حوار قناة "طيبة" الفضائية مع سماحة العلاّمة المرجع السيّد محمّد حسين فضل الله
* هل ترون أنَّ حبّ أهل البيت(ع) يستلزم من المرء بغض الصحابة والتبرؤ منهم؟ كذلك هل ترون أن نسبة نصب العداء لأهل البيت من قبل أهل السنة والجماعة صحيحة وواقعية؟
- نحن نعتقد أن أهل البيت(ع)، وفي مقدّمهم الإمام علي بن أبي طالب(ع)، ينفتحون على الصحابة بشكل عام، لأن الله سبحانه وتعالى كرّم الصحابة في القرآن الكريم بقوله تعالى: {
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ}(الفتح/29).
كما تحدّث الله سبحانه وتعالى عن الأنصار: {
وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}(الحشر/9)، وتحدّث عن المهاجرين أيضاً. لذلك فإنّ مسألة الصَّحابة هي مسألة إسلامية لا يمكن لأيّ مسلم أن يتنكّر لها، أو أن يُسيء إليهم بشكل عام، فهم الذين آووا النبي(ص) ونصروه وهاجروا معه وحاربوا معه ودعوا إلى الله سبحانه وتعالى معه، ونحن نعرف أنّ الصحابة اختلفوا فيما بينهم حول مسألة الخلافة، فهناك من تحرّك في ذلك وفقاً للطّريقة التي تمَّت في السقيفة، على أساس أن يكون أبو بكر ومن بعده عمر وعثمان وعليّ هم الخلفاء الرّاشدين، وهناك وجهة نظر كان الإمام علي(ع) يعتقدها من خلال بعض النصوص الثابتة عند الشيعة الإمامية، كنصّ الغدير، وقول الرسول(ص): «يا علي أنت مني بمنـزلة هارون من موسى» وغير ذلك، بأنّ الخلافة هي لعلي(ع)، لأنّه أفضل الصحابة في كل مواقع الفكر والعلم والشجاعة والجهاد وما إلى ذلك.
ولكن هذا الخلاف بين الإمام علي(ع) فيما يراه من حقّ له في الخلافة، وبين أبي بكر وعمر، لم يتحوّل إلى حالة معقَّدة تهزّ الواقع الإسلامي وتخلق فيه الفتنة، في تلك المرحلة الحساسة التي كان الإسلام يتعرّض فيها للكثير من التحدّيات بعد وفاة النبي محمد(ص). وقد رأينا كيف أنّ علياً(ع) وقف مع الخلفاء الذين تقدّموه، وأعطاهم المشورة والنصيحة، وحفظ أوضاعهم، واندمج في الجوِّ الإسلامي العام. حتى إنّنا نعرف أنَّ عمر عندما استشاره في الشخوص بنفسه إلى حرب المسلمين مع الفرس، وكان في ذلك خطر على حياته، نصحه بأن لا يذهب إلى هناك حفاظاً على حياته.
وقد تحدث الإمام علي(ع) حول تجربته في مسألة الخلافة في كتابه إلى أهل مصر، عندما قال لهم: «فما راعني إلاّ انثيال الناس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السراب، أو كما يتقشّع السحاب، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق واطمأن الدين وتنهنه».
وقد نقل الرواة عنه أنّه قال: «لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلا عليّ خاصة»، وعندما سمع قوماً من جيشه في سفره إلى صفّين يسبون أهل الشام، قال لهم: «إني أكره لكم أن تكونوا سبَّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إيّاهم: اللّهمّ احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من لهح به».
لذلك، نحن نقول إنّ المسلمين كلّهم يحبُّون أهل البيت(ع)، لأنّ حبّهم انطلق من خلال رسالة الإسلام ومن خلال الرسول(ص)، وقد فُسِّر قوله: {
قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}(الشُّورى/23)، أي المودة في أهل البيت(ع). لكن غاية ما هناك، أن جمهور المسلمين لا يرون الخلافة لأهل البيت(ع)، إلاّ الخلافة للإمام علي(ع) كخليفة رابع، ولكنّهم ليسوا نصابي عداء، فنحن لا نعتبر أنّ جمهور المسلمين من أهل السنّة ينصبون العداوة لأهل البيت(ع)، بل إنّ حب أهل البيت يمثل حالة شاملة في الواقع الإسلامي السني، ولذلك نجد أن علماءهم ومفكريهم والناس عندما يصلُّون على النبي، يقولون: صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم.
* في مسألة الشتم ولعن الصحابة، هناك فئة من الشيعة تقول إننا لا نشتم الصحابة ولكن نلعنهم؟
- نحن لا نُفرِّق بين اللعن والشتم، لأنَّ العنوانين يتحركان في نطاق الإساءة إلى الصحابة، وقد ورد في حديث النبي(ص): «إني لم أُبعث لعّاناً، ولكن بُعثت رحمةً». ونحن نعتقد أنّ هذه الأساليب غير شرعية، فهي تؤدي إلى نتائج سلبية على مستوى الواقع الإسلامي كلّه. ونحن نعتقد أنَّ الفعل يؤدي إلى ردّ فعل، كما قال الله سبحانه وتعالى بالنسبة إلى غير المسلمين: {
وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ}(الأنعام/108)، فالله يُفرِّق بين اللَّعن والسَّب، فكما أن السَّب يجتذب السبّ، فاللعن يجتذب اللعن أيضاً.
* سماحة السيد، كيف تنظرون إلى المصاهرة التي كانت قائمة بين آل بيت رسول الله(ص) والصحابة؟
- نحن نعتقد أن المسلم كفؤ المسلمة، وأنّ اختلاف المذهب لا يلغي شرعية زواج المسلم الشيعي بالمسلمة السنيّة، أو العكس.
* الشيعة الإثنا عشرية يعتقدون أنّ آباء الأئمة إلى آدم(ع) كلّهم على الإيمان، وأنّ الأرحام التي حملت بهم كلّها طاهرة نقية لم تتدنس؟
- نحن نعتقد أنّ ذلك لا دخل له في عصمة الأئمة(ع) أو في طهارتهم أو في أصالة نسبهم، ونحن ليس عندنا أيُّ دليل يدلُّ على أن الأئمَّة(ع) ينتسبون إلى أشخاص مؤمنين مسلمين عدول في مدى التاريخ، كما أنّنا لا نعتقد ذلك بالنسبة إلى الأنبياء، ونحن نرى أن الأنبياء ينتسبون إلى نسبٍ شرعيٍ، فآباء الأنبياء هم آباء شرعيُّون وليسوا أولاد زنا، ولكن لم يثبت عندنا أن آباء الأنبياء معصومون على مدى التاريخ.
* سماحة السيد، تعرضتم لدعايات مغرضة وتشويه سمعة، وصدرت فتاوى بتضليل سماحتكم، وتحريم تقليدكم بسبب بعض الاجتهادات التاريخية، ومنها مسألة الاعتداء على السيدة فاطمة الزهراء(ع)، فما رأيكم بهذه المسألة باختصار وهل تبنّى مثل رأيكم غيركم من علماء الشيعة؟
- أولاً، نحن نعتقد أن أغلب الذين أصدروا هذه الكلمات غير المسؤولة لم يقرأوا ما كتبناه وما تحدّثنا به، وإنّما اعتمدوا على بعض الناس المعقَّدين الذين نقلوا لهم كلاماً غير حقيقي. أما المسألة، فهي مسألة تاريخية لا علاقة لها بالعقيدة ولا بالاجتهاد ولا بالتقليد، بل هي مسألة تاريخية كبقية المسائل التاريخية، ولم نكن أول الناس الذين أثاروا هذا الموضوع؛ فنحن نقرأ أن الشيخ المفيد (رحمه الله) لم يؤكد ذلك في كتبه، وهكذا الكثير من علمائنا المتأخرين، كالسيد محسن الأمين، والشيخ محمد حسين (آل كاشف الغطاء)، والسيد هاشم معروف الحسني، وغيرهم من العلماء الّذين لم يؤكدوا هذه الحادثة. ونحن عندما درسنا هذه المسألة على مستوى الوثاقة في الرواية وعلى مستوى المضمون، رأينا أنّ هناك قلقاً في ما ينقله المؤرّخون.
ولذلك، كان موقفنا أنّنا نشكِّك في الموضوع، أو فلم ننفِ ذلك ولم نثبته، وإنّما قلنا إنّنا نتحفّظ حول هذا الموضوع. وعلى كل حال، فالمسألة ليست من المسائل المرتبطة بالعقيدة أو بالشريعة، ولا تمسّ أيّ موقع يمكن أن يتحرّك في أري مخالف حول في هذا الموضوع.
* سماحة السيد، هناك من الشّيعة من يقول إنّ الإمام عليّاً(ع) كان يتعامل مع الخلفاء الراشدين منذ عهد أبي بكر إلى عهد عثمان، بالتقية؟
- أعتقد أنّ هذا الكلام غير واقعي، لأنّ علياً(ع) كان لا تأخذه في الله لومة لائم، ولأن علياً(ع) كان في كلِّ تطلعاته يهدف إلى ما هو مصلحةٌ للإسلام، والمسلمين، وكان في إمكانه أن يعتزل كل الخلفاء، وأن لا يعاونهم ولا يشاورهم ولا يمنحهم المشورة. وقد كان(ع) يملك من القوة ومن الشجاعة والصلابة في الحق ما يمنعه من أن يخاف من حاكم وما أشبه ذلك، ولعل كلمته هذه: «لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن بها جور إلاّ عليّ خاصة»، يدلُّ على أن منطلقه في كلِّ هذه المسيرة مع الخلفاء، كان في خطِّ المحافظة على الإسلام والمسلمين، حتى إنه كان يتكلَّم بشكلٍ إيجابي عن بعض الخلفاء، إلى درجة أنّه عندما وقف على مصرع الزبير الذي حاربه في البصرة، قال: «بشِّر قاتل ابن صفية بالنار»، وأيضاً عندما وقف على جثمان طلحة الذي قاتله في البصرة، فإنه تحدّث عنه بطريقة عاطفية.
* سماحتكم تنتسبون إلى الحسن (المثنى)، وهو ابن الإمام الحسن بن علي(ع)، والحسن المثنى له آراء في موضوع الإمامة على وجه التحديد، فالكثير من أهل البيت خالفوا الإمامية في موضوع الإمامة، كالحسن (المثنى) كما ذكرنا. فما رأيكم في هذا الموضوع؟
- نحن نعتقد أنّ مسألة الإمامة متَّفق عليها من حيث المبدأ بين الكبار من أهل البيت(ع)، ولكن حدثت هناك بعض التعقيدات في هذا الموضوع، وقد ذُكِر أنّ محمد ابن الحنفية رشَّح نفسه للإمامة، وإن كان هناك من ينكر ذلك، وأنّ زيداً ابن علي بن الحسين، الثَّائر في وجه الأمويين، كان يرى نفسه إماماً أيضاً، ولكن هناك روايات تقول إنّه كان يدعو إلى الرِّضا من آل محمد. وهكذا يرى بعض الشيعة غير الإثني عشرية، إمامة إسماعيل ابن الإمام جعفر الصَّادق(ع). لذلك فهذه المسألة خلقت في أوساط الشيعة، لا في أوساط أهل البيت، بعض الجدل في تعيين هذا أو ذاك، أو في الوقوف على هذا الإمام أو عدم الوقوف عليه.
* أنتم تقولون إن أهل البيت كانوا متفقين على مسألة الإمامة؟
- إنّ كبار أهل البيت(ع) كانوا كذلك.
* سماحة السيِّد، هل ترون أنّ الإيمان بالولاية أصلٌ لقبول الأعمال عند الله تعالى؟
- نحن نقول، إنَّ الله سبحانه وتعالى يعامل النَّاس بما ثبت أنّه الحق من قبله فيما أوحى به وفيما ألهمه لرسوله(ص)، ولذلك فإنّنا نعتقد بأنّه عندما يثبت أنّ الولاية هي من الحقائق، فلا بدَّ للمسلمين من أن يلتزموها، أما مسألة ما عند الله سبحانه وتعالى، فالله تعالى يقول: {
إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}(النساء/48)، ولا سيَّما بالنسبة إلى الكثير من الناس الذين لا يملكون المعرفة العلمية الواسعة التي تجعلهم يواجهون القضايا الخلافية المعقَّدة في هذا المجال، وهم غالباً من المسلمين المستضعفين، فالله سبحانه وتعالى يعذرهم عندما لا تقوم الحجَّة عليهم في ذلك.
* هناك علماء شيعة، كالإمام الخميني والإمام الخوئي، يقولون إنّ الإيمان بالولاية هو أحد الشروط لقبول الأعمال عند الله تعالى؟
- قبول الأعمال شيء، وصحَّة الأعمال شيء آخر، فقبول الأعمال معناه إعطاء الثواب عليها، وإعطاء الثواب عليها أو عدمه ينطلق من قيام الحجة على الإنسان، فإذا قامت الحجة على إنسان ولم يأخذ بها، فمن الطبيعي جداً أن يعتبر ذلك انحرافاً عن الخط، ولكنّه إذا كان ممن لم تقم الحجة عليه من جهة قصوره، يعني من قبيل الجاهل القاصر، فإنّ الله سبحانه وتعالى يجد العذر له ويحاسبه بما قامت الحجة عليه.
* في موضوع التوحيد، يُلاحظُ على الشيعة أنّهم أهملوا موضوع توحيد العبادة، رغم أن الأنبياء جاؤوا برسالة التوحيد، كيف تنظرون إلى ذلك؟
- نحن نعتقد أنَّ التوحيد هو أساس الإسلام، وقد جاء الأنبياء كلّهم بالتوحيد؛ توحيد الله الخالص الذي لا شريك له. ونحن نؤمن بالتوحيد في الألوهية فلا إله غيره، والتوحيد في العبادة فلا معبود سواه، والتوحيد في الطاعة فلا طاعة لغيره، وأيضاً التوحيد في الحب، فالحبّ لله يرقى على حبِّ أيِّ شخصٍ آخر في هذا المجال، والله تعالى يقول: {
وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا}(الجنّ/18). ولذلك لا يجوز لنا أن نتوجه بالدعاء وطلب الحاجة إلى الأنبياء وإلى الأئمة، وإنّما نتوجَّه إلى الله سبحانه وتعالى، فهو وليّ كلّ نعمة، وصاحب كلّ حسنة، ومنتهى كل رغبة، ونحن لا نرى أيّ شخص، مهما كانت قيمته، أنه هو من أولياء النعم، كما أنّنا نعتقد أنه لا واسطة بين الله وبين عباده، وأنّ الأنبياء والأئمة هم وسائط الهدى، ووسائط الدعوة، ووسائط الخير الذين يفتحون عقول الناس عليه، ولكن الله في ما جاء به القرآن الكريم، ينفتح على عباده بشكل مباشر، فهو يقول: {
وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر/60). فالله هو الّذي نتوّجه إليه لطلب الرّزق والصحّة والعافية وكل شيء. لذلك نحن نعتقد بالتوحيد الخالص الذي لا يشوبه أيّ شرك، سواء كان شركاً خفياً أو شركاً معلناً. أمّا التوسل بالأنبياء والأئمة، فهذا لا يختصّ به الشيعة، بل إن الكثيرين من المسلمين يرون الشفاعة للأنبياء وللأولياء، ومنهم الأئمة. ولذلك فالشفاعة مما أكّدها القرآن، ولكن ضمن المنهج الذي وضعه لمن يقبل الشفاعة منهم، {
وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}(الأنبياء/28)، فهناك فرق بين التوجه إلى الأنبياء والأولياء في طلب الحاجات، وبين أن نطلب من الله سبحانه وتعالى لكرامتهم عنده، أن يشفِّعهم فينا فيما أعطاهم من الشفاعة.
* سماحة السيِّد، ذكر الإمام الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية"، أن لأئمة أهل البيت مقاماً محموداً عند الله لم يصله إلاّ نبيٌّ مقرَّب أو مرسل؟
- هذه وجهة نظر عند الكثيرين من العلماء، ونحن لا نرى أنَّ الأئمَّة أفضل من الأنبياء. وعلى كلِّ حال، فإنّنا لا نرى أنَّ هذا الأمر من أصول العقيدة، ويمكن أن يجتهد البعض ويرى أنّ الأئمة أفضل من الأنبياء، وربما يجتهد البعض فلا يرى ذلك، مع الاحتفاظ بقدسية الأنبياء والأئمة واحترامهم.
* يقول العلاّمة المامقاني في كتابه الرجالي "تنقيح المقال"، إنّ القدماء من علماء الشيعة، كانوا يعدُّون ما نعدُّه اليوم من ضروريات المذهب الشيعي، غلوّاً، وكانوا يرمون بذلك أوثق الرجال، كما لا يخفى على من أحاط خبراً بكلماتهم. فما تعليقكم على ذلك؟
- هذا صحيح، فهناك اجتهادات تنسب الغلوّ إلى بعض العلماء بخصوص آرائهم الاجتهادية في بعض مفردات العقيدة، فنحن نقرأ في رأي الشيخ الصدوق، أن أولى علامات الغلوّ هي نفي السهو عن النبي(ص)، وهناك أيضاً من يرى الغلوّ فيما يُنسب إلى الأنبياء أو إلى الأئمة من القدرات التي تقترب من قدرة الله سبحانه وتعالى، ممّن يرون أنّ الله أعطى الأئمّة هذه القدرات التي تجعلهم يديرون الكون وما إلى ذلك، ومسألة أن يُعطى الأئمة بعض صفات الله تعالى، حتى لو كان بإذن الله، هو أمرٌ يعتبر لدى بعض الاجتهادات الإسلامية نوعاً من أنواع الغلوّ.
* الشيعة الإثنا عشرية يعتقدون بعصمة الأنبياء والأئمة من الذنوب والخطأ، ويعتقدون أيضاً بعصمة الأئمة عن السهو والنسيان؟
- قضية السهو والنسيان هي من القضايا التي وقعت موضع الجدل الاجتهادي، لذلك، فإنّ بعض الناس لا يرون الدليل العقلي تاماً على نفي السهو عن النبي(ص)، فكيف بالأئمة(ع)؟!
* الشيعة الإثنا عشرية كذلك، يعتقدون أن وجود الإمام لطف واجب على الله تعالى، وأنّ دور الإمام هو قيادة الأمة إلى ما فيه صلاحها مهما كانت الظروف، فكيف يتوافق هذا الموقف مع موقف الإمام الحسن بن علي في تسليمه الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان؟
- هو لم يُسلِّم الخلافة، وإنّما كانت هدنةً، لأنّ الإمام الحسن(ع) عندما انطلق بالخلافة بعد بيعة المسلمين له والطلب من معاوية الاعتراف بخلافته الشرعية، تحرّك معاوية من أجل أن يواجه الإمام الحسن(ع) بطريقة عدوانية، بحيث تطوّرت الأمور إلى أن هُدِّد الإمام الحسن(ع) من قبل بعض الناس الذين دسهم معاوية في جيشه لاغتياله، عندها رأى الإمام الحسن(ع) أن الواقع الإسلامي لا يسمح بامتداد الحرب، فعقد الهدنة مع معاوية حفاظاً على الواقع الإسلاميّ، فهو لم يتنازل عن الخلافة، لأنّ الخلافة أو الإمامة هي من الله سبحانه وتعالى، وليست أمراً اختيارياً له يمكن أن ينـزعه عن نفسه أو يقبله لنفسه، بل إنّه هادن معاوية من أجل إيقاف الحرب، على أن يتسلَّم الإمام الحسن الإمامة الفعلية بعد وفاة معاوية، وهذا ما لم يفعله معاوية، بل إنّنا نروي أنّه دسَّ السمّ للإمام الحسن(ع) على يد زوجته المنحرفة عنه، وهي جعدة بنت الأشعث.
* هناك تسجيل بُثّ عبر الإنترنت تقولون فيه، إنّ السيد محمد باقر الصدر كان يقول في آخر حياته وإنّه سني؟
- كان هناك بعض الناس يتَّهمونه في بعض آرائه الفقهية، من خلال تعقيداتهم ضده، لأنه بلغ الدرجة العليا من العلم ومن الفكر ومن الإخلاص للإسلام وأهله، فكانوا ينسبون بعض آرائه إلى التسنّن، جهلاً منهم بما هو خطُّ التسنن وخطّ التشيّع، وقد عانينا ما عاناه (رحمه الله)، وهو رفيقنا الذي عشنا معه، وانطلقنا معه من أجل الإسلام الحضاري المنفتح على العالم كلّه، ومن أجل التشيّع الحضاري الذي يقدّم أهل البيت إلى العالم كطاقة روحية علمية، يمكن أن تحقق للعالم الكثير من التقدم والسلام.
مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 09 ربيع الأول 1428 هـ الموافق: 28/03/2007 م