وتفصيل أحكامه في مسائل:
م ـ638: إذا تم عقد البيع مستكملاً لشروطه وجب على كلٍّ من المتبايعين الوفاء لصاحبه وتسليمه ما التزمه، ويكفي في التسليم بذلُ البائع للمثمن والتخلي عنه وإزالة المانع من حيازة المشتري له واستيلائه عليه، وبذل المشتري الثمن كذلك للبائع، سواء كانت العين منقولة أو غير منقولة؛ فلا يجوز لكل واحد منهما تأخير التسليم مع الإمكان، إلا إذا كان قد اشترط ذلك أو رضي صاحبه بالتأخير، فإن امتنعا أجبرا، وإن امتنع أحدهما مع تسليم صاحبه أجبر الممتنع.
ثم إنه إذا قبض كل منهما ما بُذل له وسُلِّم إليه، فاستولى عليه وصار في عهدته، فقد خرج الباذل بقبض المبذول له عن ضمان ما قد يحدث على العين، ثمناً كانت أو مثمناً، ويتحقق القبض لغير المنقول بالتخلية وإزالة المانع، كما في التسليم، وللمنقول بالاستيلاء عليه زيادة على التخلية، وذلك بمثل أخذ الدينار، والإمساك بلجام الدابة، ونحو ذلك مما يختلف باختلاف المنقولات.
م ـ639: إذا بذل البائع المبيع فامتنع المشتري عن أخذه كفاه في الخروج عن عهدته والمسؤولية عنه إخراجه من حوزته بحيث يستطيع المشتري أخذه، فإن كان امتناعه لعجزه عن أخذه لمرضٍ أو نحوه وجب على البائع حفظه من باب )الحسبة(، والحسبة: )نوع من التكافل يقضي بلزوم تحمل تبعات معينة اتجاه الغير(، ومنها حفظ ماله من التلف في مثل هذا المورد، ولكنه إذا مضت أيام ثلاثة على بذله المبيع دون أن يتسلمه المشتري ولو لعذر، ولم يكن قد سلمه الثمن، ثبت له الخيار بين الفسخ والإمضاء. وهكذا الحال في الثمن لو بذله المشتري وامتنع البائع عن قبضه.
م ـ640: ما تقدم الكلام فيه في المسألتين السابقتين إنما هو فيما إذا كان المبذول عيناً شخصية، أما إذا كان المبذول ثمناً أو مثمناً كلياً، كأن يبيعه سيارة في الذمة بهذه الخمسة آلاف، أو يبيعه هذه السيارة بخمسة آلاف في الذمة، فإن حق المشتري مثلاً بذلك الكلي الذي في ذمة البائع لا يتعين في فرد خاص عند التسليم إلا برضاهما معاً؛ فإن اتفقا على تعيينه في فرد خاص، وبَذَلَهُ البائع فلم يأخذه صاحبه، كان له إلزامه بقبضه مع قدرته، فإن امتنع خلى بينه وبين المال وخرج عن عهدته، وإذا لم يأخذه لعذر بقي أمانة بيد البائع لا يضمنها إلا مع التعدي أو التفريط. ولو فرض أنهما اختلفا في تعيين فرد من الكلي، أو امتنع أحدهما من التعيين فالمرجع هو الحاكم الشرعي في فض الخصومة.
م ـ641: إذا اشترط أحدهما تأخير التسليم إلى وقت معين، فقد قلنا سابقاً: "إنه يجوز ذلك"؛ لكنَّ هذه المدة المشترطة لا يجوز أن تكون مجهولة أو مرددة دون تعيين، بل لا بد من تعيينها؛ إما بأجل مضبوط، كالأسبوع والشهر، أو بمجهول قابل للضبط، كموسم الحصاد، أو رجوع الحاج، أو يجعلها مستمرة باستمرار بقاء العين. وهذا النحو من التوقيت غير كاف في بيع الكلي المؤجل المصطلح عليه بـ )بيع السلف( بل لا بد فيه من ضبط الأجل بحد معلوم، كما سيأتي.
ثم إنه إذا حل الأجل وسلمه العين فلا كلام، وإن لم يسلمه تمرداً أو عجزاً كان المشروط له بالخيار بين الفسخ أو الإمضاء والصبر عليه حتى يسلمه.
م ـ642: إذا كان أحد العوضين مشغولاً بمتاع أو بضاعة لغير من انتقل إليه، وجب على المالك الأول إفراغه مما فيه عند تسليمه، إلا أن يشترط بقاءه فيه دائماً أو لمدة معينة، أو يرضى المالك الجديد ببقائها كذلك من دون اشتراط، ويكفي في الاشتراط تعارف تأخير الإخلاء إلى ما بعد التسليم والقبض في بعض الموارد، كما في الأرض المزروعة إذا بيعت قبل وقت الحصاد وبقي الزرع للبائع، أو الشاحنة تباع اليوم وفيها حمولة لا يمكن تفريغها إلا في وقت معين، وهكذا.
وإذا توقف تفريغه على التصرف بالعين بمثل هدم جزء من الجدار، أو إحداث ثقب في السقف أو خلع قفل أو كسر باب، فإن كان مثل هذه التصرفات متوقعة وملحوظة لم يجب استئذان المشتري، إلا إذا كان البناء العرفي أو غيره على استئذانه، كما وأنه لا يجب على البائع إصلاح الخراب إلا مع الاشتراط أو التعارف؛ وأما إذا لم يكن مثل هذا التصرف متوقعاً ولا ملحوظاً، بحيث لم يبتن البيع عليه، وجب على البائع استئذان المشتري وتحمل الخراب الناتج عن التفريغ، أو الاتفاق مع المشتري على حلٍ مرضٍ للطرفين، كشراء المشتري لما في المبيع ونحوه.
م ـ643: يجوز لكلٍّ من المتعاقدين اشتراط تأخير التسليم، كأن يبيعه السيارة الفلانية المعينة ويشترط تسليمها له بعد أسبوع مثلاً بالثمن الفلاني على أن يسلمه الثمن بعد أسبوع، سواء في ذلك ما لو كانت الأعيان فيه شخصية أو من نوع الكلي في المعين، أو من نوع الكلي في الذمة.
م ـ644: يصح أن يشترط البائع لنفسه أو لغيره سكنى الدار المباعة أو ركوب الدابة أو زراعة الأرض مدة معينة قبل تسليمها للمشتري، ويكون ذلك من باب اشتراط التأخير.
م ـ645: إذا طلب أحد المتبايعين من الآخر إرسال البضاعة أو ثمنها إلى مكان معين، أو طلب تسليمها إلى شخص معين، كان مجرد إرسالها إلى ذلك المكان المعين، أو تسليمها إلى ذلك الشخص المعين، بمنزلة قبض المالك الجديد، ويخرج به المرسل عن المسؤولية لو حدث على العين شيء حين نقلها إليه.
م ـ646: إذا تلف أحد العوضين أو كلاهما قبل القبض، فإن كان التلف بسبب طبيعي سماوي أو أرضي، أو بما يشبه السبب الطبيعي كالدابة الهائجة، كان تلفه من مال مالكه الأول، ثمناً كان أو مثمناً، وينفسخ به البيع ويبطل، وفي حكم التلف بالسبب الطبيعي ما لو تعذر الوصول إليه بسبب السرقة أو الغرق أو فرار مثل الطائر أو نحوه من الأسباب التي تبقى معها العين موجودة ولكن لا يمكن الوصول إليها، ولم يكن لها بدل يمكن الاستعاضة به عن التالف، وإلا لم يبطل، ولزم المالكَ دفعُ البدل.
وأما إذا كان التلف بفعلٍ بشري ممن يمكن الرجوع إليه في تدارك الخسارة، كأن يتلفه المالك نفسُه أو غيره فالأقوى صحة العقد، وحينئذ لو فرض أن التالف هو المثمن فإن للمشتري الخيار بين الاستمرار بالعقد والرجوع على المتلف وبين فسخ العقد لتعذر التسليم؛ وكذلك الحكم فيما لو كان التالف هو الثمن، فيثبت نفس الخيار للبائع.
هذا إذا تلف أحد العوضين كله، أما إذا كان جملةً له أفراد متعددة فتلف بعضها قبل القبض، بسبب طبيعي أو بشري، انفسخ البيع في المقدار التالف، ثمناً كان أو مثمناً، وأرجع ما يقابله من الثمن أو المثمن، وكان مَنْ تَلِفَ عليه المال بالخيار في الباقي بين الإمضاء أو الفسخ بخيار تبعض الصفقة.
م ـ647: إذا حصل نماء في المبيع بعد البيع فتلف الأصل قبل قبض المشتري له، كان النماء للمشتري بمقتضى العقد رغم انفساخه بعد التلف في موارد الانفساخ، فضلاً عما لو لم ينفسخ في الموارد الأخرى التي يوجب التلف فيها ثبوت الخيار؛ وكذلك الأمر لو حدث نماء في الثمن بعد البيع وتلف الأصل قبل قبض البائع له، فإن نماء الثمن للبائع بنفس النحو الذي ذكر لنماء المبيع.
م ـ648: إذا حدث في أحد العوضين عيب قبل القبض لم يبطل به البيع، وكان لمن تعيب عليه رد المعيب والمطالبة بفرد غير معيب، أو المطالبة بالأرش إذا لم يمكن الرد.