س: كيف تنظرون إلى قداسة البابا؟
ج: نحن ننظر إليه كشخصية دينية منفتحة بالإيمان على الإنسان كله من أجل ربط الإنسان بالله ليعيش القيم الروحية التي يستطيع من خلالها أن يؤكد المحبة والرحمة والسلام في العالم، لأنّ هذه هي صفات الله سبحانه وتعالى في عظمة ذاته. فالبابا قد انفتح على حركية الدين في مفهومه الإنساني الروحي فواجه قضايا الإنسان كله في المسألة السياسية. لقد انفتح البابا على حركة السياسة في العالم كله ولا سيما حركة الإيمان في العالم كله بحيث أنه زواج بين الإيمان والسياسة، وخصوصاً في موقفه ضد الشيوعية وضد الإلحاد وضد الاستكبار في العالم. وبذلك هدم الجدار الذي حاول البعض أن يضعه بين الدين وبين السياسة بما تمثله السياسة من تأصيل إنسانية الإنسان في خط العدالة والحرية والإنسانية، لأن ذلك هو الذي يلتقي بالإيمان كله في رعاية الإيمان للإنسان في مثل هذه القضايا الأساسية، لعله هو أول رئيس للكنيسة الكاثوليكية الذي أوصى بعدم الفصل بين الدين والسياسة.
س: وقف البابا ضد الحرب على العراق، هل تعتقدون بأنه من خلال موقعه استطاع أن يُحدث تفاهماً أكبر بين الغرب والعالم العربي؟
ج: إنني أعتقد بأن البابا استطاع أن يؤكد للعالم أن المسيحية التي يمثلها في موقعه تنفتح على قضايا الدولة وترفض الاستكبار الذي يمثل الظلم.
ظلم المستكبرين للمستضعفين من دون التمييز بين المواقع الدينية سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية في الدين كله، فالدين كله سواء كان في القيم المسيحية أو الإسلامية يرفض الاستكبار والظلم كله.
ليست القضية في موقفه من الحرب ضد العراق هي قضية بين الغرب والعالم الإسلامي، لأنّ البابا لا يمثل الغرب، وإنما يمثل في موقعه الخط الذي يعتقد أنه خط السيد المسيح(ع). هذا ما ساعد على ردم الهوة التي قد يتصورها البعض بين موقف المسيحية من قضايا المسلمين وموقف الإسلام من قضايا المسيحية، لأنّ الدين للإنسان كله، ولكن مع الأسف، أنّ هذا النداء الإنساني الإيماني في خط العدالة لم ينفتح عليه الاستكبار الأمريكي.
ولذلك دخل العراق، ولا يزال يمارس الاحتلال الذي يسيء إلى المستضعفين في العراق بما يسيء للمنطقة كلها.
س: هل تعتقدون بأن البابا كان يلعب دوراً مهماً في الحوار الإسلامي _ المسيحي؟
ج: إننا نقدر جداً هذه الخطوة البابوية في الحوار بين الأديان، وفي الحوار بين الحضارات ضد حركة التعصب الديني الذي يلغي فيه دينٌ ديناً آخر، ويتعصب المتدينون في هذا الجانب ضد المتدينين في الجانب الآخر.
كما أنه كان ينفتح على حوار الحضارات في مواجهة صراع الحضارات للالتقاء على القيم الحضارية المشتركة التي تجمع الحضارات كلها، ولا سيما الحضارات الدينية مع الحضارات الأخرى.
كنا منذ البداية قد دعونا البابا إلى التوافق على جهة دينية في الخطوط الحضارية الإنسانية للأديان ضد الإلحاد لمصلحة الإيمان وضد الاستكبار لمصلحة العدالة.
س: ماذا تتوقعون من البابا المقبل لا سيما فيما يتعلق بالعلاقة مع الإسلام؟
ج: أننا نتوقع منه أن يكمل هذا الطريق في الحوار الإسلامي ـ المسيحي أو الحوار بين الأديان، كما نتوقع منه هذا التقارب والتلاقي بين المسلمين والمسيحيين على الكلمة السواء والقيم الدينية المشتركة التي ترتفع إلى مواقع القرب من الله الواحد.
س: برأيكم، ما هي الضرورات اللازمة لوضع نهاية للصراع في الشرق الأوسط؟
ج: إنني أتصور أنّ مسألة الشرق الأوسط هي مسألة عدالة وظلم، لأننا نلاحظ أن إسرائيل تمارس في كل مواقعها الظلم على الفلسطينيين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، وتمنعهم من العودة إلى ديارهم وتصادر أراضيهم وتعمل على أساس تدمير كل البنية التحتية في تدمير البيوت وجرف المزارع وقصف المواقع وقتل المدنيين لذلك فإنني أعتقد أن العدالة الشاملة التي تعطي الفلسطينيين بأجمعهم، سواء في داخل فلسطين أو خارجها، حقوقهم الشرعية، هو الحل الذي يمكن أن يحل أزمة الشرق الأوسط.
إننا نرى للبابا المقبل أن يعمل بقيم السيد المسيح(ع)، الذي لو كان موجوداً الآن على الأرض لكان وقف إلى جانب الفلسطينيين في توقهم إلى العدالة الإنسانية ضد الذين يظلمونهم.
مقابلة المرجع السيد محمد حسين فضل الله مع جريدة "مانيفستو" الإيطالية 4/4/2005