعن، بل نحاور ونقيم الحجة أمام الحجة، والكلمة الطيبة أمام الكلمة السيئة.

إننا عندما نذكر عليّاً (ع)، نشعر أننا نرتفع ونسمو إلى حيث ارتفع وسما حتى أصبح قريباً إلى الله، لا نستطيع أن نذكر علياً إلا ونذكر أنه قد بلغ القمة في الروح والعقل والخلق والجهاد، وفي كل شيء، أحب الله ورسوله وأحبه الله ورسوله، فتعالوا لنأخذ من عليّ ذلك كله ونقترب إليه، "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن - يا شيعتي، أيها المسلمون - أعينوني بورع واجتهاد وعفّة وسداد".

شهادة في علي(ع)

بعد أن ارتفع عليّ (ع) إلى الرحاب العليا عند الله، جاء أحد أصحابه وهو ضرار بن حمزة الضبابي، وافداً إلى معاوية، وأراد منه أن يصف له علياً، فقال له: اعفني، فأصرّ عليه، فقال له: ما أصف فيه، كان والله شديد القوى، بعيد المدى، يتفجّر العلم من جوانبه، والحكمة من أرجائه، حسن المعاشرة، سهل المباشرة، خشن المأكل، قصير الملبس، غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلّب كفه ويخاطب نفسه، وكان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدئنا إذا سكتنا، ونحن مع تقريبه لنا أشدّ ما يكون صاحب لصاحب هيبة، لا نبتدئه الكلام لعظمته، يحب المساكين ويقرّب أهل الدين"..

ثم أراد أن يعطيه فكرة عن روحانية عليّ (ع)، فقال: "فاشهد، لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وهو قائم في محرابه، قابض على لحيته، يتململ تململ السليم - الملسوع المضطرب - ويبكي بكاء الحزين، ويقول: "أي دنيا، إليك عني، أبي تعرضت، أم إليّ تشوّفتِ، لا حان حينك، هيهات غرّي غيري، لا حاجة لي فيك، قد طلّقتك ثلاثاً لا رجعة فيها، فعيشك قصير، وخطرك يسير، وأملك حقير، آه من قلّة الزاد وطول الطريق وبُعد السفر وعظيم المورد".

"فزت وربّ الكعبة"

في مولد أمير المؤمنين (ع) الذي وُلد في الكعبة، وعاش وهو يحمل رسالة عبادة الله فيها،مخلصاً لها بإخلاصه للإسلام، فهو الذي قام بتكسير الأصنام التي نصبت حولها، بعد أن لحقت الهزيمة بالأصنام البشرية، وهو الذي بقي مع الكعبة التي أعطت معناها لكلمسجد وبيتمن بيوت الله.. وكانت الولادة في الكعبة والشهادة في محرابه في مسجد الكوفة، وهو يؤكد على فوزه الكبير: "بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله، فزت وربّ الكعبة".. وكانت حياته كلها سجوداً لله. في ذكرى هذا المولد، علينا أن نتعلم كيف نعيش مع عليّ(ع) هذا الإخلاص لله وللإسلام وللمسلمين.

 

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله في ما حمّلكم من مسؤولية تنمية عقولكم والعمل على تربيتها، فالله يريد للإنسان أن يقوي عقله، لأنه بالعقل يعرف الإنسان ربه ودربه ونبيه ومسؤوليته في الحياة. اتقوا الله، ولتكن التقوى في عمق قلوبكم، حتى لا تحمل قلوبكم إلا الخير والمحبة للناس كلهم، لأن الله يريد لنا أن نلتقيه غداً بقلب سليم من كل شرك وكفر، ومن كل عداوة وحقد وبغضاء {يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم}.

اتقوا الله في كل حياتكم وأعمالكم وأقوالكم، حتى لا تقولوا أو تعملوا إلا العمل والقول الذي يحبه الله، حتى تكون حياتكم كلها منفتحة على الإيمان والعمل الصالح.. اتقوا الله في كل ما تعيشونه في ساحة التحديات، لتكونوا قوة ضد الكفر والشرك والظلم و الاستكبار، لأن الله تعالى أرادنا أن نكون مع الصادقين والمسلمين والمستضعفين والمظلومين، وعلينا أن نمتلك الوعي الكامل الذي نميّز من خلاله المستكبرين لنرفضهم، والمستضعفين لنقف معهم، والساحة تشهد صراعاً حاداً على مستوى العالم بين المستضعفين والمستكبرين، وبين الكافرين والمسلمين، فتعالوا لنتعرّف أين هي خطوات الاستكبار في مواجهة المستضعفين.

معالم الخطة الأمريكية

لا بدّ، في معرض الرصد للتحديات التي تواجه الأمة في قضاياها ومستقبلها، أن نظل في حركة مراقبة دائمة للسياسة الأمريكية في المنطقة، التي تتبنى الأهداف الإسرائيلية ومصالح العدو جملة وتفصيلاً. وتتجلى نقاط التحرك الأمريكي في هذه المرحلة على الشكل التالي:

أ ـ دعم مطلق لإسرائيل

1 - الدعم المطلق لإسرائيل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً، لتبقى الدولة الأقوى في المنطقة، فتملك كل الوسائل للضغط على العرب، لتكون التسوية لحساب الخطة الصهيونية - الأمريكية على حساب القضايا العربية ومصالح شعوبها.

ب ـ إرباك العلاقات العربية ـالعربية

2 - التـحـرك في ساحـة السياسـة العربية من أجل إرباك العلاقات العربية - العربية، وإدخال إسرائيل على خط التعقيدات العربية، لتنفذ من أكثر من نافذة للتطبيع أو من خلال سياسة المكاتب الاقتصادية في هذا البلد العربي أو ذاك، لإضعاف التماسك العربي ومنع انعقاد أية قمة عربية من شأنها أن تبحث قضايا الأمة المصيرية.

ج ـ تعقيد العلاقات الإيرانية ـ العربية

3 - الدخول - دائماً - على خط العلاقات الإيرانية - العربية، لا سيما الخليجية، من خلال حركة الزيارات والمواقف الأمريكية، التي كان آخرها زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى الخليج، وقوله بأن إيران "تمثل خطراً على استقرار المنطقة".. ونحن نعرف أن إيران قد أعلنت أكثر من مرة أن تسليحها ليس موجهاً لأية دولة من الدول العربية والإسلامية، ولا سيما دول الخليج، بل إنها عرضت على هذه الدول إيجاد تحالف عسكري معها لحماية أمن الخليج..

إن أمريكا تسعى لإيجاد حالة من الإرباك والشك والتخويف، لا سيما في هذه المرحلة التي تشهد فيها العلاقات الإيرانية - الخليجية تقدماً واستقراراً، وذلك من أجل تسويق سلاحها في المنطقة وبيعه بأغلى الأثمان، في الوقت الذي لا تحتاج فيه هذه الدول إلى هذه الكمية من السلاح.. وإننا ندعو دول الخليج إلى أن تعي هذه الخدعة الأمريكية، لأن علاقاتها الإقليمية، لا سيما مع إيران، هي الأساس في الحصول على الأمن والاستقرار السياسي والمكاسب الاقتصادية..

و ـ حصار الشعب العراقي

4 - الضغط على الشعب العراقي وتجويعه وإطباق الحصار عليه، تحت حجة الضغط على النظام، والقصف المستمر على العراق بما يزيد من آلام شعبه، وخداع المعارضة العراقية بزعمها أنها تقف معها في مواجهة النظام، في الوقت الذي نعرف فيه سياسة النفاق الأمريكي في هذه المسألة..

هـ ـ إبقاء العرب في موقع الضعف

5 - التحرك الأمريكي في الضغط على أكثر من دولة ومنعها من بيع السلاح - حتى الدفاعي - لسوريا وإيران، كوسيلة من وسائل المحافظة على بقاء إسرائيل في موقع القوة، والعرب في موقع الضعف..

إن أمريكا تمثل الدولة التي تضغط على الشعوب العربية والإسلامية بخططها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وعلينا أن نعي ذلك ونقف في مواجهة هذه السياسة بكل الوسائل الممكنة، لإسقاط الخطط التآمرية على حاضرنا ومستقبلنا.

الشيشان: الوحشية الروسية

ونطل على وضع المسلمين في "الشيشان" الذين يتعرضون منذ مدة لعملية إبادة من قِبَل الجيش الروسي، بحجة "مكافحة الإرهاب"، في الوقت الذي نعرف فيه جيداً أن القضية هي قضية المطالبة الشعبية بتقرير المصير، وقد عرض المسؤولون الشيشانيون الدخول في مفاوضات مع روسيا ولكنها قابلتهم بالقوة، وذلك من أجل الحصول على مكاسب في السياسة الداخلية، والضغط على إرادة المسلمين في التحرر وتقرير المصير..

إننا نطالب الشعوب الإسلامية، وكل الأحرار في العالم، بالوقوف مع هذا الشعب المستضعف الذي يتعرض للتشريد وللإبادة من قِبَل النظام الروسي، وإننا في الوقت الذي نريد فيه للعلاقات العربية والإسلامية - الروسية أن تكون متوازنة، فإننا لن نصبر على هذه المجزرة الرهيبة الوحشية التي يتعرض لها المسلمون، ونريد لروسيا إعادة النظر في هذه القضية الحسّاسة..

خداع إسرائيل للفلسطينيين

وفي هذا الجو، لا تزال إسرائيل تتحرك في الدائرة الفلسطينية، بأساليب الضغط المختلفة على الفلسطينيين عسكرياً وأمنياً واستيطانياً، وبالخداع السياسي الذي يتحرك في أكثر من موقع دولي وإقليمي، وبالدخول في متاهات التفاصيل الصغيرة التي لن تصل إلى نهاية..

إسرائيل وإرباك المفاوضات

أما في الدائرة اللبنانية - السورية، فإن التصريحات المتناقضة حول مسألة الانسحاب من الجنوب والجولان، تعمل لإثارة الضباب وخداع الرأي العام العالمي بطريقة توحي فيها بأنها تبحث عن السلام، ولكنها في الواقع تعمل على إرباك قضية المفاوضات بحيث لا تقف في دائرة الوضوح..

وتبقى الاعتداءات الوحشية الإسرائيلية من خلال القصف المدفعي والغارات الجوية والحصار للقرى والبلدات المحتلة، كأسلوب من أساليب عرض العضلات لتغطية المأزق الذي يعانيه العدوّ من خلال الاحتلال..

الارتفاع إلى مستوى التحدي

إن علينا مواجهة العدو بالمقاومة المتحركة من أجل طرده من الأرض، وحصار جنوده في مواقعهم، وإسقاط عملائه في كل حركتهم، وبالوحدة الوطنية الشعبية والرسمية التي تقف مع المجاهدين، وبالموقف العاقل المتوازن الواعي للارتفاع إلى مستوى التحديات الكبرى، لحلّ الكثير من الملفّات الداخلية التي من شأنها أن تصرف النظر عن تهديدات العدو، ولا سيما تلك التي تُفتح لحساب رفع درجة السجال، ولا تُقفل إلا من خلال الحسابات الشخصية بعيداً عن حسابات الوطن..

لا تبددوا وحدتكم بالتفاهات

ثم، هناك الأمور الحياتية التي لا تحتمل التأجيل، ولا مصلحة لإدخالها في متاهات السجال لكي يكسب منها هذا الطرف أو ذاك.. إننا ندعو لحلّ هذه الأمور بعيداً عن المتاهات، وعلى رأسها قضية المعلمين الذين ندعو لإنصافهم وإعطائهم حقوقهم بما يتناسب مع حاجاتهم وإمكانات الدولة، ليُنـزع فتيل من فتائل الأزمات الداخلية المتلاحقة..

أيها اللبنانيون: إن البلد بحاجة إلى كل طاقاتكم، وإلى كل وحدتكم، فلا تبددوها بالتفاهات والحسابات الصغيرة التي تأكل القضايا الكبيرة.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية