فضل الله لـصحيفة "أوان" الكويتيّة: أغلب علماء الإسلام يشاركون في الفوضى المذهبيّة

فضل الله لـصحيفة "أوان" الكويتيّة: أغلب علماء الإسلام يشاركون في الفوضى المذهبيّة

فضل الله لـصحيفة "أوان" الكويتيّة:

أغلب علماء الإسلام يشاركون في الفوضى المذهبيّة


أجرت صحيفة "أوان" الكويتيّة حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله، ألقى فيه الضّوء على واقع المسلمين وما يتهدّدهم من فتنٍ ومخاطر.

 وفيما يلي نصّ الحوار:


مستقبل العلاقة بين السنّة والشّيعة

س: الحديث الذي يتكرّر دائماً، والذي هو الآن محور الاهتمام، يتناول مستقبل العلاقة بين السنّة والشّيعة، والواقع السّائد في المنطقة، والمخاوف من حدوث فتنة مذهبيّة. هل أنتم من المتخوّفين في هذا المجال؟ وكيف السّبيل، في رأيكم، للخروج من هذه الحال التي يمكن أن تهدّد مصير الأمّة؟

ـ السيّد فضل الله: عندما ندرس الخلاف المذهبيّ الإسلاميّ في الخطوط المتّصلة بالجانب الكلاميّ والجانب الفقهيّ بين السنّة والشّيعة، فإنّنا لا نجد أنّ المسألة تتّصل ببعدٍ تاريخيّ عاشه المسلمون في كلّ تاريخهم ، لأن المسألة تتّخذ في طبيعتها الانتمائيّة كثيراً من التّعقيدات النّفسيّة، بعيداً عن الجانب العلميّ الموضوعيّ الذي انطلقت منه هذه الخطوط. والمجتمعات السنيّة والشّيعيّة لا تشغلها اليوم مسألة الإمامة والخلافة، الا بقدر بما يستدلّ به هذا الفريق على نظريّته، أو يستدلّ به الفريق الآخر على نظريّته، وقد اختصر هذا الواقع في محاولة إثارة السلبيّات التي قد تحصل من خلال هذا المجتمع بطريقته في التّعبير عن نظرته إلى الشّخصيّات التي يقدّسها هذا الفريق أو ذاك. فلم تعالج المسائل الخلافيّة بطريقة علميّة تتّخذ جانب الجدل العلميّ الكلاميّ أو الفقهيّ، إلا في بعض المراحل التاريخيّة السابقة، كما في الجدل الدائم بين الأشاعرة والمعتزلة والإماميّة في المسألة الكلاميّة، أو كما يحدث في قضيّة الإمامة والخلافة، حيث يرى فريق من المسلمين أنّ هناك نصّاً نبويّاً ثابتاً في تأكيد الإمامة، بينما يناقش الفريق الآخر في هذا النصّ.

ولذلك تداخلت المسألة من خلال الأوضاع السياسيّة من جهة، والأوضاع الاجتماعيّة من جهة أخرى، والحساسيّات التي كانت تحدث، حتى وصلت المسألة إلى حدّ التّكفير بين أتباع هذا المذهب أو ذاك، باعتبار أنّ قضايا التّكفير لم تعد تخضع لقاعدة إسلاميّة موضوعيّة، فيكفي أن تُكفّر مسلماً لمجرّد أنّه يختلف معك في تفسير نصّ قرآني، أو في توثيق نصّ نبويّ أو ما إلى ذلك، تقتنع به أنت ولا يقتنع به الآخر، ما أدّى إلى أن بعض الّذين ينتمون إلى الإسلام بهذه الذهنية، أصبحوا يستحلّون دماء المسلمين.

وهذا ما نلاحظه في الأوضاع الأخيرة التي انطلقت، ليقتل المسلمون بعضهم بعضاً، وليحكم هؤلاء بارتداد الطّرف الآخر، وليطبّقوا عليه الحكم بالارتداد. لذلك، فقد انتشرت هذه المسألة، من خلال دعوات التّكفير التي نجدها في بعض البلدان الإسلاميّة التي ينطلق فيها العلماء، وربما يتّفق معهم بعض المسؤولين، في مسألة النظرة إلى أتباع المذهب الشيعيّ، حتى إنّ هناك نوعاً من الإثارة في تعبير «الغزو الشيعيّ للمجتمع السنيّ»، تماماً كما لو كانت هناك حربٌ بين الطّرفين يغزو فيها أحدهما الآخر مثلاً، من دون تدقيق. وهكذا استُخدم الإعلام، واستُخدمت حتى السّياسة في هذا المجال أو ذاك.

كما أنّنا نلاحظ في الجانب الآخر، أنّ بعض الشّيعة ربما يتحرّكون ويتحدّثون بطريقة سلبيّة عن الخلفاء، فيمارسون أساليب السبّ أو الأساليب العنيفة التي تضعف موقعهم الإسلاميّ. وقد دخلت القضيّة السياسيّة في القضيّة المذهبيّة، وخصوصاً بعد التطوّرات التي حدثت في العالم الإسلاميّ، كالثّورة الإسلاميّة في إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان، والأوضاع الجديدة التي حدثت في العراق بعد الانقلاب على الطّاغية صدّام وما إلى ذلك، والذي استغلّته الدول الكبرى التي خطّطت من أجل أن ينشغل المسلمون بعضهم ببعض، وأن ينكفئوا إلى التّاريخ وينسوا الحاضر.

ولهذا، فقد رأينا هناك كثيرين ممّن بدؤوا يتحدّثون عن أنّ إيران هي العدوّ كونها دولةً شيعيّةً، بينما يتحدّثون عن إسرائيل العدوّة كدولة صديقة. وأنا أتذكّر في هذا المجال، كيف أنّ المشركين كانوا يسألون اليهود عن المسلمين؛ هل هم على حقّ أو نحن على حقّ؟ فكانوا يقولون: هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً، بحيث كانوا يفضّلون المشركين على المسلمين في هذا المجال، مع أنّ اليهوديّة تؤمن بالتّوحيد.
    البعض يتحدّث عن أنّ إيران هي العدوّ كونها دولةً شيعيّةً، بينما يتحدّثون عن إسرائيل العدوّة كدولة صديقة ، كما كان اليهود يفضّلون المشركين على المسلمين في هذا المجال، مع أنّ اليهوديّة تؤمن بالتّوحيد.

لذلك، تحوّلت المسألة إلى مسألة سياسيّة على المستوى الدّاخليّ الّذي يتحرّك به بعض المسؤولين الّذين يوجّهون الإعلام من أجل إثارة الحرب على الشّيعة في هذا المقام، ويعملون على إشغال المسلمين الذين يعانون من ضغط دول العولمة من جهة، ومن الاحتلال الأميركيّ للدّول الإسلاميّة من جهة أخرى، أو من خلال الوضع الإسرائيليّ الّذي يكاد يستولي حتّى قانونياً على فلسطين كلّها، تحت تأثير الدّعم الأميركيّ المطلق الذي ينطلق من أنّ أميركا تلتزم أمن إسرائيل بالمطلق، حتى ليخيّل إلينا أنها تلتزمه أكثر مما تلتزم أمن أيّ ولاية أميركيّة، وبالتّالي، فهي تعمل على أن تبقى إسرائيل في موقع التفوّق النوعيّ الّذي يستطيع أن يسيطر على المنطقة، ويمدّ يده الطويلة إلى أيّ مكان، كما لاحظنا ذلك في قصفه المواقع السوريّة والمواقع السودانيّة، وتهديده العسكري لإيران وما إلى ذلك.

 ولهذا، فإن المسألة اختلطت فيها الجوانب السياسيّة بالجوانب المذهبيّة، وأصبحت تتحرك في  إثارة السلبيات بدلاً من إثارة الذهنيّات، أو إثارة الجدل العلميّ الذي يمكن أن يقارب بين المسلمين إذا لم يستطع أن يوحّد فيما بينهم.
لم تعالج المسائل الخلافيّة بطريقة علميّة تتّخذ جانب الجدل العلميّ الكلاميّ أو الفقهيّ

الإثارة المذهبيّة ودور علماء الدّي
ن

س: صحيحٌ أنّ الجانب السياسيّ له تأثير في موضوع الإثارة المذهبيّة، لكن ألا تعتقد أنّ كثيراً من رجال الدّين والعلماء المسلمين يتحمّلون مسؤوليّةً أيضاً، لأنهم ليسوا على مستوى المسؤوليّة في تعزيز أواصر الوحدة بين المسلمين؟

ـ السيّد فضل الله: من الطّبيعيّ جدّاً أنّ غالبيّة علماء الدّين الإسلاميّ يشاركون في إيجاد هذه الفوضى المذهبيّة، وفي إثارة الحقد المذهبيّ إلى حدّ التّكفير، فنحنُ نسمع من بعض العلماء في بعض البلدان العربيّة الإسلاميّة، أنهم يكفّرون علماء المسلمين الآخرين، ويفتون باستحلال دمائهم لأنهم كَفَرَة، ويرون أنّ الكافر ليس محترم الدّم، بينما لا يستحلّون دماء اليهود والنّصارى المقيمين في بلادهم، لأنهم أهل ذمّة ولأنهم أهل عهد وما إلى ذلك، مما قد يتحدّث به البعض. ونحن نعرف كيف كان بعض كبار علماء المسلمين يثير بين وقتٍ وآخر مسألة أنّ الشّيعة يسبّون الصّحابة، مع أنّه يعرف أنّ الكثيرين من العلماء الشّيعة الذين يتحمّلون المسؤوليّة عن الواقع الإسلاميّ كلّه، أصدروا الفتاوى بتحريم سبّ الصّحابة وتحريم الإساءة إلى أمّهات المؤمنين، وقد كنت واحداً منهم في هذا المجال، ولكنّهم لا يذكرون ذلك بالصّوت العالي. وقد أثاروا مسألة الغزو الشّيعيّ للمجتمعات السنّيّة، ووضعوا الكثير من الحواجز حول حركة الّذين ينتمون إلى المذهب الشيعيّ في هذا البلد أو ذاك. وقد قرأت مؤخّراً في بعض الصّحف المصريّة عن حرمة أن تتزوّج الفتاة المصريّة رجلاً شيعيّاً، باعتبار أنّ هذا الزواج ربما يجعلها تنجذب إلى المذهب الشيعيّ، وهذا ما يترك تأثيراً سلبيّاً على المجتمع السني المصريّ وما إلى ذلك. هذا إضافةً إلى إيجاد حركة إعلاميّة تحاول استكمال هذا الجوّ بالتوافق مع حركة عسكريّة وحركة سياسيّة.

 ولذلك، لا تكاد دعوة التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة أو الوحدة الإسلاميّة تنطلق، حتّى نسمع كثيراً من الأصوات التي تنطلق في خلفيّاتها من خلال الخطط الغربيّة، وفي مقدّمها الخطّة الأميركية، إضافةً إلى الخطّة الإسرائيليّة، لإيجاد الموانع والحواجز في طريق هذه الدّعوة.

 ونحن نقول للمسلمين جميعاً، سنًّة وشيعةً، إنّ المشكلة التي نواجهها الآن في هذه المرحلة، هي أنّ المطلوب هو رأس الإسلام، وليس رأس السنّة أو الشّيعة، وهذا ما لاحظناه في الحرب الثقافية التي واجهناها كمسلمين في الغرب. كما أنني سمعت من بعض المسؤولين الكبار من الجامعة العربية، أنّ أميركا تريد تدمير الإسلام.

 لذلك، فإنّنا نعتقد أنّ المسلمين إذا كانوا يريدون أن يحافظوا على معنى الأمّة الإسلاميّة، فعليهم ألا يتحدّثوا عن أكثريّة مذهبيّة مقابل أقليّة مذهبيّة، وألا يثيروا الحساسيّات والسلبيّات هنا وهناك، بل عليهم أن يعملوا على تجميد كثيرٍ من السلبيّات والحساسيّات، وأن يندفعوا إلى الأرض الإسلاميّة لكي يعالجوا كثيراً من القضايا المثيرة للخلاف، حتى يمكنهم أن يوحّدوا العالم الإسلامي، لأنّنا نلاحظ الآن أنّ العالم الإسلامي الذي يمثّل خمس العالم، ليس له أيّ دورٍ في القرارات المصيريّة في العالم، بل إنّه ليس له دور في تقرير مصيره ومصير البلاد الإسلامية.

 ونحن نتابع الأوضاع السياسيّة، بحيث إنّنا نتطلّع إلى رئيسٍ أميركيّ يخلف رئيساً أميركياً آخر، ونتحدّث عن الآمال في تغيير الواقع السياسيّ عندنا من خلال هذا الرّئيس، لأنّه يعرف كيف يخاطب مشاعرنا وأحاسيسنا، تماماً كما هي الحال في الخطابات التي تحدّث بها الرئيس أوباما في القاهرة وفي تركيا وخاطب بها المسلمين، ولكنّنا في الوقت نفسه، نرى أنّ الإدارة الأميركية تقف مع إسرائيل بكلّ قوّة، حتى إنّ هذه الإدارة تطلب من المسلمين أن يقوموا بعمليّات التّطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل أن تجمّد إسرائيل الاستيطان، لا مقابل إزالة المستوطنات والإقرار بحقّ العودة للفلسطينيين أو ما أشبه ذلك.
نقول للمسلمين جميعاً إنّ المطلوب هو رأس الإسلام، وليس رأس السنّة أو الشّيعة

لا حروب مذهبيّة في المنطقة


س:هل يعني هذا أنّكم متخوّفون من الفتن ودخول المنطقة في حروب مذهبيّة انطلاقاً من لبنان؟

ـ السيّد فضل الله: هناك فارقٌ بين الحديث عن الخوف والحديث عن الحذر. إنّني أتصوّر أنّ المرحلة الآن في المنطقة، ولا سيّما في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، ليست مرحلة العنف أو الفتن الأمنيّة الحادّة، لأنّ هناك مصلحة للدّول التي تسيطر على مقدّرات المنطقة في أن تبقى في حالٍ من الاستقرار القَلِق والهدوء الحَذِر، ولكن لا بدّ لنا من أن نعيش الحذر؛ أوّلاً، من جهة أنّ إسرائيل عندما تجد أنّ المقاومة أصبحت في وضعٍ من القوّة، بحيث تهدّد العنفوان الإسرائيليّ عندما تحدث بعض التطوّرات بين إسرائيل ولبنان مثلاً، أو بين إسرائيل والفلسطينيّين، ونعرف أنّ أميركا تتحرّك مع إسرائيل، بحيث إنّ كلّ حربٍ إسرائيليّة هي حرب أميركيّة، فإنّ علينا أن نواجه المسألة بحذر، باعتبار أنّه قد تحدث هناك بعض الأوضاع التي قد تجد إسرائيل مصلحةً في إثارتها على طريقتها، من خلال إثارة بعض الأمور التي قد تصنع حرباً أو قد تثير مشكلةً ما في هذا المجال.

لذلك، لا بدّ لنا من أن نكون حذرين، وأن نراقب الوضع الإقليمي، باعتبار أنّ الواقع العربيّ أصبح يتحرّك في الخطّ الإسرائيليّ في مواجهة الخطّ الإيرانيّ. لذلك، هناك نوعٌ من التّنسيق بين إسرائيل وبعض الدّول العربية، وهذا ما لاحظناه في حرب غزّة الّتي واجه فيها الشّعب الفلسطينيّ عمليّة الإبادة من دون أن يقف العرب وقفةً حازمةً، حتى على مستوى استدعاء السّفير المصريّ أو السّفير الأردنيّ أو الأشخاص أو المواقع الاقتصاديّة في هذا البلد أو ذاك، ورأينا كيف أنّ مسألة غزّة أصبحت مسألةً تدخل في الخلافات العربيّة بدلاً من أن تدخل في توحيد العالم العربيّ.
إنّ المرحلة الآن في المنطقة، ليست مرحلة العنف أو الفتن الأمنيّة الحادّة، لأنّ هناك مصلحة للدّول التي تسيطر على مقدّرات المنطقة في أن تبقى في حالٍ من الاستقرار القَلِق والهدوء الحَذِر.

الخلافات العربيّة ـ العربيّة

س: هل تلاحظ أنّ الخلافات العربيّة لها جذورٌ مذهبيّة؟

ـ السيّد فضل الله: أنا لا أعتقد أنّ الخلافات العربيّة تنطلق من جذورٍ مذهبيّة، بل من خلال كونها جزءاً من الخطّة الأميركيّة التي تحاول أن تجمع العرب أو دول الاعتدال العربيّ، كما يسمّونها، حول إسرائيل لتواجه المسألة الإيرانيّة.

الفكر الخرافيّ

س: سمعناك في الفترة الأخيرة تتحدّث عن ظاهرة الفكر الخرافيّ في الإسلام، وتدعو إلى محاربة هذه الظّاهرة. ماذا تقصد بالخرافة؟

ـ السيّد فضل الله: نحن نلاحظ أنّ كثيراً من الذهنيّات التي يتحرّك بها بعض المحسوبين على الدّين هي ذهنيّات خرافيّة، وربما لاحظنا أنّ هناك بعض الفضائيّات المتخلّفة تتحرّك في هذا الاتجاه، حتى تؤدّي إلى أن تملأ الذهنيّة الإسلاميّة العامّة بالوحل الفكريّ . ونلاحظ أيضاً أنّ هناك فضائيّات تحاول التحرّك في عمليّة الإثارة، كعمليّة السبّ وعمليّة التكفير والإساءة وعملية العيش في التاريخ بدلاً من العيش في الواقع، ولا يلتفتون إلى قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(البقرة:134).

معالجة قضايا العرب والمسلمين!

س:ألا يجب أن يكون هناك شيءٌ اسمه خطّ أحمر يلتزمه العرب والمسلمون في معالجة قضاياهم؟

ـ السيّد فضل الله: لقد سقطت كلّ الخطوط الحمراء في العالم العربيّ في القضيّة الإسرائيلية، فأصبحت الخطوط الحمراء مع إسرائيل خطوطاً خضراء، ولذلك رأينا بعض الدول العربيّة تحاول أن توجد مبرّرا لذهاب الرسميّين إلى إسرائيل بعناوين متعدّدة، ومنها مثلاً؛ إنقاذ بعض مواطنيها الّذين اعتقلتهم إسرائيل في السّفينة الذّاهبة إلى غزّة. كما أنّنا سمعنا تصريحاً لبعض المسؤولين العرب بأنّه لا بدّ لنا من أن نعمل على التّطبيع مع إسرائيل. ونحن نعرف أنّ هناك كثيراً من الدّول العربيّة تعمل على التطبيع مع إسرائيل تحت الطاولة، وربما تقفز إلى فوق الطّاولة عندما تتغيّر الظّروف.

 ولهذا، فإنّنا نتصوّر أنّ الخطوط الحمراء قد سقطت، وأنّ المشكلة العربيّة ـ العربيّة تنطلق من الحساسيّات العربيّة العربيّة، سواء بين الشّخصيات المسؤولة أو بين بعض الأوضاع المتحرّكة في علاقة هذه الدّولة بتلك الدّولة.

س: ما الّذي تراه حيويّاً وعمليّاً للخروج من هذه الحالة المذهبيّة على المستوى اللّبناني والعربيّ، هل هناك نوعٌ من شبكة اتّصال بينكم وبين مرجعيّات إسلاميّة أخرى لهذا الغرض؟

ـ السيّد فضل الله: أنا أعتقد أنّ المشكلة أصبحت أكبر من الحلّ، لأنها باتت ترتبط بالسّياسة الدوليّة التي تعمل على مصادرة عمليّة الاستقرار الثقافيّ والدينيّ والمذهبيّ في العالم العربيّ من جهة، والحساسيّات بين دولةٍ عربيّة وأخرى، والتي قد تؤدّي إلى المقاطعة بين العرب أنفسهم من جهة أخرى. فنحن نلاحظ أنّ بعض الدّول العربيّة الكبرى لا تمارس أيّ عملٍ يُضعف علاقتها مع إسرائيل، حتى رأينا كيف أنّ سفير مصر، التي انطلقت منها  الثّورة المصرية التي قامت من أجل مواجهة الاحتلال اليهوديّ لفلسطين، يستقبل رئيس وزراء العدوّ ورئيس كيانه أيضاً  الذين جاؤوا من أجل أن يحتفلوا معه بثورة يوليو العربية المصرية، كأنهم يقولون إنّنا نريد أن نغيّر مضمون هذا التّاريخ، ليكون تاريخاً ينفتح بعض قادته على إسرائيل أكثر مما ينفتحون على العالم العربيّ.

تعدّد المذاهب

س: هل تعتقد أنّ المسلمين قد أخفقوا في ترجمة مقولة إنّ المذاهب في الإسلام هي دليل صحّة وعافية؟

ـ السيّد فضل الله: نعم، الله تعالى يقول: {فإنْ تنازعْتُمْ في شَيْءٍ فردّوهُ إلى اللهِ والرّسول}[النّساء:59]. فالقضيّة الخلافيّة قضيّة فكريّة يمكن أن يلتقي فيها المسلمون على أساس الحوار الفكريّ الموضوعيّ ليصلوا إلى النّتيجة الحاسمة، باعتبار أنهم يؤمنون بالكتاب والسُنّة. ولكنّ المشكلة في هذا الاتجاه، هي أنّ المسلمين استغرقوا في مفردات الخلافات المذهبيّة، بحيث أصبحت المذاهب ديناً في ذهنيّة المتمذهبين بها أكثر من الأديان الأخرى، كأديان أهل الكتاب أو الدّين البوذيّ أو الهندوسيّ. فالسنيّ أو الشّيعيّ، ينظر إلى المسلم الآخر بما لا ينظر به إلى الهندوسيّ والبوذيّ واليهوديّ والنصرانيّ، باعتبار أنّ الحقد قد دخل في المسألة المذهبيّة، بحيث أصبحت المسألة حقداً ذاتيّاً وليست مسألة فكر والتزام إسلاميّ.

تـماهٍ سياسيّ بين أميركا وإسرائيل

س: هل كلامكم يعني أنّ هناك تماهياً سياسيّاً أمريكياً ـ إسرائيلياً؟

ـ السيّد فضل الله: السياسة الإسرائيلية هي نفسها السياسة الأميركيّة مع بعض المتغيرات البسيطة، كما أنّ أميركا تفكّر في أن تبقى إسرائيل تحكم المنطقة بكلّ الأسلحة المتطوّرة، بينما لا تمكّن أيّ بلد عربيّ من شراء سلاح متطوّر إلا وفق شروط ثقيلة. ونحن نلاحظ أنّ العالم الإسلامي الآن أصبح يخضع للتّحالف الإسرائيليّ الأميركيّ، وهذا ما نراه في أفغانستان وباكستان، و الفارق في العلاقات بين أميركا والهند، وبين أميركا وباكستان، هو أنّ باكستان لا تعتبر حليفةً لأميركا، لأنها لم تعترف بإسرائيل حتى الآن، وهذا ما يشبه الجريمة في نظر الأميركيّين. ولذلك، فإنّ المسلمين لا يملكون الآن تقرير مصيرهم في أمورهم الخاصّة.

 ونحن نلاحظ كيف أنّ الغرب انطلق بكلّ ما لديه من قوّة إعلاميّة وسياسيّة للضّغط على إيران في المسألة الأخيرة التي حدثت فيها بعد الانتخابات الرئاسيّة. ربما لا نريد الحديث عن أن هناك تدخّلاً غربياً، ولكنّ هناك حرباً إعلاميةً وسياسيةً، إضافةً إلى بعض التدخّلات غير المباشرة.

لذلك، نحن ندعو إلى الوحدة الإسلاميّة ولو على المستوى السياسيّ لا المستوى الاندماجي الكلّي بين المسلمين، حتى يكونوا قوّةً يملكون فيها أن يواجهوا الآخرين الذين يريدون مصادرة اقتصادهم كما في دول العولمة، أو مصادرة أمنهم كما في قضايا الاحتلال، أو مصادرة كلّ ثقافتهم.

 إنّنا نقول للمسلمين إنّ المسألة الآن هي أنّ الاستكبار العالميّ والكفر العالميّ يتحالفان من أجل إضعاف الإسلام وإسقاطه، فإذا كان لكم في الإسلام حاجة، فعليكم أن تبتعدوا عن كلّ هذه الأساليب السلبيّة التي تحاولون أن تسجّلوا فيها نقاطاً بعضكم على بعض، من دون أن تدرسوا الأخطار الضّخمة المقبلة من الخارج.
نحن ندعو إلى الوحدة الإسلاميّة ولو على المستوى السياسيّ ، حتى يكون المسلمون قوّةً يواجهون الآخرين الذين يريدون مصادرة اقتصادهم، أو مصادرة أمنهم.

بيروت ـ طارق ترشيشي

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 18 شعبان 1430 هـ  الموافق: 09/08/2009 م

فضل الله لـصحيفة "أوان" الكويتيّة:

أغلب علماء الإسلام يشاركون في الفوضى المذهبيّة


أجرت صحيفة "أوان" الكويتيّة حواراً مع سماحة العلامة المرجع، السيّد محمّد حسين فضل الله، ألقى فيه الضّوء على واقع المسلمين وما يتهدّدهم من فتنٍ ومخاطر.

 وفيما يلي نصّ الحوار:


مستقبل العلاقة بين السنّة والشّيعة

س: الحديث الذي يتكرّر دائماً، والذي هو الآن محور الاهتمام، يتناول مستقبل العلاقة بين السنّة والشّيعة، والواقع السّائد في المنطقة، والمخاوف من حدوث فتنة مذهبيّة. هل أنتم من المتخوّفين في هذا المجال؟ وكيف السّبيل، في رأيكم، للخروج من هذه الحال التي يمكن أن تهدّد مصير الأمّة؟

ـ السيّد فضل الله: عندما ندرس الخلاف المذهبيّ الإسلاميّ في الخطوط المتّصلة بالجانب الكلاميّ والجانب الفقهيّ بين السنّة والشّيعة، فإنّنا لا نجد أنّ المسألة تتّصل ببعدٍ تاريخيّ عاشه المسلمون في كلّ تاريخهم ، لأن المسألة تتّخذ في طبيعتها الانتمائيّة كثيراً من التّعقيدات النّفسيّة، بعيداً عن الجانب العلميّ الموضوعيّ الذي انطلقت منه هذه الخطوط. والمجتمعات السنيّة والشّيعيّة لا تشغلها اليوم مسألة الإمامة والخلافة، الا بقدر بما يستدلّ به هذا الفريق على نظريّته، أو يستدلّ به الفريق الآخر على نظريّته، وقد اختصر هذا الواقع في محاولة إثارة السلبيّات التي قد تحصل من خلال هذا المجتمع بطريقته في التّعبير عن نظرته إلى الشّخصيّات التي يقدّسها هذا الفريق أو ذاك. فلم تعالج المسائل الخلافيّة بطريقة علميّة تتّخذ جانب الجدل العلميّ الكلاميّ أو الفقهيّ، إلا في بعض المراحل التاريخيّة السابقة، كما في الجدل الدائم بين الأشاعرة والمعتزلة والإماميّة في المسألة الكلاميّة، أو كما يحدث في قضيّة الإمامة والخلافة، حيث يرى فريق من المسلمين أنّ هناك نصّاً نبويّاً ثابتاً في تأكيد الإمامة، بينما يناقش الفريق الآخر في هذا النصّ.

ولذلك تداخلت المسألة من خلال الأوضاع السياسيّة من جهة، والأوضاع الاجتماعيّة من جهة أخرى، والحساسيّات التي كانت تحدث، حتى وصلت المسألة إلى حدّ التّكفير بين أتباع هذا المذهب أو ذاك، باعتبار أنّ قضايا التّكفير لم تعد تخضع لقاعدة إسلاميّة موضوعيّة، فيكفي أن تُكفّر مسلماً لمجرّد أنّه يختلف معك في تفسير نصّ قرآني، أو في توثيق نصّ نبويّ أو ما إلى ذلك، تقتنع به أنت ولا يقتنع به الآخر، ما أدّى إلى أن بعض الّذين ينتمون إلى الإسلام بهذه الذهنية، أصبحوا يستحلّون دماء المسلمين.

وهذا ما نلاحظه في الأوضاع الأخيرة التي انطلقت، ليقتل المسلمون بعضهم بعضاً، وليحكم هؤلاء بارتداد الطّرف الآخر، وليطبّقوا عليه الحكم بالارتداد. لذلك، فقد انتشرت هذه المسألة، من خلال دعوات التّكفير التي نجدها في بعض البلدان الإسلاميّة التي ينطلق فيها العلماء، وربما يتّفق معهم بعض المسؤولين، في مسألة النظرة إلى أتباع المذهب الشيعيّ، حتى إنّ هناك نوعاً من الإثارة في تعبير «الغزو الشيعيّ للمجتمع السنيّ»، تماماً كما لو كانت هناك حربٌ بين الطّرفين يغزو فيها أحدهما الآخر مثلاً، من دون تدقيق. وهكذا استُخدم الإعلام، واستُخدمت حتى السّياسة في هذا المجال أو ذاك.

كما أنّنا نلاحظ في الجانب الآخر، أنّ بعض الشّيعة ربما يتحرّكون ويتحدّثون بطريقة سلبيّة عن الخلفاء، فيمارسون أساليب السبّ أو الأساليب العنيفة التي تضعف موقعهم الإسلاميّ. وقد دخلت القضيّة السياسيّة في القضيّة المذهبيّة، وخصوصاً بعد التطوّرات التي حدثت في العالم الإسلاميّ، كالثّورة الإسلاميّة في إيران، والمقاومة الإسلامية في لبنان، والأوضاع الجديدة التي حدثت في العراق بعد الانقلاب على الطّاغية صدّام وما إلى ذلك، والذي استغلّته الدول الكبرى التي خطّطت من أجل أن ينشغل المسلمون بعضهم ببعض، وأن ينكفئوا إلى التّاريخ وينسوا الحاضر.

ولهذا، فقد رأينا هناك كثيرين ممّن بدؤوا يتحدّثون عن أنّ إيران هي العدوّ كونها دولةً شيعيّةً، بينما يتحدّثون عن إسرائيل العدوّة كدولة صديقة. وأنا أتذكّر في هذا المجال، كيف أنّ المشركين كانوا يسألون اليهود عن المسلمين؛ هل هم على حقّ أو نحن على حقّ؟ فكانوا يقولون: هؤلاء أهدى من الّذين آمنوا سبيلاً، بحيث كانوا يفضّلون المشركين على المسلمين في هذا المجال، مع أنّ اليهوديّة تؤمن بالتّوحيد.
    البعض يتحدّث عن أنّ إيران هي العدوّ كونها دولةً شيعيّةً، بينما يتحدّثون عن إسرائيل العدوّة كدولة صديقة ، كما كان اليهود يفضّلون المشركين على المسلمين في هذا المجال، مع أنّ اليهوديّة تؤمن بالتّوحيد.

لذلك، تحوّلت المسألة إلى مسألة سياسيّة على المستوى الدّاخليّ الّذي يتحرّك به بعض المسؤولين الّذين يوجّهون الإعلام من أجل إثارة الحرب على الشّيعة في هذا المقام، ويعملون على إشغال المسلمين الذين يعانون من ضغط دول العولمة من جهة، ومن الاحتلال الأميركيّ للدّول الإسلاميّة من جهة أخرى، أو من خلال الوضع الإسرائيليّ الّذي يكاد يستولي حتّى قانونياً على فلسطين كلّها، تحت تأثير الدّعم الأميركيّ المطلق الذي ينطلق من أنّ أميركا تلتزم أمن إسرائيل بالمطلق، حتى ليخيّل إلينا أنها تلتزمه أكثر مما تلتزم أمن أيّ ولاية أميركيّة، وبالتّالي، فهي تعمل على أن تبقى إسرائيل في موقع التفوّق النوعيّ الّذي يستطيع أن يسيطر على المنطقة، ويمدّ يده الطويلة إلى أيّ مكان، كما لاحظنا ذلك في قصفه المواقع السوريّة والمواقع السودانيّة، وتهديده العسكري لإيران وما إلى ذلك.

 ولهذا، فإن المسألة اختلطت فيها الجوانب السياسيّة بالجوانب المذهبيّة، وأصبحت تتحرك في  إثارة السلبيات بدلاً من إثارة الذهنيّات، أو إثارة الجدل العلميّ الذي يمكن أن يقارب بين المسلمين إذا لم يستطع أن يوحّد فيما بينهم.
لم تعالج المسائل الخلافيّة بطريقة علميّة تتّخذ جانب الجدل العلميّ الكلاميّ أو الفقهيّ

الإثارة المذهبيّة ودور علماء الدّي
ن

س: صحيحٌ أنّ الجانب السياسيّ له تأثير في موضوع الإثارة المذهبيّة، لكن ألا تعتقد أنّ كثيراً من رجال الدّين والعلماء المسلمين يتحمّلون مسؤوليّةً أيضاً، لأنهم ليسوا على مستوى المسؤوليّة في تعزيز أواصر الوحدة بين المسلمين؟

ـ السيّد فضل الله: من الطّبيعيّ جدّاً أنّ غالبيّة علماء الدّين الإسلاميّ يشاركون في إيجاد هذه الفوضى المذهبيّة، وفي إثارة الحقد المذهبيّ إلى حدّ التّكفير، فنحنُ نسمع من بعض العلماء في بعض البلدان العربيّة الإسلاميّة، أنهم يكفّرون علماء المسلمين الآخرين، ويفتون باستحلال دمائهم لأنهم كَفَرَة، ويرون أنّ الكافر ليس محترم الدّم، بينما لا يستحلّون دماء اليهود والنّصارى المقيمين في بلادهم، لأنهم أهل ذمّة ولأنهم أهل عهد وما إلى ذلك، مما قد يتحدّث به البعض. ونحن نعرف كيف كان بعض كبار علماء المسلمين يثير بين وقتٍ وآخر مسألة أنّ الشّيعة يسبّون الصّحابة، مع أنّه يعرف أنّ الكثيرين من العلماء الشّيعة الذين يتحمّلون المسؤوليّة عن الواقع الإسلاميّ كلّه، أصدروا الفتاوى بتحريم سبّ الصّحابة وتحريم الإساءة إلى أمّهات المؤمنين، وقد كنت واحداً منهم في هذا المجال، ولكنّهم لا يذكرون ذلك بالصّوت العالي. وقد أثاروا مسألة الغزو الشّيعيّ للمجتمعات السنّيّة، ووضعوا الكثير من الحواجز حول حركة الّذين ينتمون إلى المذهب الشيعيّ في هذا البلد أو ذاك. وقد قرأت مؤخّراً في بعض الصّحف المصريّة عن حرمة أن تتزوّج الفتاة المصريّة رجلاً شيعيّاً، باعتبار أنّ هذا الزواج ربما يجعلها تنجذب إلى المذهب الشيعيّ، وهذا ما يترك تأثيراً سلبيّاً على المجتمع السني المصريّ وما إلى ذلك. هذا إضافةً إلى إيجاد حركة إعلاميّة تحاول استكمال هذا الجوّ بالتوافق مع حركة عسكريّة وحركة سياسيّة.

 ولذلك، لا تكاد دعوة التّقريب بين المذاهب الإسلاميّة أو الوحدة الإسلاميّة تنطلق، حتّى نسمع كثيراً من الأصوات التي تنطلق في خلفيّاتها من خلال الخطط الغربيّة، وفي مقدّمها الخطّة الأميركية، إضافةً إلى الخطّة الإسرائيليّة، لإيجاد الموانع والحواجز في طريق هذه الدّعوة.

 ونحن نقول للمسلمين جميعاً، سنًّة وشيعةً، إنّ المشكلة التي نواجهها الآن في هذه المرحلة، هي أنّ المطلوب هو رأس الإسلام، وليس رأس السنّة أو الشّيعة، وهذا ما لاحظناه في الحرب الثقافية التي واجهناها كمسلمين في الغرب. كما أنني سمعت من بعض المسؤولين الكبار من الجامعة العربية، أنّ أميركا تريد تدمير الإسلام.

 لذلك، فإنّنا نعتقد أنّ المسلمين إذا كانوا يريدون أن يحافظوا على معنى الأمّة الإسلاميّة، فعليهم ألا يتحدّثوا عن أكثريّة مذهبيّة مقابل أقليّة مذهبيّة، وألا يثيروا الحساسيّات والسلبيّات هنا وهناك، بل عليهم أن يعملوا على تجميد كثيرٍ من السلبيّات والحساسيّات، وأن يندفعوا إلى الأرض الإسلاميّة لكي يعالجوا كثيراً من القضايا المثيرة للخلاف، حتى يمكنهم أن يوحّدوا العالم الإسلامي، لأنّنا نلاحظ الآن أنّ العالم الإسلامي الذي يمثّل خمس العالم، ليس له أيّ دورٍ في القرارات المصيريّة في العالم، بل إنّه ليس له دور في تقرير مصيره ومصير البلاد الإسلامية.

 ونحن نتابع الأوضاع السياسيّة، بحيث إنّنا نتطلّع إلى رئيسٍ أميركيّ يخلف رئيساً أميركياً آخر، ونتحدّث عن الآمال في تغيير الواقع السياسيّ عندنا من خلال هذا الرّئيس، لأنّه يعرف كيف يخاطب مشاعرنا وأحاسيسنا، تماماً كما هي الحال في الخطابات التي تحدّث بها الرئيس أوباما في القاهرة وفي تركيا وخاطب بها المسلمين، ولكنّنا في الوقت نفسه، نرى أنّ الإدارة الأميركية تقف مع إسرائيل بكلّ قوّة، حتى إنّ هذه الإدارة تطلب من المسلمين أن يقوموا بعمليّات التّطبيع الكامل مع إسرائيل مقابل أن تجمّد إسرائيل الاستيطان، لا مقابل إزالة المستوطنات والإقرار بحقّ العودة للفلسطينيين أو ما أشبه ذلك.
نقول للمسلمين جميعاً إنّ المطلوب هو رأس الإسلام، وليس رأس السنّة أو الشّيعة

لا حروب مذهبيّة في المنطقة


س:هل يعني هذا أنّكم متخوّفون من الفتن ودخول المنطقة في حروب مذهبيّة انطلاقاً من لبنان؟

ـ السيّد فضل الله: هناك فارقٌ بين الحديث عن الخوف والحديث عن الحذر. إنّني أتصوّر أنّ المرحلة الآن في المنطقة، ولا سيّما في المنطقة العربيّة والإسلاميّة، ليست مرحلة العنف أو الفتن الأمنيّة الحادّة، لأنّ هناك مصلحة للدّول التي تسيطر على مقدّرات المنطقة في أن تبقى في حالٍ من الاستقرار القَلِق والهدوء الحَذِر، ولكن لا بدّ لنا من أن نعيش الحذر؛ أوّلاً، من جهة أنّ إسرائيل عندما تجد أنّ المقاومة أصبحت في وضعٍ من القوّة، بحيث تهدّد العنفوان الإسرائيليّ عندما تحدث بعض التطوّرات بين إسرائيل ولبنان مثلاً، أو بين إسرائيل والفلسطينيّين، ونعرف أنّ أميركا تتحرّك مع إسرائيل، بحيث إنّ كلّ حربٍ إسرائيليّة هي حرب أميركيّة، فإنّ علينا أن نواجه المسألة بحذر، باعتبار أنّه قد تحدث هناك بعض الأوضاع التي قد تجد إسرائيل مصلحةً في إثارتها على طريقتها، من خلال إثارة بعض الأمور التي قد تصنع حرباً أو قد تثير مشكلةً ما في هذا المجال.

لذلك، لا بدّ لنا من أن نكون حذرين، وأن نراقب الوضع الإقليمي، باعتبار أنّ الواقع العربيّ أصبح يتحرّك في الخطّ الإسرائيليّ في مواجهة الخطّ الإيرانيّ. لذلك، هناك نوعٌ من التّنسيق بين إسرائيل وبعض الدّول العربية، وهذا ما لاحظناه في حرب غزّة الّتي واجه فيها الشّعب الفلسطينيّ عمليّة الإبادة من دون أن يقف العرب وقفةً حازمةً، حتى على مستوى استدعاء السّفير المصريّ أو السّفير الأردنيّ أو الأشخاص أو المواقع الاقتصاديّة في هذا البلد أو ذاك، ورأينا كيف أنّ مسألة غزّة أصبحت مسألةً تدخل في الخلافات العربيّة بدلاً من أن تدخل في توحيد العالم العربيّ.
إنّ المرحلة الآن في المنطقة، ليست مرحلة العنف أو الفتن الأمنيّة الحادّة، لأنّ هناك مصلحة للدّول التي تسيطر على مقدّرات المنطقة في أن تبقى في حالٍ من الاستقرار القَلِق والهدوء الحَذِر.

الخلافات العربيّة ـ العربيّة

س: هل تلاحظ أنّ الخلافات العربيّة لها جذورٌ مذهبيّة؟

ـ السيّد فضل الله: أنا لا أعتقد أنّ الخلافات العربيّة تنطلق من جذورٍ مذهبيّة، بل من خلال كونها جزءاً من الخطّة الأميركيّة التي تحاول أن تجمع العرب أو دول الاعتدال العربيّ، كما يسمّونها، حول إسرائيل لتواجه المسألة الإيرانيّة.

الفكر الخرافيّ

س: سمعناك في الفترة الأخيرة تتحدّث عن ظاهرة الفكر الخرافيّ في الإسلام، وتدعو إلى محاربة هذه الظّاهرة. ماذا تقصد بالخرافة؟

ـ السيّد فضل الله: نحن نلاحظ أنّ كثيراً من الذهنيّات التي يتحرّك بها بعض المحسوبين على الدّين هي ذهنيّات خرافيّة، وربما لاحظنا أنّ هناك بعض الفضائيّات المتخلّفة تتحرّك في هذا الاتجاه، حتى تؤدّي إلى أن تملأ الذهنيّة الإسلاميّة العامّة بالوحل الفكريّ . ونلاحظ أيضاً أنّ هناك فضائيّات تحاول التحرّك في عمليّة الإثارة، كعمليّة السبّ وعمليّة التكفير والإساءة وعملية العيش في التاريخ بدلاً من العيش في الواقع، ولا يلتفتون إلى قوله تعالى: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }(البقرة:134).

معالجة قضايا العرب والمسلمين!

س:ألا يجب أن يكون هناك شيءٌ اسمه خطّ أحمر يلتزمه العرب والمسلمون في معالجة قضاياهم؟

ـ السيّد فضل الله: لقد سقطت كلّ الخطوط الحمراء في العالم العربيّ في القضيّة الإسرائيلية، فأصبحت الخطوط الحمراء مع إسرائيل خطوطاً خضراء، ولذلك رأينا بعض الدول العربيّة تحاول أن توجد مبرّرا لذهاب الرسميّين إلى إسرائيل بعناوين متعدّدة، ومنها مثلاً؛ إنقاذ بعض مواطنيها الّذين اعتقلتهم إسرائيل في السّفينة الذّاهبة إلى غزّة. كما أنّنا سمعنا تصريحاً لبعض المسؤولين العرب بأنّه لا بدّ لنا من أن نعمل على التّطبيع مع إسرائيل. ونحن نعرف أنّ هناك كثيراً من الدّول العربيّة تعمل على التطبيع مع إسرائيل تحت الطاولة، وربما تقفز إلى فوق الطّاولة عندما تتغيّر الظّروف.

 ولهذا، فإنّنا نتصوّر أنّ الخطوط الحمراء قد سقطت، وأنّ المشكلة العربيّة ـ العربيّة تنطلق من الحساسيّات العربيّة العربيّة، سواء بين الشّخصيات المسؤولة أو بين بعض الأوضاع المتحرّكة في علاقة هذه الدّولة بتلك الدّولة.

س: ما الّذي تراه حيويّاً وعمليّاً للخروج من هذه الحالة المذهبيّة على المستوى اللّبناني والعربيّ، هل هناك نوعٌ من شبكة اتّصال بينكم وبين مرجعيّات إسلاميّة أخرى لهذا الغرض؟

ـ السيّد فضل الله: أنا أعتقد أنّ المشكلة أصبحت أكبر من الحلّ، لأنها باتت ترتبط بالسّياسة الدوليّة التي تعمل على مصادرة عمليّة الاستقرار الثقافيّ والدينيّ والمذهبيّ في العالم العربيّ من جهة، والحساسيّات بين دولةٍ عربيّة وأخرى، والتي قد تؤدّي إلى المقاطعة بين العرب أنفسهم من جهة أخرى. فنحن نلاحظ أنّ بعض الدّول العربيّة الكبرى لا تمارس أيّ عملٍ يُضعف علاقتها مع إسرائيل، حتى رأينا كيف أنّ سفير مصر، التي انطلقت منها  الثّورة المصرية التي قامت من أجل مواجهة الاحتلال اليهوديّ لفلسطين، يستقبل رئيس وزراء العدوّ ورئيس كيانه أيضاً  الذين جاؤوا من أجل أن يحتفلوا معه بثورة يوليو العربية المصرية، كأنهم يقولون إنّنا نريد أن نغيّر مضمون هذا التّاريخ، ليكون تاريخاً ينفتح بعض قادته على إسرائيل أكثر مما ينفتحون على العالم العربيّ.

تعدّد المذاهب

س: هل تعتقد أنّ المسلمين قد أخفقوا في ترجمة مقولة إنّ المذاهب في الإسلام هي دليل صحّة وعافية؟

ـ السيّد فضل الله: نعم، الله تعالى يقول: {فإنْ تنازعْتُمْ في شَيْءٍ فردّوهُ إلى اللهِ والرّسول}[النّساء:59]. فالقضيّة الخلافيّة قضيّة فكريّة يمكن أن يلتقي فيها المسلمون على أساس الحوار الفكريّ الموضوعيّ ليصلوا إلى النّتيجة الحاسمة، باعتبار أنهم يؤمنون بالكتاب والسُنّة. ولكنّ المشكلة في هذا الاتجاه، هي أنّ المسلمين استغرقوا في مفردات الخلافات المذهبيّة، بحيث أصبحت المذاهب ديناً في ذهنيّة المتمذهبين بها أكثر من الأديان الأخرى، كأديان أهل الكتاب أو الدّين البوذيّ أو الهندوسيّ. فالسنيّ أو الشّيعيّ، ينظر إلى المسلم الآخر بما لا ينظر به إلى الهندوسيّ والبوذيّ واليهوديّ والنصرانيّ، باعتبار أنّ الحقد قد دخل في المسألة المذهبيّة، بحيث أصبحت المسألة حقداً ذاتيّاً وليست مسألة فكر والتزام إسلاميّ.

تـماهٍ سياسيّ بين أميركا وإسرائيل

س: هل كلامكم يعني أنّ هناك تماهياً سياسيّاً أمريكياً ـ إسرائيلياً؟

ـ السيّد فضل الله: السياسة الإسرائيلية هي نفسها السياسة الأميركيّة مع بعض المتغيرات البسيطة، كما أنّ أميركا تفكّر في أن تبقى إسرائيل تحكم المنطقة بكلّ الأسلحة المتطوّرة، بينما لا تمكّن أيّ بلد عربيّ من شراء سلاح متطوّر إلا وفق شروط ثقيلة. ونحن نلاحظ أنّ العالم الإسلامي الآن أصبح يخضع للتّحالف الإسرائيليّ الأميركيّ، وهذا ما نراه في أفغانستان وباكستان، و الفارق في العلاقات بين أميركا والهند، وبين أميركا وباكستان، هو أنّ باكستان لا تعتبر حليفةً لأميركا، لأنها لم تعترف بإسرائيل حتى الآن، وهذا ما يشبه الجريمة في نظر الأميركيّين. ولذلك، فإنّ المسلمين لا يملكون الآن تقرير مصيرهم في أمورهم الخاصّة.

 ونحن نلاحظ كيف أنّ الغرب انطلق بكلّ ما لديه من قوّة إعلاميّة وسياسيّة للضّغط على إيران في المسألة الأخيرة التي حدثت فيها بعد الانتخابات الرئاسيّة. ربما لا نريد الحديث عن أن هناك تدخّلاً غربياً، ولكنّ هناك حرباً إعلاميةً وسياسيةً، إضافةً إلى بعض التدخّلات غير المباشرة.

لذلك، نحن ندعو إلى الوحدة الإسلاميّة ولو على المستوى السياسيّ لا المستوى الاندماجي الكلّي بين المسلمين، حتى يكونوا قوّةً يملكون فيها أن يواجهوا الآخرين الذين يريدون مصادرة اقتصادهم كما في دول العولمة، أو مصادرة أمنهم كما في قضايا الاحتلال، أو مصادرة كلّ ثقافتهم.

 إنّنا نقول للمسلمين إنّ المسألة الآن هي أنّ الاستكبار العالميّ والكفر العالميّ يتحالفان من أجل إضعاف الإسلام وإسقاطه، فإذا كان لكم في الإسلام حاجة، فعليكم أن تبتعدوا عن كلّ هذه الأساليب السلبيّة التي تحاولون أن تسجّلوا فيها نقاطاً بعضكم على بعض، من دون أن تدرسوا الأخطار الضّخمة المقبلة من الخارج.
نحن ندعو إلى الوحدة الإسلاميّة ولو على المستوى السياسيّ ، حتى يكون المسلمون قوّةً يواجهون الآخرين الذين يريدون مصادرة اقتصادهم، أو مصادرة أمنهم.

بيروت ـ طارق ترشيشي

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 18 شعبان 1430 هـ  الموافق: 09/08/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية