محاضرات
19/04/1996

آفاقُ الحجِّ الواسعة

آفاقُ الحجِّ الواسعة

 هذه الأيّام هي أيّام الحجّ، كما هي أيّام الجهاد، وعلينا أن نحدِّق بالحجّ في إيحاءاته وفيما يرمز إليه، حتّى نخرج من الاستغراق في ذاتيّة أعماله، إلى الانفتاح على الآفاق الواسعة الّتي تتبلور فيها شخصيّة الإنسان المسلم، ليعود الإنسان من حجّه إنساناً منفتحاً على كلِّ مسؤوليّته في الحياة، منطلقاً في السّاحات الواسعة الّتي كلّما عاش فيها مسؤوليّته اتَّسعت أكثر.

في البداية، ينطلق الإنسان في النّداء الّذي يؤكِّد عبوديَّته لربِّه، فكلمة التّلبية: «لبَّيك اللّهمَّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك»، هي كلمة التّوحيد الحركيّ الّذي ينطلق في عقل الإنسان وفي وجدانه، من أجل أن يحرِّكه في كلِّ نداءات الله. فالإنسان، في الحجّ يقف بين يدي ربّه عارياً من كلّ شكليّات الواقع الفرديّ والاجتماعيّ، ليؤكّد أنّه لن يستجيب له استجابةً واحدةً، ولكن إجابةً بعد إجابةٍ، بما يوحي بأنّ الإجابة تظلّ تتحرّك في خطِّ الحياة، فالإجابة الأولى والثّانية والثّالثة، هي أن يكون الإنسان بكلِّه في حركة مع الله، ليتحوّل إلى تجسيد لاستجابته لله، من خلال دعوته سبحانه وتعالى للنّاس: {اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال:24). 

ثم إنَّ قصّة الطّواف ليست مادّيةً، بحيث تجعل الإنسان يطوف حول هذه الأحجار الّتي قدّسها الله وعظّمها، إذ لا عظمة لهذه الأحجار في ذاتها إلاّ من خلال تعظيم الله لها، فنحن نعظّمها لا من خلال أنّها أحجار مقدَّسة، ولكنَّنا نقدِّسها من خلال ما ترمز إليه من أنّه بيت الله، وبيت الله يبقى حتَّى تهدّمت الحجارة وتفتَّتت، فإذا سقطت أحجار منه، تأتي هندسة جديدة ويبقى بيت الله.

رمزيّة أعمال الحجّ

رمزيّاً، ليس الطَّواف عمليّةً ماديّةً تحاول أن تحصي فيها خطواتك، ولكنَّها رمزٌ إلى أنّ من يطوف ببيت الله، وحول الكعبة، لا بدَّ من أن يكون طوافه في كلِّ ما يطوف به من مواقع ومن بيوت، وأن يكون طوافه لله في مواقع طاعته وفي مواقع جهاده وفي مواقع حركته في الحياة، سواء في الأعمال والأموال، أو العلاقات، فمن يطوف بالبيت، لا يمكن بعد ذلك، إذا أخلص لطوافه، أن يطوف ببيوت الظّالمين، وببيوت الكافرين والمستكبرين، لأنّ الله حدّد له مواقع طوافه، فالطّواف رمزٌ يجعل كلّ طوافك في الحياة وفي أيِّ موقع ودائرة، طوافاً لله تعالى.

وعندما تسعى، فإنّ السّعي يرمز إلى كلِّ سعي في الحياة، بحيث تسعى وليس هناك ما يلفتك، ليس هناك من مناظر جميلة تجتذبك، وليس هناك أشياء مميّزة تأسر انتباهك، ولكنّك تسعى لأنّ الله أراد لك أن تسعى، فهو رمز لكلّ سعيك في الحياة، أن تسعى في كلّ مواقع قربات الله، وفي كلِّ مواقع الامتثال لأوامره.

 وهكذا أيّها الأحبّة، فنحن نتأمَّل في «عرفات»، ونتأمّل في «المزدلفة»، ونتأمّل في «منى»، ليعطينا ذلك كلّه أن يكون التأمّل هو طابع شخصيّتك، فلا تنطلق في أيِّ مشروع وفي أيّ عمل إلاّ بعد أن تتأمّله أوّلاً، وثانياً، وثالثاً، لتوازن بين ما تتحرّك فيه وما تنطلق منه، فإذا كنت تنطلق من الله ومن الإسلام شريعةً، ومن محمّد(ص) نبيّاً، ومن القرآن كتاباً، فلا بدّ من أن تحرّك كلّ ذلك في كلّ مشروع، وفي كلّ عمل، وفي كلّ علاقة، وفي كلّ موقف، وفي كلّ موقع.

وهكذا أن ترجم شيطانك في عقلك عندما يتحرّك شيطان عقلك بفكر الشّرّ، وأن ترجم شيطانك في قلبك عندما تنطلق خفقات قلبك في عاطفة الشّرّ، وأن ترجم شيطانك في حركتك عندما تتحرّك حياتك في اتّجاه الشرّ.

فأن تحجّ إلى الله، يعني أن تبدأ الحجّ بعد أن ينتهي الحجّ، لتحجّ إلى الله في كلّ ساحات الحياة، فحياتنا فيها الكثير من مواقع الطّواف، وفيها الكثير من مواقع السّعي، وفيها الكثير من مواقع الصّراع مع الشّيطان، وفيها الكثير من عرفات، ومن المشعر الحرام، ومن منى، إنّها تتَّسع حتّى تشمل الحياة.

معركتنا مع الاستكبار

وتبقى التّلبية لتؤكِّد نفسها في كلّ واقعنا الرّوحيّ والفكريّ والحركيّ، فالله أراد لنا أن نصلِّي، وأن نصوم، وأن نحجّ، فنحن نلبّيه في ذلك، والله أراد لنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن تكون صرختنا: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»، منطلقةً من حركة الصّراع في الداخل، والله أرادنا أن نجاهد الكفَّار والمنافقين والمستكبرين، فعلينا أن نقول: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»!! وها هم المجاهدون الآن يقفون في كلِّ عرفات جهاديَّة، وفي كلِّ مشعر جهاديّ، وإذا كان الحجّاج الآن يحجّون في مكّة، فإنّ هناك حجّاجاً يحجّون في «جبل عامل» وفي «البقاع الغربي»، إنّهم يحجّون حجّاً من نوع آخر، إنّهم يرجمون الشّيطان، والشّيطان يرجمهم بكلِّ صواريخه وبكلّ مدافعه؛ يرجم المستضعفين ويرجم الأطفال والشّيوخ والنّساء بكلِّ وحشيّة، وهم لا يتركون للشّيطان أن تكون له القوّة، إنّهم يرجمونه في مواقع قوّته، ويرجمونه في كلّ عنفوانه.

أيُّها الأحبّة، إنّ المسألة هي أنّ هذه المعركة فرضها الاستكبار العالميّ علينا، وفي مقدّمه الولايات المتّحدة الأمريكيّة «الشّيطان الأكبر»، وفرضتها الصّهيونيّة العالميّة، ولذلك مضى الوقت الّذي كنّا فيه نُضرب، أمّا الآن، فهناك مجاهدون يقاتلون في سبيل الله، فَيقتلُون ويُقتَلون، بذلك يتأكّد تاريخ جديد ومرحلة جديدة. إنّهم يصيحون الآن أمام صاروخ يطلقونه باتجاه العدوّ: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»، و«الله أكبر»، إنّهم يصبرون لأنّ الله أمرهم بالصّبر. أمّا الأطفال الّذين سقطوا في «قانا»، وسقطوا في «النبطيّة»، وسقطوا في أيّ مكان، فقد ارتفعوا إلى الله وهم يصرخون: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»، والله يستجيب لصرخات الأطفال وصرخات النّساء وصرخات الشّيوخ والمحرومين والمشرّدين.

أيًّها الأحبّة، في كلِّ عقولنا، وفي كلِّ ذكرياتنا، نحتفل بكربلاء، وقد كانت كربلاء حقيقةً بأطفالها ونسائها وشيوخها، وفي «قانا» كانت كربلاء حقيقيّة انطلق فيها كلّ هؤلاء لأنّهم قالوا (ربّنا الله)، ولذلك علينا أن لا نسقط كما لم نسقط أمام كربلاء في التّاريخ.

كانت دموعنا لهيباً، وكانت مشاعرنا مشاعر ثورة، ولن تسقط كربلاء الجديدة، بل ستتحوّل إلى نار تحرق كلّ هذا الباطل، وستتحوّل المشاعر إلى ثورة تتجدّد ينقلها جيل إلى جيل، وتلك هي معركة الحقّ والباطل الّتي ينصر الله فيها من ينصره، إنَّ الله قويٌّ عزيز.

*[ندوة الشّام الأسبوعيّة/ فكر وثقافة]

 هذه الأيّام هي أيّام الحجّ، كما هي أيّام الجهاد، وعلينا أن نحدِّق بالحجّ في إيحاءاته وفيما يرمز إليه، حتّى نخرج من الاستغراق في ذاتيّة أعماله، إلى الانفتاح على الآفاق الواسعة الّتي تتبلور فيها شخصيّة الإنسان المسلم، ليعود الإنسان من حجّه إنساناً منفتحاً على كلِّ مسؤوليّته في الحياة، منطلقاً في السّاحات الواسعة الّتي كلّما عاش فيها مسؤوليّته اتَّسعت أكثر.

في البداية، ينطلق الإنسان في النّداء الّذي يؤكِّد عبوديَّته لربِّه، فكلمة التّلبية: «لبَّيك اللّهمَّ لبَّيك، لبَّيك لا شريك لك لبَّيك»، هي كلمة التّوحيد الحركيّ الّذي ينطلق في عقل الإنسان وفي وجدانه، من أجل أن يحرِّكه في كلِّ نداءات الله. فالإنسان، في الحجّ يقف بين يدي ربّه عارياً من كلّ شكليّات الواقع الفرديّ والاجتماعيّ، ليؤكّد أنّه لن يستجيب له استجابةً واحدةً، ولكن إجابةً بعد إجابةٍ، بما يوحي بأنّ الإجابة تظلّ تتحرّك في خطِّ الحياة، فالإجابة الأولى والثّانية والثّالثة، هي أن يكون الإنسان بكلِّه في حركة مع الله، ليتحوّل إلى تجسيد لاستجابته لله، من خلال دعوته سبحانه وتعالى للنّاس: {اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}(الأنفال:24). 

ثم إنَّ قصّة الطّواف ليست مادّيةً، بحيث تجعل الإنسان يطوف حول هذه الأحجار الّتي قدّسها الله وعظّمها، إذ لا عظمة لهذه الأحجار في ذاتها إلاّ من خلال تعظيم الله لها، فنحن نعظّمها لا من خلال أنّها أحجار مقدَّسة، ولكنَّنا نقدِّسها من خلال ما ترمز إليه من أنّه بيت الله، وبيت الله يبقى حتَّى تهدّمت الحجارة وتفتَّتت، فإذا سقطت أحجار منه، تأتي هندسة جديدة ويبقى بيت الله.

رمزيّة أعمال الحجّ

رمزيّاً، ليس الطَّواف عمليّةً ماديّةً تحاول أن تحصي فيها خطواتك، ولكنَّها رمزٌ إلى أنّ من يطوف ببيت الله، وحول الكعبة، لا بدَّ من أن يكون طوافه في كلِّ ما يطوف به من مواقع ومن بيوت، وأن يكون طوافه لله في مواقع طاعته وفي مواقع جهاده وفي مواقع حركته في الحياة، سواء في الأعمال والأموال، أو العلاقات، فمن يطوف بالبيت، لا يمكن بعد ذلك، إذا أخلص لطوافه، أن يطوف ببيوت الظّالمين، وببيوت الكافرين والمستكبرين، لأنّ الله حدّد له مواقع طوافه، فالطّواف رمزٌ يجعل كلّ طوافك في الحياة وفي أيِّ موقع ودائرة، طوافاً لله تعالى.

وعندما تسعى، فإنّ السّعي يرمز إلى كلِّ سعي في الحياة، بحيث تسعى وليس هناك ما يلفتك، ليس هناك من مناظر جميلة تجتذبك، وليس هناك أشياء مميّزة تأسر انتباهك، ولكنّك تسعى لأنّ الله أراد لك أن تسعى، فهو رمز لكلّ سعيك في الحياة، أن تسعى في كلّ مواقع قربات الله، وفي كلِّ مواقع الامتثال لأوامره.

 وهكذا أيّها الأحبّة، فنحن نتأمَّل في «عرفات»، ونتأمّل في «المزدلفة»، ونتأمّل في «منى»، ليعطينا ذلك كلّه أن يكون التأمّل هو طابع شخصيّتك، فلا تنطلق في أيِّ مشروع وفي أيّ عمل إلاّ بعد أن تتأمّله أوّلاً، وثانياً، وثالثاً، لتوازن بين ما تتحرّك فيه وما تنطلق منه، فإذا كنت تنطلق من الله ومن الإسلام شريعةً، ومن محمّد(ص) نبيّاً، ومن القرآن كتاباً، فلا بدّ من أن تحرّك كلّ ذلك في كلّ مشروع، وفي كلّ عمل، وفي كلّ علاقة، وفي كلّ موقف، وفي كلّ موقع.

وهكذا أن ترجم شيطانك في عقلك عندما يتحرّك شيطان عقلك بفكر الشّرّ، وأن ترجم شيطانك في قلبك عندما تنطلق خفقات قلبك في عاطفة الشّرّ، وأن ترجم شيطانك في حركتك عندما تتحرّك حياتك في اتّجاه الشرّ.

فأن تحجّ إلى الله، يعني أن تبدأ الحجّ بعد أن ينتهي الحجّ، لتحجّ إلى الله في كلّ ساحات الحياة، فحياتنا فيها الكثير من مواقع الطّواف، وفيها الكثير من مواقع السّعي، وفيها الكثير من مواقع الصّراع مع الشّيطان، وفيها الكثير من عرفات، ومن المشعر الحرام، ومن منى، إنّها تتَّسع حتّى تشمل الحياة.

معركتنا مع الاستكبار

وتبقى التّلبية لتؤكِّد نفسها في كلّ واقعنا الرّوحيّ والفكريّ والحركيّ، فالله أراد لنا أن نصلِّي، وأن نصوم، وأن نحجّ، فنحن نلبّيه في ذلك، والله أراد لنا أن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، وأن تكون صرختنا: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»، منطلقةً من حركة الصّراع في الداخل، والله أرادنا أن نجاهد الكفَّار والمنافقين والمستكبرين، فعلينا أن نقول: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»!! وها هم المجاهدون الآن يقفون في كلِّ عرفات جهاديَّة، وفي كلِّ مشعر جهاديّ، وإذا كان الحجّاج الآن يحجّون في مكّة، فإنّ هناك حجّاجاً يحجّون في «جبل عامل» وفي «البقاع الغربي»، إنّهم يحجّون حجّاً من نوع آخر، إنّهم يرجمون الشّيطان، والشّيطان يرجمهم بكلِّ صواريخه وبكلّ مدافعه؛ يرجم المستضعفين ويرجم الأطفال والشّيوخ والنّساء بكلِّ وحشيّة، وهم لا يتركون للشّيطان أن تكون له القوّة، إنّهم يرجمونه في مواقع قوّته، ويرجمونه في كلّ عنفوانه.

أيُّها الأحبّة، إنّ المسألة هي أنّ هذه المعركة فرضها الاستكبار العالميّ علينا، وفي مقدّمه الولايات المتّحدة الأمريكيّة «الشّيطان الأكبر»، وفرضتها الصّهيونيّة العالميّة، ولذلك مضى الوقت الّذي كنّا فيه نُضرب، أمّا الآن، فهناك مجاهدون يقاتلون في سبيل الله، فَيقتلُون ويُقتَلون، بذلك يتأكّد تاريخ جديد ومرحلة جديدة. إنّهم يصيحون الآن أمام صاروخ يطلقونه باتجاه العدوّ: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»، و«الله أكبر»، إنّهم يصبرون لأنّ الله أمرهم بالصّبر. أمّا الأطفال الّذين سقطوا في «قانا»، وسقطوا في «النبطيّة»، وسقطوا في أيّ مكان، فقد ارتفعوا إلى الله وهم يصرخون: «لبّيك اللّهمّ لبّيك»، والله يستجيب لصرخات الأطفال وصرخات النّساء وصرخات الشّيوخ والمحرومين والمشرّدين.

أيًّها الأحبّة، في كلِّ عقولنا، وفي كلِّ ذكرياتنا، نحتفل بكربلاء، وقد كانت كربلاء حقيقةً بأطفالها ونسائها وشيوخها، وفي «قانا» كانت كربلاء حقيقيّة انطلق فيها كلّ هؤلاء لأنّهم قالوا (ربّنا الله)، ولذلك علينا أن لا نسقط كما لم نسقط أمام كربلاء في التّاريخ.

كانت دموعنا لهيباً، وكانت مشاعرنا مشاعر ثورة، ولن تسقط كربلاء الجديدة، بل ستتحوّل إلى نار تحرق كلّ هذا الباطل، وستتحوّل المشاعر إلى ثورة تتجدّد ينقلها جيل إلى جيل، وتلك هي معركة الحقّ والباطل الّتي ينصر الله فيها من ينصره، إنَّ الله قويٌّ عزيز.

*[ندوة الشّام الأسبوعيّة/ فكر وثقافة]

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية